عدن لآنها مرآتنا .. مرآة الجنوب ، حضارياً ، ثقافياً ، اقتصادياً وسياسياً فإننا مهما عملنا أو أنجزنا ومهما انصبت جهودنا في غير عدن فلا جدوى ، اذا لم تكن في المقدمة عدن .. لأنها مرآة الجنوب ... فمنها يفوح الحب والعطاء والحضارة ومنها نستنشق عبير الديمقراطية واحترام الرأي الاخر ... ومنها يرفرف على كل الجنوب حمام السلام .. ومنها نتعلم كيف تتوحد القلوب حباً وإخاءً ... بعد اليوم لا اتهم أحد بالمناطقي ، لو تحدث عن عدن مشيداً بها أو متعصباً لها أو ناقداً لأي سلبيات أو مظاهر فساد وإفساد وتخلف ترتكب فيها ... لأنها مرآتنا . عدن بشوارعها ، بسكانها برجال أمنها ومقاومتها وبعمالها برجال العلم فيها والطب فيها بطلابها بحوانيتها ، بجبالها بطرقاتها ، تخطيطها ، ببحرها ، بمدارسها وبمستشفياتها ... تختلف تماماً عن كل منطقة ومدينة في الجنوب .. عدن لها نكهتها الخاصة ، لها ميزاتها ، لها عشاقها لها من يموتون فيها ولهاً وهياماً .. ولا ننسى أن يكون لها مقابل ذلك أعداؤها ، حسادها والحاقدون حتى العظم عليها . عدن لو شوهت .. شوه الجنوب بكامله .. عدن لو أهملت أهملت كل مناطق الجنوب .. عدن لو انتشر الخراب والفساد فيها لعم ذلك كل الجنوب .. مدينة مدينة وقرية قرية .. عدن لو تألمت فلا صحة أو عافية لكل مناطق الجنوب . عدن لو عمرت عمر الوطن كله ، عدن لو جعلناها قدوة أو كعبة للجنوب لصلح الجنوب كله ... وعدن لو فرشنا فيها الحرير والبسناها الدمقس وزيناها بالحلي والجواهر والالماس فلن تستأثر به وحدها ... وستنشره على كل ربوة من روابي البلاد .. هذه هي عدن ... عن الأمن ستعكسه عدن .. عن الرخاء ستعكسه عدن .. عن النظام ستعكسه عدن .. عن الثقافة والحضارة وفن البناء وتخطيط المدن فلن يكون المرآة العاكسة لكل ذلك غير عدن .. هذه عدن .. وقد لا تكون بأفضل مدن الجنوب في الفترة الاخيرة .. ولكنها احتلت حيزاً ومكانه في القلب معظم مواطن الجنوب .. فلو سألت ابن حضرموت يجيب : أن لها في قلبي سكنا ؟ ولو سألت ابن الضالع يجيب : من أجلها اضحي بالدم طول الزمن ، وسألت ابن شبوة يجيب : انها احلى وارق حب في الجنوب . ولو سألت ابن لحج ، المهرة ، سقطرى ، لرأيت أن عدن لهم أيضاً .. هي مرأة الجنوب فهل نشوه الصورة ؟ أم نعمل على أن تكون – فعلاً – المرأة جميلة قوية . ومن هنا فإن خدمة عدن لا تتم عبر لافتات ضخمة من الشعارات الرنانة الطنانة التي يبدو في ظاهرها المحبة والرحمة وباطنها الخبث والعذاب .. خدمة عدن تتم بالممارسة وبالفطرة الخالية من هرج الكلام والبعيدة عن الاستعراضات . وهي لا تشترط أن يكون صاحب الخدمة المقدمة لعدن من الاسماء اللامعة أو أن ينتمي إلى طبقة معينة لان اصحاب الاسماء اللامعة في الاصل لم يكونوا قبل أن يدخلوا ميدان الخدمة العامة إلا اسماء من بين عشرات الالاف من المواطنين العاديين .. دفع بهم الوطن أولاً لما قدموه من خدمة له إلى الصفوف الأمامية ليتولوا المسؤولية . وإذا ما ارادت تلك الاسماء اللامعة أن تستغل الخدمة الوطنية لمصالحها الشخصية ومآربها الخاصة فإنها ستعود إلى مجرد اسماء لا تذكر بالخير أمام عامة الناس إذا ما ارادوا أن يفاضلوا بينهم وبين المصلحة العليا للوطن . والحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن أي انسان يحدد قيمته حسب ما يقدمه لوطنه من أعمال خيره .. لأن الوطن لا يبنى إلا بسواعد ابنائه .. وإخلاصهم وتفانيهم وحرصهم الدؤوب على أن يصلوا بالوطن إلى الذرى العاليات ترفرف فوقه اعلام الكرامة والحرية ولا يرتفع أي صوت فوق صوته ومصلحته هي المصلحة التي يجب أن تسمو فوق كل المصالح والغايات .فالأسماء الصغيرة اليوم ستصبح اسماء كبيرة في الغد اذا اقدمت على العمل بإخلاص وحمل الشباب الامانة بتجرد .. ونحن لم نسمع في يوم من الايام عن أي مجتمع من مجتمعات الارض حدد العمل الوطني على فئة معينة من فئاته .. ولم نقرأ في التاريخ القديم أو الحديث عن مجتمع انتصرت فيه الخدمة الوطنية على الاسماء الشهيرة أو اساطين السياسة أو الاقتصاد .. لكننا نسمع عن أن الحكماء لهم مكانتهم التاريخية وكل من يعمل من أجل الوطن تسمو مكانته وترتفع ولكننا لم نسمع عن حصر العمل الوطني في فئة دون الأخرين . ومن هنا ادعو للجميع بالتوفيق والنجاح للوصول إلى الاهداف العليا للمصلحة الوطنية في خدمة عدن و الجنوب هذا الوطن الحبيب "والله من وراء القصد" بقلم : أكرم الحريري