لم يعد إلى منزله منذ سنين طوال ذوات عدد .. يشبه كثيراً من لا يعرف منزلاً له أصلاً . يجلس على أرض باردة يختلط ترابها بشيء من فتات نفايات في أقصى زقاق مظلم في أطراف تلك المدينة الصاخبة نهاراً الصامتة ليلاً . يشبه المتشرد .. هكذا يراه بعضهم .. يحمل همومه وأشياء كثيرة من لحظات الشتات في أكياس ثقيلة لا تسعها إلا مخيلته المنهكة . كان يشير بأصابع يده .. ربما اليمنى في الهواء .. يرسم أشياء في الهواء وللريح .. الريح وحدها هي أنيسه وصديقه في جو مغطى بالجمود والتبلد من أناس هذه المدينة قبل غيرهم !!
عندما ترسل شمس الصباح خيوطها لتخبر الكون الفسيح - بما فيه هذا الزقاق - بقدومها يقفز حامل الأكياس الثقيلة من الهموم وينهض باحثاً عما يقتات عليه .. من محاسن المحسنين أو من نفايات الطعام .. لا يهم مصدر ذلك عنده !! هو لا يسأل الناس .. يعمل بيديه ليحصل على ما يريد .. يمارس عمل الإسكافي البسيط أو حامل الأغراض بمقابل .. رغم ذلك يعد نفسه كريماً عفيفاً بينما تراه أعين الزائغين من حوله مجهولاً يشبه المتشرد .