الإنحراف في العقل يؤدّي إلى إنحراف السلوك ، فالإرهاب فكرة منحرفة تؤدي إلى تلك التصرُّفات الدموية . ولقد تعدَّدت طرق مواجهة الإرهاب ، وأبرزها المواجهة الأمنية وهذا لا يكفي ؛ لأن فكرة الإرهاب فكرة لابدُّ من بيان ظلالها وعدم علاقتها بالدين ؛ ولأن الكثير من أتباع هذا الفكر هم من فئة العوامّ والبسطاء يتِمُّ إستغلال حماسهم وعواطفهم من أجل أن يلقوا بهم في حِممِ الموتِ وقتل الأبرياء بغير وجهِ حقٍّ . ولكن الأهمُّ من هذا كُلّهُ هو دورُ الأسرةِ والحاضنة الإجتماعية ؛ فالحاضنة الإجتماعية هي الرادع الحقيقي لمن يذهبون وراء تلك الأفكار المُنحرِفة فعلى الآباء والأقارِبِ أن يدركوا أن أبنائهم أو إخوانهم او أي قريب ينتمي لهذا الفكر يلعبون بالموت ، ويلعبون بالدماء المحرَّمة التي حرَّمها الله من فوق سبع سماوات ، ولقد أصبح هؤلاء.يلعبون بالموت الذي بسبِّبهُ تُرمُّل النساء ويتيتَّمُ الأطفال وتعاني بسببهِ الأُسر حين تفقد من يعولها . فلابد أن يكون لهم الدور الفعَّال في ردع أبنائهم الذين يلعبون لعبة الدم والموت وأن يكونون ضحية أفكار يديرها وحوش في صورة بشر لينشروا ثقافة القتل والدمار ، وأن يعلموا أنهم مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلَّم ))كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسئولٌ عن رعيَّتهِ )). قفْ أمام إبنك وامنعهُ ، قف أمام أخيك أو قريبٍ لكَ وامنعهُ بكلِّ الوسائل ؛ لأن الأهل هم الأقدر على ردعِ أبنائهم وهم اولى الناسِ بمنعِ أبنائهم من الإنجرار وراء الشرِّ . ولاعيب على الأهل إذا وصل بهم الأمر إلى أن يسجنوا أبنائهم ولو في بيوتهم ليمنعوهم من رفاقِ السوءِ وأعوان الشرِّ وتجّار الدمِ ، وإذا لم يقدروا عليهم فليتبرّأوا منهم أمام الله والناس أجمعين ، وأن يهجروهم مابقوا في غيِّهم وعمائهم . لكن الحاصل أن بعض الاهل يمثِّلون الملاذ الآمن لكثيرٍ من هؤلاء ؛ فهم على تواصلٍ مع أبنائهم وتبادل رسائل الشوق والحنين ويستقبلونهم استقبال العائد من الحجِّ والعمرة إذا عاد أحدُهم إلى قريتِهِ أو منزلِهِ . وكذلك المجتمع يجب ألا يروا منهم عين الرضاء ، ويجب هجرهم ونبذهم حتى يعودوا إلى الصوابِ ، فقد أوصلوا الموت إلى كلِّ مكانٍ . فكم من أبٍ ذهب لإستلام مرتَّبه وأولاده ينتظرونه في البيت ليدخلَ عليهم بالدقيق والخضروات والفواكه وإذا بهِ يُدْخَلُ إلى بيتهِ محمولاً على الأكتاف في جنازةٍ لينظروا إليهِ النظرة الأخيرة قبل وضعهُ في حفرةِ القبرِ !!!... فماهو ذنب ذلك الجندي الذي جاء لإستلام مرتَّبه بعد شهورٍ من الإنقطاع ذاق فيها ويلات الحرمان ؟!!!... هل ذنبهُ انه جاء يحمل معهُ أحلام أطفاله في المأكلِ ، والمشرب ، والملبس ، والعيش الكريم ؟!!!... ماهو ذنب ذلك المجنَّد الذي يريد أن يحصل على الوظيفة والحصول على مرتبٍ يعينه على قضاء حاجات الحياة ؟. إنها لعبةٌ الموت نتجرَّع مرارتها في أيامٍ كهذهِ لانرى فيها إلا الجُثث . فالموت عندهم هو جزاء من لايتعرف بهم ولا يقع على شاكلتهم بل وهو جزاء كلّ من يمرُّ في الطريق أو يتابع للحصول على رقمٍ عسكريٍ أو يقصدُ أي مصلحةٍ فهم لا يحملون إلا الموت والقتل فقط . والرسول صلى الله عليه وسلَّم يقول : ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوما ، قالوا علنا أن ننصر مظلوماً فكيف ننصرُهُ ظالماً قال تمنعهُ عن ظلمه )). فقد قتلوا أنفسهم أولاً قبل أن يقتلوا الناس الآخرين ، فهل بعد هذا المنكر من منكرٍ ؟ ويتَّموا أطفالهم وأحزنوا أهلهم وذويهم قبل أن يحزنوا أهالي الناس الآخرين ، وظلموا أنفسهم قبل ان يظلموا الآخرين فويلٌ لكلِّ من أظلَّهم وأعماهم عن الحقِّ وغسلوا أدمغتهم واستغلوا عواطفهم وجعلوا منهم وقوداً لنيران هم من أول من يحترق بها ، بينما قياداتهم في المخابئ والجحور بعيدين بأنفسهم عن النيران المشتعلة . ألا فليعلم الأهل والأسرة أن أبنائهم أمانة في أعناقهم وأن تركهم في أحضان الشرِّ والإرهاب يُعتبرُ خيانةٌ للأمانةِ . فالأسرةُ والمجتمع لهما الدور الأمثل والأكمل في ردع أبنائهم وإنقاذهم من التورُّطِ في سفكِ الدماءِ وإزهاق أرواح الأبرياء بدون وجهَ حقًّ ... *من احمد سُميح