الزمنُ ليس كعادتهِ.. أراقبُ الثواني وهي تتحركُ ببطءٍ شديد.. وأراقبُ الدقائق وهي تأخذُ بالتواري... لعلّ زمن هذا العام يمتازُ عن السنين الماضية من حيث طريقة ميلاده...!! لعلَّه يخشى الانتقال..!! فليالي الشتاء تلفح بالحرية القارسة ..،والسماء وحشاء..، وتجارب الماضي جدباء مُصحرة..،والساعات تجمد على حد تعبير البردوني: تعطشُ الأشجارُ تحسو ظلها.. تجمدُ الساعات من فرط الرتابة.. تبحث الأحزان في الأحزان عن.. وترٍ باكٍ وعن حلقِ ربابة.... تحتار الخواطر وتتوجس الهواجس.. هل يتجدد الأمل المغتصب ويشق الفجر المنبلج -من بين ثنايا البارود- مسار التحول ليصنع لوحة "الصباح الجديد" الذي طال انتظاره؟؟ أم إنَّ صباحنا الجديد يتماثل وصباح(أبي القاسم الشابي) وهو يرقبُ الوصول إلى مثاليتهِ بوساطة قنطرة (الّلا حياة)..الذي تمثل المسار الآمن للحظة الوصول والمعرفة ؟؟...أم إنَّ الواقع المجدب سيستأصل ذلك الصباح المرتقب في لحظة (خيبة التوقع)، وضياع الحامل السليم الذي تماهى مع الليل الشاحب الممتد بثقله الشديد؟؟!!؛ لتغدو الذات التواقة تناغي الأمل خارج سياق الواقع المُدْرَكْ ..!! حالها كحال: (عبد الرحمن شكري) وهو يصف لحظة البعث والأشلاء في رائعته:(حلم البعث)، بعد فقدان شرط الاتصال والتكيف مع الواقع الكئيب فيؤثر (الّلا حياة)، ويرسم مشاهد السرور بين تلك الجثث والأشلاء المتطايرة.. ...ويصور لحظة البعث والملائكة تسوق تلك الأشلاء؛ لتكسوا العظام،،وحالهِ كما يصف: والموت أطهرُ من خبثِ الحياة وإن .. راعت مظاهره الأجداثُ والظلمُ.. حتى بعثت على نفخ الملائك في.. أبواقهم وتنادت تلكم الرمم.. فذاك يبحث عن عينٍ له فقدت.. وتلك تعوزها الأصداغ واللمم..ُ وربَّ غاصبٍ رأسًا ليس صاحبه.. وصاحب الرأسِ يشكوه ويختصمُ رقدتُ مستشعراً نوماً لأوهمهم.. إني عن البعث في شغل وبي صممُ.. فأعجلوني ،وقالوا: قم فلا كسل.. تنجى من الموت أن الله محتكم.. قد متَّ ما متَّ في خيرٍ وفي دعة.. وقد بعثت فماذا ينفع الندمُ... لعلَّ تراكم طبقات اليأس قادت الرومانسيين إلى لحظة (الخيبة…)بعد مشاهدات عصر (الآلة) الذي حول الإنسان إلى حاجة فائضة بل وقمع جماليات الحياة ببشاعة تطور (آلآته العسكرية) ووحشيتها، وقسوة الرأسمالية التي دكَّت القيم، ودمرت الأخلاق، وشوهَّت تلك اللوحة الإنسانية الجميلة!! ...؛ ونتيجة لتلك الحتميَّة التي غمرت الواقع؛ تغنى الرومانسيون عبر قيثارة الإنين الشجي المتسائل عن ذلك الحلم الدافئ في تلك الطبيعة الساكنة والمتحركة؛ لعلَّه يجده في تلك الجداول يترقرق وينساب جمالا في دنيا العدم.....!!!
ومع قسوة البحث والتماهي والتشارك الوجداني مع تفاصيل الطبيعة.. تجد في الزاوية الأخرى من ذلك المشهد القاتم الآتي من خلف الواقع بما تفاعل فيه من قيم عصريَّة : لعلعات التخلف، ودانات الخيبة، وأزيز الوحشة، وراجمات الموت....!!! لكنَّ (النظرية الخضراء) كما تبدو استعصت على الترويض والتطويع، والقولبة، وأخذت تداعبُ (بشرى الخلاص) في التحول الذي توارى واندثر عقب ميلاده الجديد.. وأخذ (الصباح الجديد) ينكمش تحت وطأة القوى الظلامية لذلك الحلم الرائع...لكن (نسمات ربيع) ذلك الحلم المختطف، والمغتصب بدأت تستجمع قواها لتلامس الأمل، وتبدد اليأس من جديد في رحلت البحث الشاق عن ذلك (الصباح الجديد) الذي بدأ يتشكل.. من رحم جحيم الواقع وسوداويته...وقد زامن مسار التشكل إيقاعات من الصخب والضجيج العاصف الذي أخذت تلك الألوان الحمراء الدافئة البريئة تعنونه ،وتلوّح ببشارة الانتقال والتحول...!!! إنَّه الفجر الصادق، والصباح الجديد عبر دورانه الزمني في تحول عبقري؛ بوساطة عقارب الزمن ليقف على ضفة العام الجديد يرتل:" آياتِ بشرى وإيماءاتِ إنذارِ" في صناعة المستقبل الجديد، ويشكل معالم الحرية- لا شيء يساوي الحرية- ويسابق اللحظات غير متثائبٍ في مسارِ نهضةٍ ترتبط بالأصل وتتصل بالعصر....!!
باسم منصور باحث في مركز البحوث والتطوير التربوي/ عدن…