انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    شبام يستعد توازنة أمام التعاون بالعقاد في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    سيئون يتخطى هلال السويري ويقترب من التأهل في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    رحيل الشيخ الزنداني يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي    بينهم يمني...شاهد: لحظة القبض على 4 متهمين بجرائم احتيال مالي في الرياض ومداهمة شقتهم    في اليوم ال 199 لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.. 34151 شهيدًا ونحو 77084 جريحا    ماذا طلبت جماعة الحوثي من الشيخ عبدالمجيد الزنداني قبل وفاته ورفض طلبها؟    دعاء مستجاب لكل شيء    الحوثيون يستجيبون لوساطة قبلية للسماح بإقامة مراسيم الدفن والعزاء للزنداني بصنعاء    ذمار: اندلاع حرب أهلية مصغرة تُثبت فشل الحوثيين في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم    حزب الرشاد يعزي في وفاة الشيخ الزنداني عضو الهيئة العليا للإصلاح    الزنداني كقائد جمهوري وفارس جماهيري    رئيس مجلس القيادة: برحيل الشيخ الزنداني خسرت الأمة مناضلاً جمهورياً كبيراً    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    الكشف عن علاقة الشيخ الراحل "عبدالمجيد الزنداني" مع الحوثيين    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    لهذا يُستهدف الانتقالي..!    رئاسة الجمهورية تنعي الشيخ عبدالمجيد الزنداني وتشيد بدوره في مقارعة النظام الإمامي    غضب المعلمين الجنوبيين.. انتفاضة مستمرة بحثا عن حقوق مشروعة    وزير الصحة يشارك في اجتماعات نشاط التقييم الذاتي لبرنامج التحصين بالقاهرة    ماني يتوج بجائزة الافضل في الجولة ال 28 من دوري روشن السعودي    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب تحتفل باليوم العربي للتوعية بآلام ومآسي ضحايا الأعمال الإرهابية    الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يبعث برقية عزاء ومواساة الى اللواء احمد عبدالله تركي محافظ محافظة لحج بوفاة نجله مميز    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    راتكليف يطلب من جماهير اليونايتد المزيد من الصبر    مجازر صباحية وسط قطاع غزة تخلف عشرات الشهداء والجرحى    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    انخفاض أسعار الذهب مع انحسار التوترات في الشرق الأوسط    ريال مدريد يقتنص فوزا ثمينا على برشلونة في "كلاسيكو مثير"    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    فاسكيز يقود ريال مدريد لحسم الكلاسيكو امام برشلونة    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    النقد الدولي: ارتفاع الطلب الأميركي يحفز النمو العالمي    مركز الإنذار المبكر بحضرموت يعلن انحسار تدريجي للحالة الجوية الموسمية    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    الأهداف التعليمية والتربوية في قصص القاضي العمراني (1)    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ أبو الحسن المصري.. ل"الجمهور" تناحر الإسلاميين يهدد البلاد
نشر في الجمهور يوم 01 - 10 - 2009

جماعات التكفير أفسدت الشباب.. والإرهاب الفكري والدموي موجود عند الشيعة
الإصلاح يبسط على عشرات المساجد وينكر السمع والطاعة لولي الأمر
اليمن استقرت في عهد الرئيس الصالح وطلاب الوادعي جنحوا للغلو
الشيخ أبو الحسن المصري، شخصية سيا-دينية، اتخذت من محافظة مأرب –الحدودية مع السعودية- مكاناً للإقامة منذ نحو 30 عاماً بعد المجيء من منصورة مصر.. أثارت وأثير حولها كثير من الجدل، ويتورط أو يتهم أبو الحسن بغير جريمة إرهابية.. ويقال بأنه مطلوب لأكثر من دولة بتهمة الإرهاب التي ينفيها عن نفسه، وعن كوادر تعليمه الحاملة لجنسيات متعددة..
لن نفسِّر كلامه.. أو نوضّح مراميه الترويجية للسلفية.. أو تبريره لأشياء أُخر.. ولكننا ندعوكم لقراءة حوارنا معه الذي رفض تسجيله أو الالتقاء به، ووافق على الالتقاء به عبر الإيميل..
(نشرته صحيفة الجمهور العدد"20" 2/8/2008م
* لايزال الشيخ أبو الحسن المصري المأربي يثير الكثير من الجدل داخل اليمن وخارجه .... فمن هو أبو الحسن ؟ وأين تلقى مراحل تعليمه المختلفة ؟
- الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد :
أرحب أولاً بالأستاذ عادل عبده بشر، رئيس تحرير صحيفة "الجمهور"، وأسأل الله عز و جل أن يوفق القائمين على هذه الصحيفة بالقيام بمهمتهم التوعوية النافعة على خير حال ،وأن يجنبنا وإياهم فتنة القول والعمل.
وأقول مستعينا بالله في الجواب على أسئلتكم :
إن مما يثير العجب كوني حسب ما ورد في السؤال سببا في إثارة الجدل داخل اليمن وخارجه، إذ أن من يكون كذلك هو الإنسان الغامض الذي لا يُعرف حقيقة توجّهه، ولم تظهر مواقفه، أما وقد ظهر لكثير من الناس القاصي منهم والداني موقفي من العنف والإرهاب، و من قضايا التكفير الخاص والعام، والموقف العلمي المتزن تجاه ولاة الأمور، ونحو ذلك من مسائل تشغل الساحة في الداخل والخارج ؛فما ذا بقي من حاجة لإثارة الجدل إلا عند جاهل أو متجاهل، وعند ذاك أذكر قول الله عز و جل : ( وما يضرونك من شيء).
وقول القائلة :
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
فإن صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب !
وقولك : من هو أبو الحسن ؟ وأين تلقى مراحل تعليمه المختلفة ؟ فأنا مصطفى بن إسماعيل السليماني ،مواليد مصر المنصورة، ولدت في الجمعة /5/ رجب /1374ه الموافق 14/1/ 1958م .
تلقيت دراستي العصرية النظامية بمصر، ابتداءً بالقرية، ثم المركز للدراسة الثانوية، ثم المحافظة للدراسة الجامعية ،وقد نشأت في قرية وفي أسرة تحب التَديُّن، وهي أسرة محافظة على الآداب الشرعية في الجملة كما هو حال أهل القرى، وحفظت كثيراً من القرآن في صغري، وفي كُتَّاب بقريتنا، وقبل بلوغ العشرين رغبتُ في تحصيل العلوم الشرعية، لاسيما في باب العقيدة والفقه والحديث، ولم أستمر طويلاً فقدمتُ إلى اليمن سنة 1400 ه وأنا ابن اثنتين وعشرين سنة تقريباً ،ثم تفرغتُ في اليمن لتحصيل العلوم الشرعية: من العقيدة، والفقه، والحديث، وغير ذلك .
* لماذا ترك أبو الحسن مصر؟
- أولا : بلاد المسلمين هي بلد واحد في الأصل، ومن انتقل من قطر إلى قطر منها؛ فالأصل أنه لا زال في بلده، كمن تحول من محافظة لأخرى داخل القطر الواحد، هذا مقتضى الولاء الذي بين المسلمين جميعا، والذي هو من أوثق عرى الإيمان، وإنما أصاب المسلمين ما أصابهم من التفرق والضعف حتى وضعوا عراقيل ضارة في كثير من الحالات وإن كان قد يُحتاج إلى بعضها في حالات أخرى فلم يكن التنقل من بلد مسلم لآخر مما يثير التساؤل في الأصل .
ثم إنني رغبت في السفر من مصر لتحصيل العلوم الشرعية في جوٍّ هادئ بعيد عن التوتر الذهني، إذ كان في مصر آنذاك ملاحقات لبعض جماعات التكفير، و الجماعات المناهضة للدولة، وهذه الجماعات أفسدت الشباب في بعض جوانب الاعتقاد والسلوك، فتجرأوا على الدماء المحرمة، ونشروا الفكر القائم على تكفير العصاة من المسلمين، وشغلوا الساحة الدعوية بذلك، وحكموا بكفر من لم يكن معهم، وإن كان من أعلم الناس وأتقاهم، بحجة أنهم فقط جماعة المسلمين، ولم يكن آنذاك هناك تمييز واضح عند الجهات الأمنية بمصر بين الطوائف الدعوية، وربما أُخذ الرجل بجريرة غيره، مع كوني ممن كان يتعرض للأذى من بعض جماعة التكفير لردي على فكرهم هذا، وتحذير الشباب من عقيدتهم، ولاشك أن في مثل هذا الجو المتوتر لايتفرغ الذهن لتحصيل العلوم الشرعية، ونظراً لما ورد في السنة النبوية في فضل اليمن وأهله، ونظرا لما كنت أسمعه من المدرسين العائدين من اليمن عن حال أهل اليمن من المحافظة على الدين، وتمسكهم بمكارم الأخلاق ونحو ذلك؛ فقد انشرحت نفسي للمجيء إلى اليمن، مع وجود من كان يرغبني بإلحاح في السفر إلى الشام، لكن ما شاء الله كان، وأحمد الله على ما قدر وأراد، فقد تهيأت لي فرصة لطلب العلم والدعوة إلى الله تعالى في اليمن، كما أسأل الله أن يتمها بخير، وأن يرزقني والجميع حسن العاقبة في أمرنا كله .
* متى أنشأ أبو الحسن معهد دار الحديث؟
- إنشاء معهد دار الحديث في مأرب، مرّ بعدة مراحل : فقد بدأ بتدريسي في بعض المدارس الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية بمأرب، وذلك ابتداءً من سنة 1401ه، واستمر ذلك عدة سنوات، ثم توسعت في باب الدعوة إلى الله،والخطابة في المناسبات العامة والخاصة، وخطب الجمعة، والعيدين، وذلك في عدة مديريات في مأرب، بل ربما كان ذلك في خارج مأرب أيضا، لاسيما في محافظة الجوف ،وذلك إلى سنة 1408ه، وخلال هذه الفترة فقد كان المحبون للدعوة من مأرب وغيرها يترددون عليّ لزيارتي وسؤالي عما يحتاجون إليه في أمورهم الدينية، وفي سنة 1409ه بدأ توافد بعض طلاب العلم إلى مكاني في مأرب بقصد الاستقرار لطلب العلم، ومن ذلك الوقت فالطلاب في زيادة، والدعوة في ظهور وانتشار على منهج الوسطية والاعتدال، ولله الحمد والمنة، وقد بلغ عدد الطلاب هذه الفترة أكثر من أربعمائة طالب، وقد تخرج من الدار عدد كبير ،وانتقلوا إلى بلدانهم، ونشروا منهج الاعتدال ولا أزكيهم على الله تعالى، و أسأل الله أن ينفع بالجميع .
* لماذا اخترت مأرب بالذات؟
- هذا راجع إلى تقدير الله أولا، ثم إنني أول ما جئت إلى اليمن سنة 1400 ه مكثت في صنعاء وما حولها نحو ثلاثة أشهر ،وكنت أطالع في هذه الفترة كتب العلوم الشرعية في بعض المكتبات في صنعاء، وأدْرس بعض علوم العربية عند أحد الفقهاء جزاه الله خيراً في بلاد خولان، ثم نزلت زيارة إلى مأرب، حيث يوجد بعض الأصدقاء والأحبة، سواء منهم من كان يعمل طبيباًً - آنذاك - لدى وزارة الصحة بمأرب، أو من ليس معه عمل رسمي ويعمل أعمالاً حرة، فلما نزلتُ إليهم رغبوني في البقاء في مأرب، وذكروا لي وجود مكتبة علمية كبيرة عند أحد الدعاة إلى الله عز و جل في مأرب، ووجود طلاب يحتاجون من يدّرسهم ويعلّمهم القرآن الكريم والعلوم الشرعية من أبناء مأرب، فوجدتها فرصة لأستزيد من العلم ولأعلِّم غيري، فكان ذلك مشجعاً لي على البقاء، مع أسباب أخرى وجدتها من شيم أهل مأرب، وصفاتهم الحميدة ولا أزكيهم على الله تعالى والتي كان لها الأثر في صبري على جو مأرب الحار وغير الملائم لمن هو حديث عهد بأرض مصر .
* مدة الدراسة في الدار حتى يتخرج الطالب؟
- المدة ليست محددة على وجه الدقة، لأن الدار أهلية خيرية، ومفتوحة لكل من يريد أن يستفيد شيئا من العلم الشرعي وإن قلَّ، ولا يشترط في قبول الطالب البقاء حتى يتخرج وإن كان ذلك أفضل فقد يجلس بعض الطلاب أسبوعاً، أو شهرا، أو سنة، أو أكثر، فإذا استمر الطالب نحو أربع سنوات تقريبا كان مؤهّلا للتخرج، فإذا أتم دراسة كتب معينة في العقيدة، والفقه، والحديث ,والتفسير، واللغة، و قد حفظ القرآن، أو قدْراً معينا منه، أخذ شهادة تدل على قدر ما عنده من العلم، ويُذكر فيها ما يشير إلى أنه درس الكتاب الفلاني والفلاني، وهذه الشهادة عبارة عن تعريف للطلاب الراغبين في العلم بأن هذا الطالب قد درس هذه العلوم، وأنه أهل للاستفادة منه فيها، وقد تخرج كثيرون من الطلاب، وانتقلوا إلى بلدانهم في اليمن وغيره، وفتحوا دورا للعلم بقدر قدراتهم والظروف المحيطة بهم فنفع الله بهم كثيرا، ولله الحمد .
* هل الدار ملزمة بالبحث عن وظيفة للخريج؟
- الدار ليست ملزمة بذلك، لأن هذا يحتاج إلى جهات حكومية أو خيرية متكفلة بهذا الأمر، وليس ذلك موجوداً، وغاية ما يمكن أن أفعله للطالب كتابة تزكية أو شفاعة عامة أو خاصة إلى أهل العلم والفضل داخل اليمن وخارجه، أُعَرِّف فيها بحال الطالب، و مقدار علمه، ومنهجه الذي يسير عليه، وحكمته واتزانه في الدعوة، وأنه أهل لأن يعان في طريق الدعوة إلى الله، وأن يؤخذ بيده، أو يُبنى له مسجد، ليتمكن من التدريس والدعوة، فإن نفع الله بهذه التزكية؛ وإلا فما على المحسنين من سبيل .
والذي ألجأ إلى هذا العناء عدم اعتناء الجهات المختصة في اليمن بالاستفادة من علم هؤلاء الطلاب، ولو بعمل معادلة علمية لهم، ليوظفوهم، وليستفيدوا من علمهم، ومنهجهم العلمي الهادئ الحكيم، ولما لم يفعلوا ذلك حُرم كثيرون في المجتمع من علم هؤلاء الطلاب، وأدى هذا إلى تمكين غيرهم ممن هم أقل منهم علما، وربما حملوا أفكاراً منحرفة، فأفسدوا الشباب، وأدخلوا البلاد في فتنة لا يعلم عاقبتها إلا الله، والله المستعان .
* ما الفرق بين معهد دار الحديث وجامعة الإيمان التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني؟
- جامعة الإيمان شهادتها معتمدة عند الجهات الرسمية، والطالب يحصل بها على درجة وظيفية حسب علمي وفي المقابل فدراسة العلوم الشرعية المتخصصة عندنا مكثفة ومركزة أكثر مما هي في الجامعة فيما يظهر لي وعلى كل حال فكل منهما على خير و يكمل الآخر، والجميع يصب في خدمة السنة والعلم الشرعي إن شاء الله تعالى، وإن وُجدت بعض وجهات النظر المتفاوتة؛ فلا يسوِّغ ذلك الخروج عن أدب الخلاف، أو ترك التعاون على البر والتقوى ،والاستفادة مما عند كل جهة من الخير، والسعي في جمع الشمل ما أمكن، مع مناقشة مسائل الخلاف في جو علمي أخوي صادق ،وهذا موقفنا من الجامعة أو غيرها من المؤسسات، والهيئات , والجامعات , والمدارس، والأفراد العاملين في الساحة لنصرة السنة النبوية.
والواقع خير دليل على ذلك ،وأسأل الله للجميع المزيد من التوفيق والسداد، ثم إن الساحة تسع الجميع، بل هي محتاجة إلى أضعاف أضعاف الموجودين، وكل على ثغر، والعاقل الذي يدرك أنه وحده لا يعمل شيئا يُذكر، أمام الهجمات الشرسة على الثوابت فضلا عما هو دونها.
* الشيخ أبو الحسن متهم بالإرهاب عند بعض الناس .. فما صحة صلتكم بتنظيم القاعدة في مأرب ؟
- بالنسبة لاتهامي بالإرهاب، ما أظن أن ذلك موجود إلا عند من لا يعرف أبا الحسن أصلا، أو من يعيش أسيرا لأوهام وخيالات وإشاعات روّجها المغرضون، أو من في قلبه غل على أبي الحسن ومن كان على شاكلته، ويتعامل مع أبي الحسن وأمثاله انطلاقا من المثل اليمني القائل : " عَنْزٌ ولو طارت " أو أنه يعني إرهاباً لا يفهمه ولا يفسِّره إلا هو وأمثاله !! وإلا فصوتي من الأصوات الجَهْورية في المجتمع اليمني وغيره التي تحذر من العنف والإرهاب، وتبين بُعد هذه الأفكار عن سماحة الإسلام وصفائه، وكتابي :" فتنة التفجيرات والاغتيالات : الأسباب، والآثار، والعلاج " مرجع مشهور في تأصيل الفهم الصحيح في هذه المسائل، وقد طبعته وزارة الشؤون الإسلامية بالرياض عدة مرات، وتوزعه مجاناً، وذلك لما يمتاز به الكتاب من عرض منصف لمشكلة العنف والإرهاب، وطرق واقعية للعلاج، ورد على الشبهات دون وكس أو شطط، والفضل في هذا كله لله وحده، ثم إن الفتاوى المنشورة عني في هذا الباب، واللقاءات الصحفية وغيرها، سواء كان ذلك في صحف يمنية أو غير يمنية، والندوات التوعوية، وطلابي الذين استفادوا من مجالستي، وطلابهم الذين استفادوا منهم، ومحاضراتي، ولقاءاتي الدعوية في اليمن وغيره : كل ذلك يكذِّب هذه التهمة، ويؤكد أنها فرية بلا مرية، وترويج مثل هذه الإشاعات، وانطلاؤها على كثير من الصحفيين؛ يدل على أن كثيرا منهم لا يكلف نفسه البحث عن الحقيقة أدنى تكليف، وإلا فلو تابع أدنى متابعة لعرف الحقيقة، وهذا يدل على أن كثيراً منهم لم يدرك لُبَّ رسالته الصحفية، وإنما همّه ترويج الإشاعات، ليظفر بمكسب إعلامي، ولا يبالي أن يكذِّب نفسه غداً فيما أشاعه اليوم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : " كفى بالمرء إثماً أن يحِّدث بكل ما يسمع " والله المستعان .
وأما عن سؤالك: ما صحة صلتي بتنظيم القاعدة في مأرب؟.. فلا أعرف تنظيما بمأرب بهذا الاسم، فضلاً عن أن يكون لي به صلة أم لا ، والذين يُتهمون إعلاميا أو أمنيا بهذا الوصف لا أعرف أحدا بارزا منهم في مأرب، وإن وجد أحد متأثر بهذا الفكر التنظيمي فلا أعرفه شخصياً.. وأما عن وجود من يكره الدولة، أو يذكر مثالبها، أو يحرض عليها لسبب أو لآخر مستغلين في ذلك الغلاء المعيشي فهؤلاء كثير في اليمن، وليس في مأرب وحدها، ولا يلزم أن يكونوا من تنظيم القاعدة، فمنهم العامي، ومنهم غير ذلك ,وموقفنا من هذا الفكر واضح، وردودنا عليه أشهر من أن تذكر، وليس ذلك رضىً منا بالفساد المالي والإداري الموجودين، أو الغلاء المعيشي الطاحن في البلاد كما يحلو لبعض المشوهين لدعوة أهل السنة أن يرميهم دائماً بذلك ولكن هذا الموقف المتزن من باب الخشية من أن يزيد التهييجُ الطينَ بلَّة، والمجتمع مرضا وعلة، والأمة فرقة وذلة، هذا مع بَذْل النصح ما أمكن .
فالدعوة السلفية العلمية التأصيلية في اليمن وغيره هي التي تعالج هذا الفكر الدموي وغيره من أفكار منحرفة، لكن بإنصاف وحجج وبراهين، وعلى منهجية مؤصلة ومستمرة، بخلاف الإعلام أو بعض الجهات الرسمية التي لا نعلم لها وجوداً إلا عند وقوع حادث مروّع في مأرب أو غيرها، فعند ذلك تأتي وسائل الإعلام المحلية و الدولية، وتُعقد ندوات للتنديد والشجب، وتظهر فتاوى، وتظهر الكتابة بالخطوط العريضة الحمراء في الصحف بالاستنكار، وإن كان كل ذلك مطلوبا؛ إلا أنها رغوة صابون سرعان ماتنتهي، لأنها لا تقوم على منهج مؤصَّل في العلاج، أما دعوتنا فتحمل على عاتقها تربية شباب الأمة على الوسطية والاعتدال.
* أعمال إرهابية حَدَثَتْ في مأرب، وكان ضمن المتهمين فيها طلاب "دار الحديث" في مأرب، ما هو تعليقكم على ذلك ؟
- اتهام طلاب "دار الحديث" في مأرب بمشاركتهم في أعمال إرهابية بمأرب اتهام صادر من بعض الصحفيين الذين يجهلون الحقيقة، أو صادر من بعض الحاقدين على الدار، أو المروجين لإشاعات الحاقدين، ولم يصدر ذلك ولله الحمد عن الجهات الأمنية المختصة في مأرب أو صنعاء، لأنهم يعلمون أن الدار بعيدة كل البعد عن هذا الفكر أو ذاك العمل، فهذا الاتهام كاتهام الذئب بدم يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ولو فرضنا أن بعض المسؤولين صرح بذلك، فهو محمول على أنه صرح بما بلغه لا بما هو واقع، أو أنه يريد أن يثبت إخلاصه في عمله، ويقظته في مهمته ولو بظلم الأبرياء، وفي هذا العمل من الفساد، فوق ذلك : أن اتهام البريء سبب في براءة المتهم الحقيقي، واستمرار فساده في الأرض، فيا ليتهم يعلمون !!
والذي حصل في مأرب عبارة عن مشكلة بين القبائل والقوات المسلحة أثناء محاولة القبض على بعض المتهمين بالإرهاب، في منطقة تبعد عن الدار قدر سبعة كيلومترات، وقد علم طلابُ الدار بالخبر كما علم غيرهم عبر الناس الذين حضروا أو سمعوا ممن حضر، فأية صلة للطلاب بهذا الحادث ؟!
* الشيخ أبو الحسن مطلوب للسلطات المصرية، هكذا يدّعي بعض الناس، فما صحة هذا القول ؟
- ليس صحيحاً أن السلطات المصرية أو غيرها تطلبني، وهذه فرية قديمة، أثبت الواقع كذبها، فأحياناً أذهب إلى السفارة المصرية بصنعاء لاستخراج بعض المعاملات التي تهمني أو تهم أقاربي، وليس لهذه الفرية أثر ولا عين .
ولي قرابة ثلاثين سنة في اليمن فما سمعت هذا من أي جهة رسمية مصرية أو يمنية طيلة هذه المدة، مع لقائي أحياناً بهؤلاء وأولئك، أفلا يدل كل هذا على أن هذا من القول بغير علم ؟!
ثم إن دعوتنا ولله الحمد تدعو إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في جميع البلاد : مصر , واليمن، وغيرهما، وتحذر من كل ما يقلقل الأمن ويزعزعه، ودعوتنا تُصْلح ما أمكن بالحكمة والموعظة الحسنة، وتقرر سماحة الإسلام وبراءته من الإرهاب الفكري والدموي، وتتعاون مع المسؤولين الصادقين بالمعروف في إنصاف المظلوم، وحفظ الحقوق، ورد المظالم، وتعليم الجاهل، وكسوة العاري، وكفالة اليتيم ، وبناء المساجد، ومشاريع السقيا، وإصلاح ذات البين، ومحاربة ظاهرة الثأر القبلي، والاستعمال الأهوج للسلاح، وتحارب الفساد العقدي والخلقي، كل ذلك في حدود المتاحات؛ لا مجرد التحليق في سماء الخيالات والطموحات، فلماذا بعد هذا كله تثار إشاعة أني مطلوب للسلطة المصرية أو غيرها ؟! إن هذا ليدل على جهل أو تجاهل وتحامل، لكنه غيظ الأسير على القِدِّ، والله المستعان .
* بعض الجماعات المنضوية في الجماعات السلفية انسلت إلى تنظيمات أخرى، "كالجهاد" مثلاً.. فما هو تعليقكم على هذا ؟
- وهذا أيضاً من جملة التشويه للحق وأهله، وتحميل الدعوة السلفية الصحيحة ما لا تحتمل؛ لأن وجود شواذ في كل طائفة أمر لاينكره إلا جاهل أو متجاهل، ولو حَمَّلْنا دعوة الحق كل ما يحصل من زلات بعض المنتسبين إليها؛ لآل بنا الأمر إلى فساد عظيم، فمثلا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الحق والهدى والنور، وَوُجد فيمن ينتسب إلى الإسلام آنذاك منافقون، على رأسهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول، فهل هذا دليل عند العقلاء المنصفين على تحميل دعوة الحق ما يجري من المنافقين؟.. وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من جنده صنفان من أهل الأهواء :فرقة ادعت أنه إله، وهم أتباع ابن سبأ، وأخرى كفّرته وحاربته، وهم الخوارج النواصب، وفيهم يقول القحطاني في نونيته :
واعرف لأهل البيت واجب حقهم
واعرف عليا أيما عرفان
لا تنتقصه ولا تزد في حبه
فعليه تصلى النارطائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة
وتنصه الأخرى إلها ثان
فهل يُتهم عليّ رضي الله عنه بسبب انحراف من انحرف من جنده ؟ كيف والله سبحانه وتعالى يقول :(ولا تزرُ وازرة وزْر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى )؟!
وهذا المذهب الزيدي خرج بعض أبنائه بفكر الرافضة الإمامية، وأعلنوا التمرد على الدولة، وحصل بسبب ذلك شر عظيم في القوات المسلحة وفي الشعب، فهل نتهم المذهب الزيدي والزيدية عموماً بالإرهاب؟! وهؤلاء بعض الشافعية تابعوا الحوثية على أفكارهم أو ذهبوا مع أصحاب التفجيرات فهل نتهم المذهب الشافعي بذلك ؟
وهاهي المدارس والجامعات في العالم الإسلامي قد تخرج منها طلاب، وغَزَتْهم هذه الأفكار، مع أن بعض الخريجين يدرس دراسات علمية عصرية بحتة كالطب والهندسة، فهل معنى ذلك أن الجامعات والمدارس توجَّه إليها جميع التهم بسبب انحراف بعض خريجيها ؟ أو يُطْعَن في دراسة الطب والهندسة لذلك ؟!
هذا، مع العلم بأن وجود بعض من ذهب إلى العنف فكراً وفعلاً ليس خاصًّا بالدعوة السلفية، فالشيعة عند بعضهم من الإرهاب الفكري والدموي ما لا يخفى، وما يجري في اليمن بسببهم وما جرى قبل ذلك في الحرمين وغيرهما، وما يجري منهم في العراق ضد أهل السنة لا يجهله أحد، إلا الذين يحبون أن يحمِّلوا غيرهم ما جنتْه أيديهم !! كما أن العنف موجود عند غير المسلمين أصلا ،ومنه عنف تمارسه دول، ومنه عنف تمارسه جماعات، ومؤسسات، وعصابات، وأفراد، فلماذا هذا الضجيج الإعلامي الماكر الذي يحاول أن يحمل الدعوة السلفية زلات بعض الشواذ، ويجعل هذه الدعوة المباركة من أولها إلى آخرها مرحلة من مراحل الإرهاب الفكري والدموي؟
ثم إن الدعوة السلفية الصحيحة دعوة منفتحة على الناس، وتعامل الناس بحسب الظاهر والله يتولى السرائر، وعملها أكثر ما يكون في المساجد، والمساجد مفتوحة لكل من دخلها إما للصلاة، أو لحضور محاضرة، أو درس في الفقه، أو الحديث، أو التفسير، أو اللغة، أو حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، فمن حضر مرة في المسجد ثم انصرف، وتلقفته فرقة أخرى، وعبأته تعبئة فاسدة، وحذّرته من العودة مرة أخرى إلى هذه الدعوة وحملتها، ثم قام بأعمال تخريبية، فقُبض عليه، وسئل عمن يسمع له من الدعاة، أو يحضر عنده من العلماء، أو سئل عن المسجد الذي يصلي فيه ؟ فقال : لقد حضرت محاضرة للشيخ الفلاني من دعاة السلفية أو درستُ أسبوعاً، أو شهراً، أو أكثر عند فلان، قالوا منتهزين لهذه الفرصة : الدعوة السلفية أحد أطوار الإرهاب!! هذا ليس من الإنصاف، وليس من الصدق والإخلاص في معرفة مواطن الداء ليوضع له الدواء، فإن الدعوة السلفية تحذر الليل والنهار من الإرهاب الفكري والدموي، وتحاور حملة هذا الفكر محاورات علمية هادئة هادفة، والفكرة لا تطردها إلا فكرة أخرى، والدعوة السلفية تؤمن بالجدال والحوار بالتي هي أحسن مع غير المسلمين؛ فكيف مع بعض المسلمين الذين غزتهم أفكار خاطئة، فظنوا أنهم يحسنون صُنعًا؟ الدعوة السلفية تحرص على سلامة المجتمع من الفتن والقلاقل، وتحذر من زعزعة الأمن والاستقرار، لأنها تؤمن بأن دعوتها لا تنشط إلا في جو الأمن والاستقرار، لا في أجواء الفتن والدمار، وعلى سبيل المثال : عندما استقرت اليمن من الانقلابات السياسية أكثر من ربع قرن في زمن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح قويت الدعوة الموافقة للفطرة السليمة ،وتهيأت الفرصة للناس، فيسمعون من الدعاة، ويحضرون محاضراتهم ومجالسهم، ويتدبرون كلامهم، ويقارنون بين أقوالهم وأفعالهم، وينظرون في تحريهم للسنة، فانشرحت لذلك صدور كثير منهم، سواء من أبناء المذهب الزيدي أو الشافعي، وهذا لا يكون إلا إذا أمن المتكلم والمستمع على دمه وماله وعرضه، وأما الجو الذي يمتلئ بغبار الفتن فهذا لا يربي امرءاً صالحاً، ولا يؤصِّل رجلا عالما ً، بل هو جو الفوضى والضياع، ويا ليت الناس يعتبرون بالعراق والصومال وغيرهما.
* يضم "دار الحديث" طلاباً من دول عربية وأجنبية ومن هؤلاء طلاب محتجزون داخل الأمن السياسي ؟ ما هي التهمة ؟
- لا يوجد الآن أحد محتجز من طلاب "دار الحديث" حسب علمي وقد سلَّم بعضهم أنفسهم عندما طُلِبُوا قبل عدة سنوات بحجة التأكد من صحة إقاماتهم النظامية، وثبتت صحة ذلك ولله والحمد، ولا أعلم أنهم اتهموا من قبل الأجهزة الأمنية بالإرهاب أصلاً، ولو اتهموا بذلك فالواقع المشهور من حال هؤلاء الطلاب وأمثالهم يرد هذه التهم ويدفعها، والسلفيون بصفة عامة في اليمن وغيره يحافظون على أمن البلاد، ويحذرون من الأفكار التي تهدد الاستقرار، وتكون ذريعة للتدخل الأجنبي في بلاد الإسلام، ويحذرون أيضاً من الغلو في تكفير المجتمعات والأفراد لاسيما ولاة الأمور، لأن التكفير حكم شرعي، لابد فيه من مراعاة ضوابطه على سبيل العموم، وقواعد تنزيله على المعين والخصوص، وأن هذا المقام ليس كلأً مباحاً لكل أحد، بل هو راجع إلى كبار العلماء والقضاة، كما أنه ليس من المصلحة الشرعية الزج بالشباب في هذا المأزق الحرج، والمضيق المظلم، وإشغالهم بما ليس من أولويات مهامهم، فالمجال مفتوح للدعوة والتربية في جوانب أخرى كثيرة جداً، والناس بحاجة إلى من يفقههم في أمور دينهم ودنياهم، والمنكرات موجودة في كل مكان، فإنكارها أو تقليلها أو تعطيلها من أولويات العمل الناضج الواعي، وأما إشغال الشباب بالتكفير، والتكتيل السري، وعزلهم ولو شعوريا عن المجتمع، وتركهم الساحة تعج بالفساد : إما لكراهيتهم المجتمع، وإيئاسهم من صلاحه، أو كراهة المجتمع لهم؛ كل هذا من الزيغ عن السبيل، وصدق الله عز و جل القائل: ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) .
* ساد في التفكير الإسلامي مسألة الفرقة الناجية .. الشاهد في الأمر أن كل فرقة ترى أنها على حق، والأخرى على ضلال .. ما رأي أبي الحسن في ذلك ؟
- بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما سيكون من اختلاف الأمة، وأن فيها فرقة ناجية، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " .... وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة "قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال :" الجماعة " وفي بعض الروايات وإن كان في سندها بحث : " إلا ما كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " وقد أشار القرآن الكريم إلى أصل هذا المعنى، كما قال تعالى : ( ولا يزالون مختلفين إلامن رحم ربك ) وأحب أن أوضح في هذا الجواب بعض الأمور تكون معينة على الفهم السليم لهذا الحديث :
أن قوله صلى الله عليه وسلم : "كلها في النار" لا يلزم من ذلك أنها فرق كافرة مخلدة في النار، فإن علماء السنة يقولون : إن الاثنتين والسبعين فرقة فرق مسلمة، وداخلة في أمة الإجابة، والكفار من أمة الدعوة لا أمة الإجابة , وليسوا من الاثنتين والسبعين فرقة، والنار ناران : نار للكفار والمنافقين يخلدون فيها أبداً، ونار لعصاة الموحدين يتطهرون فيها من ذنوبهم إن دخلوها ثم يخرجون منها إلى الجنة، فلا يلزم من كون الفرقة الفلانية ليست من الفرقة الناجية أنها فرقة كافرة، بل هي فرقة مسلمة، لكنها خالفت الفرقة الناجية في أصل من أصولها الذي لا يخرج المخالف فيها من الإسلام، وإن أخرجه من عداد أهل السنة والجماعة .
قوله : صلى الله عليه وسلم "الجماعة " أي المتمسكة بالسنة الصافية اعتقادا وقولاً وعملاً، وليس ذلك مطلقاً في كل جماعة تتكتل على فكر ما، إنما هي جماعة مخصوصة، فهي جماعة ناجية في منهجها، والنجاة في المنهج غالباً ما تكون سبب نجاة الأتباع إلا من خالف، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فعليها، وما ربك بظلام للعبيد .
إذا فهمنا الحديث على أن المراد بالنجاة النجاة من دخول النار أصلا، فلا بد أن يتوافر في الجماعة سلامة القول والفعل والاعتقاد، وإذا فهمناه على أن السلامة في الناس قليلة وعزيزة، وكلكم خطّاء، وخير الخطائين التوابون؛ فالمراد به : سلامة المنهج مع وجود التقصير من الفرد، فالخلل منْ أتباع المنهج لا من المنهج نفسه، فإن من عصى الله عز و جل، وارتكب معصية مع صحة اعتقاده؛ فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، كما هو معروف من مذهب أهل السنة في حكم عصاة الموحدين .
الفرقة الناجية ليست خاصة بعمل معين أو أفراد معينين، فهي كل من ينصر الدين بالحق، لاسيما في زمن اغتراب الدين، أو من تمسك به في نفسه ومن يعول، سواء كان عالما، أو قائدا، أو جنديا، أو تاجرا، أو عاميا، المهم أنه يعتقد المعتقد الصحيح، ويتمسك به قدر استطاعته ،ويتبع العلماء القائمين بالكتاب والسنة حقا،وقد يكونون في بلد دون آخر، وقد يكونون مفرقين في البلدان، وبمجموعهم تقوم حجة الله عز و جل، أو تبقى بهم سلسلة الدين متصلة .
أهل السنة و الجماعة : هم أهل الكتاب والسنة والإجماع، وهم الفرقة الناجية المتمسكة بأصول السنة عبر التاريخ ليسوا محصورين في الطائفة التي تسمى هذه الأيام بهذا الاسم، أو بالسلفية، ولكن كل من تمسك بمعتقد وأصول أهل السنة الأوائل فهو منهم، وإن تسمى في هذا الزمان أو غيره باسم آخر، فالعبرة بالحقائق لا مجرد الشعارات والألقاب، وليس أي خلاف بين المتمسكين بأصول أهل السنة جماعات وأفراداً يسوغ الحكم بإخراج فلان أو الجماعة الفلانية من أهل السنة، أو إدخال فلان أو الجماعة الفلانية في السنة، هذا عمل ُ من لا يحسن النظر في الأدلة، ومن لا يفقه طريقة السلف، فهذا اللقب المبارك "أهل السنة والجماعة " أوسع مما يظنه الظانون المخطئون، أو يضيقه المسيئون في الفهم ،فالعبرة بالأصول لا الخلافات الفقهية، أو الإدارية، أو التنظيمية، والموفق من وفقه الله .
تنازُع كل طائفة أو تجاذبهم لقب الفرقة الناجية لا يسمن ولا يغني من جوع إذا كانت الحقائق بخلاف أصول أهل السنة و الجماعة المسطورة في مصنفاتهم في باب الاعتقاد، ويصدق فيمن كان كذلك قول القائل :
وكل يَدَّعي وصلا بليلى وليلى لاتقرُّ لهم بوصل !!
* الفكر السلفي متهم بالجمود، مع أن لكل عصر مشاكله الخاصة به ،التي لابد أن تعالج بشروط العصر وظروفه .. حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفتي في مسألة، وفي العام الآخر يفتي بغيرها ،فيعاتب على ذلك، فيرد قائلاً : ذلك على ما علمنا، وهذا على ما نعلم؟.. كيف ينظر أبو الحسن إلى ذلك ؟
- اتهام السلفية بالجمود من التهم الباطلة أيضاً، فالسلفية تعني العمل بما كان عليه السلف الصالح من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقواعد الأئمة المتفق عليها، أو الراجحة نقلا أو عقلا، وأول من يُقتدى به في هذه الأمة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم جميعاً، ثم من سلك مسلكهم من فقهاء الأمة وأئمة المذاهب والأمصار، ولو كان منهج هؤلاء جامداً ما فتحوا الفتوحات، ولا مصَّروا الأمصار، ولا خضعت لهم ممالك كسرى وقيصر، ولا دخلت بهم الأمم في دين الله أفواجاً.. ولو كانوا جامدين ما قامت لهم قائمة، ولا بقيت لهم بقية عبر القرون المليئة بالمتغيرات، فإن المدنيَّة ولادة، والحضارة متجددة، والمستجدات لا يعدّها عادٌّ، والرسول صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، فلا نبي بعده، وشريعته آخر الشرائع، وهي للناس كلهم ، كما يقول تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) ويقول تعالى : (لأنذركم به ومن بلغ) ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه : " وكل نبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " فكيف يُخاطب بشريعته من يأتي بعده وقد امتلأ عصره بأمور لم تكن موجودة في زمن النبوة إذا كانت الشريعة جامدة ؟! فلو كانت الشريعة غير صالحة لكل زمان ومكان؛ لما خوطب بها من يأتي في زمن المستجدات والاكتشافات .
ومن أجل ذلك احتاج فقهاء الإٍسلام إلى العمل بالقياس، وهو إلحاق مسكوت عنه وهو من المستجدات بمنصوص عليه لاشتراكهما في العلة، فإن الشريعة منزهة عن الجمع بين المتناقضين، والتفرقة بين المتماثلين، وكذلك احتاج الفقهاء إلى العمل بالمصالح المرسلة، وهي أمور مستجدة، فيها مصلحة للأمة، ولم يرد فيها نص بالمنع، وجاءت الشريعة بقواعد تحفظ لها مرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فمن ذلك : المشقة تجلب التيسير، وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعظمهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، والأمر إذا ضاق اتسع، أو الضرورات تبيح المحظورات، والعمل بالعرف ما لم يخالف نصًّا، والأصل في الأمور العادية أو الدنيوية الإباحة، و..و..الخ .
فخلاصة النظرة الشرعية المنضَبطة للمستجدات : أن المستجدات لا تخرج عن أربع حالات: إما أن تندرج تحت نص بالقبول؛ فهذه تُقبل وجوباً أو استحباباً، وإما أن تندرج تحت نص بالمنع؛ فهذه تُرد، والله عز وجل لم يحرم شيئاً إلا إذا كانت مفسدته خالصة أو راجحة، وإما أن يكون الأمر المستجد خيراً من جهة، وشراً من جهة أخرى، فيعمل هنا بالموازنة بين المصالح والمفاسد بنظر علمي متجرد، فإن كانت المصلحة أرجح قُبِلَ، وأُلْحِق بالحالة الأولى، وإن كانت المفسدة أرجح رُدَّ، وأُلْحِق بالحالة الثانية، وأما الحالة الرابعة : إن كان مسكوتاً عنه، ولم يرد فيه بعينه نص بالمنع أو القبول ؛فالأصل فيه الإباحة، لقوله تعالى : (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) إلا إذا كان العمل به سيفضي إلى حرام؛ فذاك أمر آخر، ويُحكم عليه باعتبار ما سيؤول الأمر إليه .
هذا، وقد ورد في السؤال عن عمر الفاروق رضي الله عنه ما يدل على العمل بالحق بحسب ما ظهر من أدلة وإن خالف فتوى سابقة، فأين الجمود إذاً ؟! وعمر نفسه هو الذي كتب لأبي موسى الأشعري في كتابه المشهور عند العلماء في مسائل في القضاء، فقال :" ولا يمنعنك قضاء قضيت به ثم ظهر لك الحق، أن تقضي بخلافه، فإن الحق قديم "فالحق هو المقدم على غيره، والحق ضالة المؤمن حيثما وجدها أخذها".
هذا هو المنهج السلفي الصحيح، فإن وجد أفراد كباراً كانوا أو صغارا لا يفقهون هذا، ويجعلون كل جديد بدعة وضلالة، فهذا من قصور فهمهم للمنهج الصحيح، لامن جمود ما يسمى ب " الفكر السلفي " فالمنهج السلفي هو أصلح المناهج لحياة البشر، لأن مرجعيته ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، وما فهمه من ذلك أئمة المذاهب والأمصار، وهو سبيل المؤمنين، والله تعالى يقول : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
وليس من الإنصاف أن يحكم على المنهج السلفي كله بالجمود لجمود بعض من ينتسب إليه، وجمهور السلفيين على عكس ذلك، وعلماؤهم الكبار وكبار دعاتهم يحذرون من الجمود والانفلات جميعاً، وواقعهم خير دليل على الدوران مع النص، ومعاني الشريعة، ومقاصدها،وكلياتها، وليس الجمود على الظاهر ومجرد المباني، ومن المعلوم أن الظاهرية ومن شابههم لا يمثلون في الأمر - قديماً وحديثاً شيئا يُذْكَر بجانب بقية العلماء والمذاهب الذين فقهوا الشريعة حق الفقه، ودخلوا بها في جميع مناحي الحياة، هذا موقفي من هذه القضية، والله الهادي إلى سواء السبيل .
* الجماعات السلفية على مر التاريخ لم تُقْمَع إطلاقاً، أو تحارب، بل تلقى كل الرعاية، اللهم إلا في فترة واحدة، هي فترة شيوع الانعزال في خلافة المأمون والمعتصم والواثق فقط.. هل السبب في ذلك طاعتهم لولي الأمر ؟
- هذه دعوى عريضة لا يسعفها البرهان و الدليل، إنما هي مجرد دعاوى وأقاويل، يراد من ورائها رمي الدعوة السلفية بالعمالة، والسير في ركاب الحكام برُّهم وفاجرهم بالحق والباطل ،ورمي الدعوة وأهلها بالخنوع والخضوع للظالمين ضعفاً وجبناً، وإيثارا للفاني على الباقي عبر التاريخ!!.. وهذه كلها بواقع وفواقر لا يغطيها ليل، ولا يسترها ذيل، ولا تنفق إلا على من لا يعرف مواقف السلف تجاه المنكرات وأهلها عبر التاريخ، وباستعراض سريع لحال حملة لواء الدعوة مع حكام زمانهم يتضح عكس هذا الإطلاق، بل لو قيل : إن غير العلماء الراسخين ومن سلك سبيلهم في كثير من الحالات هم الذين داهنوا وجاملوا، بل ربما تواطأوا مع الأعداء على الأمة؛ لما كان ذلك بعيداً عن الصواب ،وسأذكر بعض المواقف ثم أعود إن شاء الله تعالى إلى الجواب على بقية السؤال :
فالعلماء عندما أنكروا على الحجاج بن يوسف الثقفي ظلمه وتعسفه زجَّ بهم في السجون، وقَتَلَ مَنْ قَتَلَ منهم، مع أنه يتظاهر بأنه من أهل السنة على ما عنده من بلايا فأين أصحاب هذه الشبهة من رافضة وغيرهم زمن الحجاج، وزمن ظلم كثير من أمراء بني أمية وبني العباس لمن خالفهم من علماء السنة ؟!.. نعم هناك مجموعة من الخوارج خرجوا وسفكوا الدماء، وحاربوا الحكام، ولم يقفوا عند هذا الحد؛ بل تجاوزوا : فبقروا بطون النساء، وقتلوا الأطفال، وكفروا جميع المسلمين الحكام والمحكومين، وعَدُّوا ديارهم ديار حرب، فهؤلاء لا يُصْلِحون مجتمعاً عبر التاريخ، إنما يكون همهم إنكار جزئية ما من المنكر، لكن بطريقة تزيد المنكر رسوخاً وانتشاراً، وأما الرافضة فإن ضعفوا ف"التقية" شعارهم ودثارهم، وإن تمكنوا أهلكوا الحرث والنسل، ولم يجعلوا عداوتهم للحكام الظالمين إلا إذا كانوا في الأصل من أهل السنة، ويصبون كيدهم على العلماء المصلحين، بحجة أنهم كفار وأعداء لأهل البيت، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، فإن أعرف الناس بحق أهل البيت الصالحين هم أهل السنة والجماعة، الذين يتقربون إلى الله تعالى بحب صالحي أهل البيت، سواء الصحابة منهم أو من بعدهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حباً شرعياً، لا غلو فيه ولاجفاء، ويقومون بذلك عملاً بالنصوص و الآثار، لا تزلفا لأحد، ولا رهبة ولا رغبة إلى أحد، إلا رضى وطاعة للأحد الصمد.
وكذلك اعْتُدِي على مالك بن أنس رحمه الله وضُرِب ،حتى خُلِعَتْ يده من أمير المدينة، وما جرى للإمام أحمد وعلماء السنة من محنة الجهمية وقد وردت الإشارة إلى ذلك في السؤال واستمرت المحنة على أهل السنة زمن ثلاثة من الأمراء، نحو عشرين سنة، ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم قالوا : القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله غير مخلوقة ،فالقرآن غير مخلوق، والله تعالى يقول : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) فذكر خلق الإنسان بين قوله : (علم القرآن ) وقوله (علمه البيان ) فلو كان القرآن مخلوقا لقال :(الرحمن خلق القرآن والإنسان ) والنبي يقول : (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فلو كانت كلمات الله مخلوقة؛ لكان هذا استعاذة بمخلوق، وهذا محرم ومنكر عظيم، وغير ذلك من أدلة، فما كان هناك ذنب للسلف إلا أنهم نصروا التوحيد، فتسلط عليهم الجهمية ، وأوشَوْا بهم إلى أمراء بني العباس، فصبوا عليهم البلاء صَبًّا، لكن الأئمة صبروا على الابتلاء، وخرج أحمد وغيره من هذه الفتنة كالذهب الصافي، ورفع الله ذكرهم، وقويت شوكتهم، وكذلك ما حدث لأهل السنة من التتار في القرن السابع، وذلك بدسيسة من الرافضة كابن العلقمي والطوسي، وأعظم من تضرر من هذه الفتنة هم أهل السنة، فَجُلُّ القتلى كانوا من علماء السنة وجيوشها و عوامها، وحُرِّقت مكتبات علماء السنة، وأما الرافضة فكانوا مقربين إليهم، ومكنهم التتار في عدد من الجهات والقيادات .
والفتن التي تعرض لها شيخ الإسلام ابن تيمية وطلابه وأنصاره من حكام زمانه المتأثرين بالجهمية ومقلدة المذاهب الجامدين، فلما كشف علمُ ابن تيمية جهل هؤلاء بالكتاب والسنة بل بمذاهبهم التي ينتسبون إليها أوْشوْا به، وسُجن وضُرب عدة مرات، ومات في السجن، وخرج من سجنه إلى قبره !! فهل هذا من المحن التي تعرض لها أهل السنة لتمسكهم بها، أومن الرعاية التامة، والحفاوة البالغة التي لقيها علماء السنة ؟!
وهذا تلميذه ابن القيم يُعتدى عليه، ويُسجن مرات، ويُحمل على جمل، ويُطاف به في البلدان ليُشَهَّر به، كل هذا لمخالفته بعض الفتاوى المشهورة في المذاهب، وتمسكه بما يعتقد أنه الحق .
وحِّدث ولا حرج عن علماء السنة في مصر والمغرب، ماذا حدث لهم من القرامطة الباطنية في دولة بني عبيد وغيرها، وما جرى لعلماء السنة في اليمن كابن الوزير والصنعاني وغيرهما، وما جرى لعلماء السنة في إيران والعراق ونحوهما، ولا يزال أهل العلم في شموخ وصمود أمام الباطل، يبتغون بذلك فضل الله، ونصح الخلق، وبراءة الذمة، ثم يأتي بعد ذلك من لا يفقه، أولا يدري ما يخرج من رأسه، أو من لا ينصف فيقول : إن الجماعة السلفية على مر التاريخ لم تُقْمع، إطلاقا، أو تحارب، بل على العكس تلقى كل الرعاية ..." ؟!! وهل هذا إلا جهل بالتاريخ أو تجاهل له، أو هما معا ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
وهل يُبتلى عبر التاريخ من أجل التمسك بالدين إلا أهل السنة؟.. وهل كان أحد يفر من مجالسة كثير من الأمراء الظلمة إلا مشاهير علماء السنة، كابن سيرين، والثوري، وابن المبارك، وأحمد، وغيرهم، وذلك للحفاظ في نظرهم على الدين ؟ وإن كان في الأمر تفصيل، ليس هذا موضعه.. وأضيف إلى ما سبق فأقول:
لو سلمنا بأن أهل السنة كانوا يتلقون الرعاية التامة من أمراء زمانهم، فليس هذا عيبا من جميع الوجوه، وذلك لأن غالب حكام المسلمين عبر دول الإسلام السابقة والخلافة العامة، كانت أصولهم أصول سنة في الجملة والمتوقع أن السني من الأمراء يكرم السني من العلماء والأنصار، فلما تسلط بعض الأمراء الذين عُبِّئوا تعبئة فاسدة حاربوا علماء السنة، فهذا دليل على أنه لا يحارب علماء السنة إلا أهل الأهواء أوالفجور، وهذا مدح لهم وليس ذمًّا عند العقلاء المنصفين .
والذي يقلِّب صفحات التاريخ يجد أن الذين آذوا علماء السنة أصناف :
الكفار إذا استولوا على بلاد الإسلام، سلَّطوا جُلَّ محنتهم على أهل السنة، لأنهم يعلمون أثرهم في الناس، وأنهم لا يساومون على عقيدتهم، وأنهم يمثلون الإسلام الصحيح، وأن الولاء و البراء من أصول دينهم .
- أهل الأهواء والبدع إذا استولوا على جهة من الجهات؛ لا يكادون يعرفون عدوا إلا أهل السنة، لأنهم هم الذين يكشفون باطلهم، ويهتكون أستارهم بالحجج القاهرة، والمحجة الظاهرة.
- أهل الشهوات والفجور وإن كانوا في الجملة من أمراء السنة، الذين تتعارض فتاوى علماء السنة مع شهواتهم، ولا تلين للعلماء قناة، ولايسيل لهم لعاب أمام العطايا، ولا تحملهم موافقتهم للأمير في شيء من الحق أن يوافقوه على المنكر في جهة أخرى .
وهذا وحده دليل فخر وشرف، ووسام صِدْقٍ وثبات على الحق عند علماء السنة، فلم يجاروا الحكام وإن كانوا على مذهبهم في الجملة إذا خالفوا الحق، وأما عدوهم الأكبر أو من دونه فماذا ينتظرون منه إلا الأذى ؟!
وأما غيرهم من أهل البدع فإن أمراء العدل وذوي الخلافة الراشدة يطاردونهم، ويعزرونهم، كما فعل عمر مع صُبَيْغ بن عِسْل، وكما فعل علي مع ابن سبأ وأصحابه، والخوارج وأتباعهم، فأي الفريقين أحق بالفخر : من يطارده الخلفاء الراشدون، أومن يطارده الحكام الجائرون؟!
وأما تمسكهم بأصل السمع والطاعة في المعروف لولي الأمر وإن جار؛ فهذا ليس من عند أنفسهم، ولا من كيسهم، وليس ذلك جبنا منهم أمام الحكام، فإنهم يحملون أرواحهم على أكفهم في مقدمة جيوش الفتوحات، وهم أهل الثغور ،وهم الثابتون أمام الشهوات والشبهات، والحياة في سبيل الله، أشد من الموت في سبيل الله، وهم ينطلقون في مبدأ السمع والطاعة في المعروف امتثالاً منهم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأدلة في ذلك كثيرة، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) والنبي يقول لمن سأله عن حكام يظلمونهم : (اسمع وأطع، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلْتم) ويقول أيضا : (أدُّوا الذي عليكم، وسَلُوا الله الذي لكم) ويقول أيضا في حديث آخر : (اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) فهذا أصل أصيل في الدين، نعتقده وندعو إليه بلا خجل، ومن خالفه فقد جرّ على الأمة مفاسد لا تُحصى، والتاريخ شاهد بذلك.
وأهل السنة في هذا الأمر كعادتهم وسط بين الغلاة والجفاة، فهناك من يجعل دينه تبعا لهوى الحكام، فيطمس معالم الدين، ويحل الحرام ،ويحرم الحلال طمعا في عَرَض فان ٍ، وهناك من لا يصبر على وجود المنكر، فيكفر الحكام، ويخرج عليهم، فيريق الدماء، ويفرق الصفوف، ويُضعف الشوكة، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وأولئك، فإنهم يشترطون في السمع والطاعة أن يكون ذلك في الحق، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف، والطاعة المطلقة لاتكون إلا لرسول الله، وليست لآحاد الناس وإن كانوا قد بلغوا مراتب الفضل والعلم، فضلاً عن حاكم ظالم يتبع هواه، لكن التعاون مع ولي الأمر في نصرة المظلوم، وردّ الحقوق، ونشر الخير، ومحاربة المنكر ولو في جزء دون آخر عند العجز خير من عدمه، فإن تقليل الشر من مقاصد الشرع، وهذا انطلاق من قوله تعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لقد شهدت مع عمومتي حلفا في الجاهلية، لو دعيت إليه في الإسلام لأجبْت) وفي رواية: (ما أحب أن لي به كذا وكذا وأنّي أنكثه) فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا في التعاون مع مشركين قبل الإسلام في نصرة المظلوم وإن كان مشركا فكيف لا يكون الحال كذلك وزيادة مع أمير مسلم لكن شهوته تغلبه ؟!
ثم إني لستُ أدري أي الفريقين أولى باتهامه بالجبن والعمالة إن كان لهذه التهمة وجه : الفريق الذي يعتقد الخروج على الحاكم الظالم، ثم لا يخرج عليه، بل يصرح بمدحه في عدة كلمات عامة، ويدعو إلى مشاركته ومجالسته، أم الفريق الذي يعتقد السمع والطاعة في المعروف، والنصح بالتي هي أحسن إذا خالف الحاكم، ولا يخرج على الحاكم، لأن هذا خلاف أصله وعقيدته، فهذا عامل بأصله، وذاك مخالف له، فأي الفريقين أولى بالتهمة؟!.. ولكن الأمر كما قيل:رمتني بدائها وانسلّت !!!
فأهل السنة يصبرون إذا ظُلِموا، أوضاعت عليهم مصالحهم الشخصية حفاظاً على المصلحة العامة ,وسلامة البلاد من الفتن والفوضى، وغيرهم إذا تقلصت صلاحياته أو مصالحه الخاصة؛ هاج كالليث الهصور، وأثار الفتن في البلاد، فأي الفريقين أحرص على السنة والأمة؟!
وهؤلاء الذين يرمون أهل السنة بالعمالة، الواقع يدل على أن كثيرا منهم هم أقرب إلى الحكام من أهل السنة، وأكثر دخولا عليهم، وأعظم وجاهة عندهم من كثير من أهل السنة، فأهل السنة يتمسكون بأصولهم وإن لم يظفروا بشيء من دنيا الحكام، وأما غيرهم فيتلوّن ،ويتخلى عن أصوله وفتاويه بالتكفير والجهاد ضد الحكام إذا ظفروا بشيء من حطامهم الفاني إلا من رحم الله فهذا الإمام أحمد مع ظلم المعتصم والواثق له، ومع ضربه وجلْده في السجن، استُفتي في الخروج على الواثق فأبى، وقال : أخشى الفتنة ،فلما قيل له : ألسنا في فتنة ؟ يعنون السجن، والامتحان، والتعذيب لأهل السنة قال : هذه فتنة الخاصة، وتلك فتنة العامة، ولو كان صاحب هوى لأفتى بالخروج، وحوله من الأنصار المطيعين له ما يملأ الأفق، فنعوذ بالله من عدم الإنصاف ومن الجور والاعتساف .
ومع أن الجماعة السلفية تؤمن بالسمع والطاعة للأمير في المعروف؛ فإنها تتعرض لظلم الحكام كما سبقت الإشارة إليه، لأنهم لا يرون الطاعة المطلقة العمياء للحاكم، إنما يرون طاعته في المعروف، فإذا حكم بخلاف ذلك : أنكروا عليه، لكنهم يراعون ضوابط وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : من النصيحة السرية، والتلطف في الخطاب، والنظر في الحال والمآل، فإن كان تغيير المنكر يترتب عليه منكر أكبر؛ تركوا الإنكار حتى تتهيأ ظروفه، وهم في هذا كله يسيرون مع النصوص الشرعية، ولا يتبعون أهواءهم، فكانوا حقاً أنفع الناس للناس .
فالقول بأنهم لم يُعذّبوا لأخذهم بأصل السمع والطاعة ليس على إطلاقه، وإن كان بعض عقلاء الأمراء عرف لهم ذلك، وقليل ما هم .
* ماذا لو دعيتم للمشاركة في السلطة ؟
- المشاركة في السلطة المسلمة هي في الأصل من باب التعاون على البر والتقوى، والتقليل من الشر ما أمكن، والرجل الصالح إذا دخل في هذا المجال قلَّل من الشر بقدر استطاعته، وهذه المشاركة مقيدة بضوابط وليست مطلقة : فإن كان الدخول أكثر خيرا، وأن هذا الخير لا يتحقق إلا بذلك، وأن المشارك يأمن على نفسه الفتنة في دينه، وأنه يشارك ابتغاء ما عند الله، لا يريد بذلك علوًّا في الأرض ولا فسادا؛ فهذا من أوثق الأعمال التي يعم نفعها، ويدوم أثرها، وقد تجب المشاركة هذه في حق بعض الأشخاص، ولذلك فأنا أفتي من يُرجى فيه النفع للإسلام وأهله مع الأمن في حقه من محذور أكبر بالمشاركة، والصبر على ما يجد من متاعب، سواء كان ذلك في عمل صغير في مديرية أو محافظة، أو أكبر من ذلك في وزارة أو غيرها، لأن الشريعة الإسلامية ما جاءت لتتخلى عن الواقع وتنزوي عنه، إنما جاءت لتحكم الواقع، وتوجهه، وتهيمن عليه ،فتكَثِّر الخير وتقلِّلَ الشر ما أمكن، فالشريعة جاءت بتكميل المصالح وتحصيلها، وبتقليل المفاسد وتعطيلها، ومعلوم أن المؤسسات العليا في البلاد هي التي تملك القرار، فاعتزالها بالكلية من الصالحين أو المصلحين مع قدرتهم على التغيير كل ذلك من إبقاء الفساد في الأرض، وتوسيد الأمر إلى غير أهله، واستفحال الشر، وهذا كله مصادم لمقصود الشريعة وكلياتها، هذا من حيث الأصل، لكن هناك حالات يترجح للمرء فيها أن الخير له أو للمجتمع في الابتعاد لسبب أو أكثر، وهذا من المسائل الاجتهادية، لأن تحقيق المناط ضرب من ضروب الاجتهاد، لكن ينبغي ألا يكون الخلاف في ذلك دخولا أو ابتعاداً سببا في المهاترات بين المختلفين، فإن الخلاف في ذلك من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، وليست من مسائل العقوبات والتشنيع .
فموقفي من المشاركة راجع إلى هذا التفصيل، والنظر في القدرة على تقليل الشر وتكثير الخير في الحال والمآل، وليس قولا واحداً بالدخول أو عدمه، وأرجح في الجملة مع ما نرى في زماننا من غرائب وعجائب مشاركة ذوي الغيرة الدينية المنضبطة، فإن ذلك خير في الجملة من عدمه، وأما أنا عن نفسي فلا أجدني أهلا لذلك، وأنا مشغول بما أراه أهم وأنفع، مثل طلب العلم، والتأليف، والدعوة إلى الله تعالى، وتربية ما تيسر من أبناء الأمة على منهج الوسطية والاعتدال، وكلٌّ ميسَّر لما خُلق له، وكل ٌّ على ثغر، والمطلوب التكامل لا التآكل.. والتسديد والمقاربة، لا التشديد والمضاربة، والمرء بنفسه قليل؛ وبالله ثم بإخوانه كثير، ومن ظن أنه في غنى عن جهود غيره ؛فهو لا يعرف طبيعة الطريق، ولا يعرف نفسه فضلا عن غيره، وقد قال تعالى :( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان" أو قال (كالبنان، يشد بعضه بعضا) وشبَّك بين أصابعه.
* هناك من يقول بأن السلطة توظف الجماعة السلفية لمواجهة الحركة الإسلامية والإخوان، والمتمثلة حالياً في التجمع اليمني للإصلاح ،ما صحة هذا القول ؟
- هذا قول لا يخلو من مجازفة وعدم دراية بواقع الدعوة السلفية، فإن السلفيين هَمهم اتباع الدليل، ونصرة العقيدة الصحيحة، ونشر العلم النافع، وتنقية السنة أو الساحة الدعوية من كل ما ألحق بها وليس منها، سواء في باب الاعتقاد، أو في باب السلوك، أو في باب الأحكام الحديثية أو الفقهية، ونحو ذلك، وليس هَمُّ الدعوة السلفية الصحيحة الواعية أن تحارب جماعة هي في الأصل من جملة أهل السنة، وإذا لم يكن هذا من أولوياتها؛ فكيف تُسْتَدرج للوقوع فيه؟! لو كان هَمّ الدعوة السلفية نصب العداء للإخوان المسلمين، والانشغال بهم وبأخطائهم، والدخول في مهاترات معهم ؛لقلنا : لعل هناك جهة ثالثة تستغل هذا الخلاف، وتنتهز هذه الرغبة الملحّة في المواجهة، أما وقادة العمل السلفي في الجملة عقلاء، ولهم أولويات مقدمة على مجرد الدخول في صراعات مع جماعة أو أخرى، فأعتقد أن ما ورد في السؤال بعيد إلى حد كبير عن الواقع .
وغالب من يتكلم بهذا بعض السياسيين، أو طائفة من الصحفيين، أو من لم يعرف اعتدال قادة الدعوة السلفية من الإخوان المسلمين أنفسهم، أو من غلبت عليه منهم روح الهيمنة والاحتواء، ودليلهم في ذلك : أن أهل السنة يدعون إلى السمع والطاعة لولاة الأمور، وهذا لا يوافق ما يريده السياسيون من الإخوان المسلمين، وبناءً على ذلك فالسلفيون متمسكون بأصولهم؛ لأن غيرهم استدرجهم، والإخوان أنفسهم لو صاروا حكاما فيجب السمع والطاعة لهم في المعروف، فهل يقبلون أن يُتهموا بهذه التهمة ؟َ!
وكذلك فقد يفتي أحد السلفيين بانتخاب مسؤول صالح في الحكومة في دائرة ما ،أو يفتي بانتخاب الرئيس نفسه لأدلة وقرائن تحف المقام كما حصل مني في الانتخابات الرئاسية السابقة فيفسر ذلك بعض إخواننا من الإخوان المسلمين على غير وجهه، ومن هذه الشبهات وغيرها تتمخض هذه التهم عندهم، وليس لها واقع في الحقيقة من جهة عقلاء السلفيين .
أنا لا أدعي بهذا الجواب أن بعض المسؤولين لا يفكر في ذلك، أولا يحرص على ذلك، فالغيب لا يعلمه إلا الله، لكن نصيحتي للمسؤول الذي هذا حاله ألا يتخذ وسيلة ضرب جماعة بأخرى وسيلة لاستقراره، فإن هذا يؤدي إلى زعزعة الأمن، وكل جماعة تُقوّي نفسها بالأسلحة والأموال والرجال ضد الأخرى، واختلاف الجماعات وتناحرها يهدد البلاد بالغرق في بحر الدماء، وانفلات الزمام من يد العقلاء إلى أيدي السفهاء، ومما يُشاع على ألسنة العامة وبعض الخاصة أن الحوثية دُعِموا في بداية أمرهم للحد من نشاط أهل السنة في صعدة، وانظر إلى ماذا وصل أمرهم !! والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين .
فمن السياسات الخاطئة سياسة إبقاء التوازن بين القوى بهذه الصورة، وإنما الواجب على ولاة الأمر أن ينصروا من كان على الحق بقدر ما عنده من الحق، وينصحوا أو يردعوا من كان داعية إلى الباطل أو الفتن بقدر ما عنده من الخطأ،والجميع رعيتهم , وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،والله تعالى يقول:(الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ).
ثم ما ذا حصل من السلفيين حتى يقال : إن الجماعة السلفية موظفة لمواجهة الحركة الإخوانية؟.. هل مجرد تسليم مسجد لرجل سلفي في قرية أو مدينة دليل على ذلك ؟ إذاً فماذا يقول الإخوان عن أنفسهم عندما كان معهم المعاهد العلمية، والتوجيه والإرشاد، وعدد من الوزارات والمحافظين ،والمدراء والموجِّهين، هل كانوا يُسْتدرجون لضرب غيرهم ؟! وماذا يقولون عندما أخذوا عشرات المساجد بأسلوب أو بآخر من بعض الدعاة السلفيين ؟! مع أن غير الإخوان من الجماعات المنتسبة إلى السنة لم يظفر حتى الآن من الحكومة بشيء يذكر مقارنة بما ظفر ويظفر به الإخوان المسلمون، ومع ذلك لم يتهمهم السلفيون العقلاء بأنهم مجنّدون لمواجهة غيرهم من إخوانهم، فلماذا يظلمون إخوانهم بهذه التهم ؟ هل يريدون من السلفيين ألا يكون لهم وجود إلا تحت لوائهم، وإلا كانوا مستغفلين مستدرجين لعداوة إخوانهم ؟! أليسوا يؤمنون بالحوار، والرأي والرأي الآخر، فلماذا سلبوا هذا الحق من السلفيين، وأعطوه لمن هو أبعد منهم؟.. هذا ليس من العدل في القضية، لكن عزاؤنا أنه ليس كل الإخوان كذلك، فإن فيهم عقلاء ومنصفون، والحق يقال : إن الإنصاف عزيز، والعاقل من ينصف غيره من نفسه , والإنصاف أقرب طريق إلى القلوب الصحيحة .
ومع هذا كله فلا أستبعد وجود بعض من يصدق عليه ما جاء في السؤال، لكن كم شأن هذا الصنف في الدعوة السلفية الناضجة في طول البلاد وعرضها؟.. وهل من الإنصاف أن يُحكم على طائفة عظيمة بهذا الحكم لوجود هذا القدر ممن ينتسب إليها إن صح وجوده؟.. مع أن جمهور كبارها ينكرون ذلك، ويدعون إلى الاتزان والانضباط في الأمر كله، سواءً كان ذلك مع ولاة الأمور، أو مع الجماعات الموجودة في الساحة وعلمائها، ومعاملة الجميع بما يرضي الله عز و جل، ويحثون طلابهم وأتباعهم على الرفق مع المخالف وإن ظلمهم عملا بقوله تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبنيه عداوة كأنه ولي حميم ) وما دُفع شر ذي شر بمثل أن تطيع الله فيمن عصاه فيك، فاللهم عذرا.
* ما أساس الخلاف بينكم وبين الحركة الإسلامية في اليمن " الإخوان المسلمين " وما أوجه الاتفاق ؟
- الخلاف بيننا وبين جماعة الإخوان المسلمين، قد تكلمت عنه بتوسع في غير ما موضع، ولا أرى من المصلحة إعادة ذلك هنا، ومن كان من ذوي التخصص في معرفة ذلك وممن يهمه هذا الأمر؛ فليرجع إليه في موضعه، وأما عن مواضع الاتفاق فهي أكثر وأكبر، لأن أفرادهم في الأصل من جملة أهل السنة، ونتفق معهم على كثير من أصول السنة وثوابتها في أبواب المعتقد، وهم في الجزيرة أصفى معتقدا في الجملة من الإخوان في بلاد أخرى، ونسأل الله للجميع البصيرة في الدين، والثبات على الهدى حتى الممات .
* ذكر أحد قادة الحركة الإسلامية في اليمن " حمود هاشم الذارحي " أن خلافهم مع الجماعة السلفية ينحصر فقط في السلفية المسيّسة؟.. فهل هناك سلفية مسيّسة، وأخرى غير مسيّسة؟ ومن يمثل الطرفين في اليمن ؟
- يُسأل عن ذلك من أجاب بهذا الجواب، وأما أنا فلا أعرف سلفية مسيَّسة تسير وراء السياسة في اليمن حيث ساروا، وليس عندي أكثر مما أجبت به قبل قليل، والشيخ حمود بن هاشم الذارحي حفظه الله ممن أعلم عنهم حسب علمي القاصر الحرص على التأليف بين الدعاة المعتدلين، وفتح صدره ومجلسه لإخوانه وأبنائه، والرغبة في التعاون مع الجميع فيما يعتقده من البر والتقوى، والمرحلة التي تمر بها الدعوة هذه الأيام بحاجة إلى هذا الصنف من الدعاة، وبحاجة إلى من يتحرر من الولاء الحزبي الضيق، وينصف القريب والبعيد، ويكون همه نصرة الإسلام والفضيلة لا الحزب الفلاني، فإن ذلك من آليات جمع الشمل وقوة الصف، ومن أبى أن يتعاون مع أحد إلا إذا كان مثله حذو القذة بالقذة؛ فقد جهل الطريق إلى الله، ومن أبى الشرب إلا من ماءٍ صافٍ طال ضمؤه ،واشتد كربه، وصدق من قال :
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعدّ معايبه .
* هناك من يقول:إنه بعد رحيل الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله فقدت السلفية في اليمن " البوصلة " يعني لم تعد تدري إلى أين هي ذاهبة ؟
- هذا كلام من لايعرف طبيعة الدعوة السلفية عموما، وطبيعة الدعوة السلفية خصوصاً في اليمن، فإن الدعوة الصحيحة لم تفقد البوصلة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بموت الخلفاء الراشدين، ولا الأئمة المصلحين، ولا القادة الفاتحين، فضلاً عمن هو دونهم؛ لأن الله عز وجل لم يحكم ببقاء هذا الدين ببقاء شخص أو وفاته، ولأن الله جعل دينه حجة على العباد، فتكفل بحفظه، كما قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والدعوة السلفية قائمة على الاستفادة من علم العلماء لا تقديسهم، فموت العالم يؤثر بلا شك على الأمة، لاسيما على طلابه وجلسائه، أما " البوصلة " فليست معه ولا مع غيره، فإنها باقية ما بقي الكتاب والسنة، والفهم الصحيح لهما.
نعم هناك من طلاب الشيخ رحمه الله من زاغ عن السبيل، وجنح إلى الغلو من جهة والتقليد من جهة أخرى، واختلطت أمامه السبل، فلم يَعُدْ يدري في بعض الجوانب كيف الطريق، ومع ذلك فلا نقول في حقهم أيضاً " أضاعوا البوصلة " لأنهم وإن انحرفوا في أبواب؛ فماهم عليه من الخير والاستقامة أكثر وأجل، وهم إخواننا وإن بغوْا علينا، ثم إن هؤلاء لا يمثلون وحدهم الدعوة السلفية، بل الذين يمثلون الدعوة بحق هم أهل الاعتدال والفهم الصحيح، وهم جمهور المستفيدين من علم الشيخ - رحمه الله - وهم الذين ساروا على درب الأئمة، وأخذوا من كلام الشيخ مقبل رحمه الله وغيره ما وافق الدليل، وشكروا له نصرته للسنة، وصبره على الدعوة إليها، وسَبْقه في هذا الخير العظيم، وتركوا من كلامه وكلام غيره ما خالف الدليل، واستغفروا له، وأنزلوه منزلته الشرعية بلا إفراط ولا تفريط، وهؤلاء وأمثالهم ومن كان على هذه الجادة هم الممثلون الشرعيون للدعوة السلفية الصافية، وإن تباعدت بلدانهم، واختلفت أسماؤهم، سواء كانوا جماعات أو أفرادا، علمنا بهم أم لم نعلم بهم، وسواء أحسنوا إلينا أم أساءوا، فالعبرة بالتمسك بالأصول والعمل بمقتضاها لا مجرد الأسماء والشعارات، وأما المسائل الاجتهادية فلا يسلم عمل صحيح من الخلاف فيها، ومع ذلك فلا تفرق العاملين إلا إذا دخل الهوى والبغي، ونعوذ بالله من الهوى والضلالة .
* يقال :إن السلفيين ليسوا من الإسلام، وإنما هم من وضع بعض الحكومات التي تستخدمهم كورقة تربح بها في إنهاء ورقة صعبة، ثم تعاديها.. فهل هذا صحيح ؟
- سبحانك هذا بهتان عظيم !! فالسلفية موجودة قبل هذه الحكومات، وستبقى بعدها إن شاء الله تعالى فكيف تكون السلفية من صنع هذه الحكومات ؟ !
إن قائل ذلك مُغرق في سوء الظن، أو مفتون مغرور بفهمه وفكره، أو يتكلم عن سلفية لا يعرفها إلا هو وأمثاله، أو يتكلم عن أشخاص لا يمثلون السلفية إلا عنده، وقد سبق الجواب عمن يقول : إن السلفية تُستدرج لضرب جماعة أخرى بما يغني عن إعادته هنا .
وقوله :" إن السلفيين ليسوا من الإسلام " فأي إسلام يعني ؟ ! أهو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي والصحابة رضي الله عنهم وسار عليه بعدهم الهداة المهتدون؟.. فإن كان يعني هذا الإسلام فالسلفيون المتمسكون بما كان عليه سلفهم هم أسعد الناس بهذا الإسلام، وأكثرهم ولاءً له ونصرة لمعالمه، وأعظمهم إكراماً وإجلالا لعلمائه وقادته، وأحرصهم على إحياء ثوابته وأصوله، وأعلمهم به وبأحكامه، وأشدهم ذبّا عنه، وتمييزا له مما ألحق به في جميع الأبواب والفضل في هذا كله لله وحده وإن كان عند غيرهم بعض من ذلك، فما عند السلفيين من الخير أكثر وأنفع، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق كلامه عن أهل الحديث : " وأدنى خصلة في هؤلاء : محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما، وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجَبهما، ففقهاء الحديث أخبر برسول الله صلى الله عليه وسلم من فقهاء غيرهم، وصوفيتهم أتبع للرسول صلى الله عليه وسلم من صوفية غيرهم، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامتهم أحق بموالاة الرسول صلى الله عليه وسلم من غيرهم " ا ه من " مجموع الفتاوى " (4/95)... وإن كان صاحب هذه المقالة يعني إسلاماً آخر لا نعرفه؛ فلا يضرنا أن السلفيين ليسوا منه لا من قريب أو بعيد!!
وليُسَمِّ لنا صاحب هذا الإفك أحداً من علماء السلفية عبر التاريخ تواطأ مع أعداء الإسلام ضد الإسلام، أو نصر جيوش الكفار على جيوش المسلمين !!.. إن هذه أفاعيل غير السلفيين، وما رضوا منا رأساً برأس؛ حتى هرعوا يرموننا بأمراضهم المزمنة ،وروائحهم المنتنة، ومواقفهم المظلمة، ألا فليعلموا أن في الزوايا بقايا، والله المستعان .
* بعض كبار العلماء والمثقفين ينقمون عليك أنت إفتاءك للرئيس في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م ضد المرشح لأحزاب اللقاء المشترك فيصل بن شملان، وعلى اعتبار أنك نصرت الكفر المتمثل في الأخ الرئيس، وخذلت الإسلام المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك بمرشحهم فيصل بن شملان.. فما تعليقكم على هذا الاتهام؟
- الفتوى منشورة، وأدلتي فيها على ما ذهبتُ إليه محررة مسطورة، وأكثر ما بلغني من أدلة المستنكرين : أن هذه الفتوى تخالف القانون والدستور، وأنها ليست موافقة للديمقراطية... إلى غير ذلك من ردود لا تساوي حكايتها، فالفتوى شرعية، وأدلتها شرعية، سواء كانت نقلية، أو عقلية، أو واقعية، وأنا أرحِّب بأي نقد علمي قائم على الدليل المعتبر، وأشكر من أفادني في ذلك وغيره، وأعذر من خالفني في المسائل الاجتهادية، لأنها من المسائل التي يسع الخلافُ فيها المختلفين، لكن لا أقبل من إنسان ليس معه دليل على قوله، أن يصادر قول غيره القائم على أدلة على الأقل في نظره أما أن يصل الأمر إلى التشنيع والتشويه والوشاية؛ فهذه أفعال من لا يستحقون أن يجاب عليهم، أو يشتغل بترهاتهم.
وأما قول من قال : "إن أبا الحسن نصر الكفر المتمثل في الأخ الرئيس ... " فهذا الحكم لا يصدر إلا من جاهل أو مجازف، وقد سبق أن منهم من يرمي السلفيين بالتكفير، فهل عرفوا أن قائل ذلك أولى بالتهمة من غيره؟! وهكذا من رمى بريئا بتهمة سرعان ما يقع فيها، والجزاء من جنس العمل، ولا ينبئك مثل خبير .
وأحب أن أختم هذا الجواب على هذه الأسئلة بقول الله عز و جل في أهل الإفك والهلكة : (إذا تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين.. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم . إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .
ونسأل الله للجميع الهدى والسداد، ولزوم منهج أهل الحق و الرشاد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حوار الشيخ حسن المصري - نهائي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.