جرائم القتل مهما كانت دوافعها وذرائعها تدل على أن ثمة قصور لا يزال يرافق أداء الأجهزة الأمنية في تقفي أثر الجمعات والعصابات المسلحة ومروجي بيع المخدرات (الحبوب الممنوعة) والتي ساعد انتشارها وتفشيها في رفع معدل الجريمة في مدينة ما انفكت تستنزف من خصائصها كمجتمع مدني متحضر. والقصور الأمني الذي تشهده عدن أحد العوامل التي ساعدت بشكل كبير على تواجد المسلحين ونشرهم لأعمال الفوضى والعنف وزيادة معدل القتل والتقطع لاسيما خلال فترة ما بعد الحرب.
والمظاهر المسلحة فردية كانت أو جماعية التي باتت تُشاهد في شوارع المدينة لم تعد تمثل مصدر قلق للسكان الآمنين, بل تشكل تهديداً مباشراً على حياتهم وأمنهم لاسيما عند نشوب اشتباكات مسلحة مباغتة بين قوات الأمن وبعض المسلحين الخارجين عن القانون، أو من خلال عملية ملاحقة العناصر والجماعات الإرهابية والتي غالباً ما يذهب ضحيتها مواطنين أبرياء, بالإضافة إلى بروز ظاهرة سلبية ودخيلة على المجتمع العدني متمثلة في إطلاق الأعيرة النارية من قبل أولئك المسلحين المستهترين الذين يتلذذون بنرجسية بضغط الزناد واطلاقه بكثافة في الهواء في حفلات العرس وغيرها من المناسبات الاجتماعية التي تنظم وسط الأحياء والمناطق السكنية.
ويلعب بعض الوافدين من قراهم دورا سلبيا لا يتناسب مع ثقافة مدينة عدن السلمية باجترار عادتهم وتقاليدهم ومحاولة تطبيعها في مدينة عدن من خلال حمل السلاح والتباهي به في الأسواق العامة كطيش أو شطح شخصي, وآخرين قاموا بتوظيفه لابتزاز الآخرين وبأساليب انتهازية.
كل ذلك ما يزال يحدث في سياق قصور السلطات الرسمية والأمنية في التصدي وبحزم لأولئك المسلحين المتمردين الذين يختالون ببنادقهم بحرية وسط أسواق وشوارع المدينة, على الرغم من الخطة التي وضعتها اللجنة الأمنية منذ تسلمها قيادة أمن المحافظة نهاية العام المنصرم في ملاحقة المسلحين وإنهاء كافة أشكال المظاهر المسلحة في عدن، وحضر التجول بالسلاح في الطرقات والأسواق العامة, وتأمين أمن واستقرار المدينة من خلال تعزيز دور القانون وتطبيق الإجراءات المناسبة والرادعة بشأن من يتم ضبطهم في القضايا الأمنية والجنائية.
كما أن عودة انتشار مواقع لبيع السلاح في بعض المناطق والأحياء المتفرقة في المدينة، ساعد وإلى حد كبير في تفشي ظاهرة السلاح دون ضوابط على الرغم من الحملات والإجراءات التي تقوم بها الجهات الأمنية المعنية بين الفينة والفينة لمطاردة البائعين ومصادرة السلاح إلا أن تلك الجهود لم تسهم بفعالية إيجابية لضبطها بشكل نهائي وحاسم.
إن الكثير من شحنات الأسلحة أخذت طريقها إلى أيدي الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وأخرى أصبحت في متناول مليشيات أصبحت مرتبطة بمراكز قوى سياسية وعسكرية، وبعضها لها علاقة بشيوخ قبليين ذو نفوذ واسع في السلطة.
وغياب الأمن في عدن ليس وحده مشكلة تعانيها المدينة بل تعدته ارتكاب وممارسة أعمال اكثر إجرامية وخطورة, سواء بتلك المتعلقة بجرائم القتل الفردية أو المرتبطة بالتصفيات المنظمة وغيرها من عمليات التقطع والابتزاز التي تقوم بها العصابات المرتزقة.
ولو نظرنا إلى معدل جرائم القتل التي ارتكبت في مرحلة ما بعد الحرب سنجد أنه قد أخذ مؤشرات عالية وواسعة لم تشهدها المدينة من سابق.
والمقلق أن بعض جرائم القتل أصبحت ترتكب باسم الدين بإقامة الحد والقصاص بحق أشخاص خارج نطاق القانون والقضاء والتي تنفذها بعض الجماعات المتطرفة، كالذي حدث في مجزرة دار رعاية المسنين في شهر مارس السابق، وإعدام مواطن في مديرية دار سعد بحجة بيعه وترويجه للخمور.
ويبقى الجانب الأخطر من بين تلك الجرائم بروز جرائم لا تقل خطورة تتعلق بالتصفيات الجسدية وإعدام مدنيين خارج نطاق القانون, نفذها أولياء دم بسبب قتلهم لأبنائهم، وذلك نتيجة غياب القانون واستمرار توقف عمل أجهزة النيابة والقضاء منذ أكثر من عامين وتحديداً منذ نهاية العام 2014م.
يؤكد اخصائيون أن انتشار السلاح في عدن تزداد خطورته بوجود كارثة اشد فتكاً على سلامة وأمن المجتمع وشبابه, وهي انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة والتي تضاعف مدمنوها بين شرائح الشباب والمراهقين.
وظاهرة انتشار المخدرات أصبحت الآن بمثابة قضية اجتماعية معلنة, تقف وراء جرائم وإشكاليات كبيرة يقترفها اللاوعي في ممارسة أعمال النهب والسطو وارتكاب جرائم القتل بدم بارد.
يصف الأخصائيون أن تفشي المخدرات وتعاطي الحبوب المخدرة في عدن, واحدة من وسائل القتل البطيء التي تستهدف شباب المجتمع لتقودهم إلى حالة من التبلد والجمود بهدف تعطيل طاقاتهم البدنية وشل قدراتهم الإبداعية.
ومن بعض عوامل تعاطي الشباب لهذه الحبوب المدمرة للعقل والصحة، الفراغ الذاتي وغياب الوازع الديني, والهروب من أوضاع البطالة والأزمات النفسية والاجتماعية، وإحساسهم بفقدان الثقة بأنفسهم إلى درجة قيامهم باقتراف الحماقات بحق الآخرين, والجنوح إلى ممارسة أعمال فوضى وتخريب دون وعي أو مبرر.
والطامة الكبرى أن أنواعاً جديدة من الأقراص المهدئة المجهولة والتي تعرف (بأقراص الديزبم) دخلت إلى دنيا المدمنين، وهي من الأصناف التي تترك مضاعفات خطيرة كون مفعولها بالغ التأثير في تجميد قدرة الدماغ على التفكير, ما يجعل المدمن متهيئاً باستمرار وفي حالة نشطة بتلقي التوجيهات المتطرفة لممارسة المزيد من العنف أو حتى القيام بارتكاب القتل بدم بارد ودون لحظة تدبر أو تفكير.