ليس مهماً تشكيل الكيان السياسي لمجرد الإعلان عنه ، ولكن الأهم من ذلك أن تلتقي القلوب ، وتصفو النفوس ، وتصدق النوايا ، وتسود الثقة بين النخب السياسية الجنوبية ، وتجسد قيم التصالح والتسامح سلوكاً وممارسة ، وتسمو مصلحة الوطن على الخاص والقبيلة والحزب ، لبلوغ هذا الهدف العظيم الذي يسعى إليه الجنوبيون ، لضمان تحقيق مطالبهم المشروعة ، في استعادة الدولة الجنوبية ، بنظام مؤسسي جديد . تأخير تشكيل الكيان السياسي الجنوبي ، لم يكن سببه بعض التباينات في الرؤي داخل الطيف السياسي الجنوبي ، بقدر ما هو نتاج ظروف موضوعية وذاتية ، في ظل حرباً مفتوحة باليمن ، تتحكم بها قوى إقليمية ودولية ، إضافة إلى الدور الخفي لعصابات عفاش والظلاميون ، وبعض أعوانهم من الجنوبيين داخل المعاشيق بالعاصمة عدن .. وهم من يقف اليوم عائقاً أمام أي عمل وطني جنوبي يبذل في هذا الاتجاه ، طالما والمعركة مازالت مستمرة مع الحوثيين وصالح ، تحت غطاء الشرعية اليمنية ، ولم تحقق كامل أهدافها بعد ! يمر الجنوب اليوم بأصعب الظروف وأكثرها تعقيداً ، ومطلوب من كل القوى السياسية الجنوبية بمختلف الانتماءات والتوجهات ، المحافظة على العلاقات الإنسانية والاجتماعية فيما بينهم ، وعدم الركوض وراء السراب ، والعمل على دعم ومساندة السلطات المحلية ، لتثبيت الأمن وإعادة بناء المؤسسات الجنوبية العسكرية والمدنية ، وتفعيل القضاء والنيابة العامة ، ومراكز الشرطة ، لتطبيق النظام والقانون ، وتحسين الحياة المعيشية والخدمات الضرورية للمواطن .. وتفويت الفرصة على أعداء الجنوب الذين يسعون إلى تحويل معركة الجنوب مع الشمال إلى صراع جنوبي جنوبي كما هم يتوهمون . الجنوب بحاجة إلى ثورة ثقافية وعمل مجتمعي ، تعبوي ، تنويري ، منظم .. لقاءات محاضرات ، ندوات ، لتوضيح القيمة لإنسانية والحضارية للتصالح والتسامح ، وأهميته في إعادة بناء المجتمعات ، والعمل على غرس روح المحبة والتآخي والتعاون والتفاهم بين الجنوبيين ، لكي نتمكن من تجاوز المطبات ، ونستطع الوصول للهدف العظيم الذي ضحى من أجله الشهداء ، وعبرت عنه المليونيات السلمية في عدن ، وجسدتها المقاومة الجنوبية على أرض الواقع . ولنبدأ من المساجد والجامعات والمدارس وكل مؤسسات المجتمع المدني ، لتكريس مفهوم التصالح والتسامح ليصبح قضية وطنية جنوبية .. وعلى الإعلاميون ورجال الصحافة والساسة والفكر إن يلعبوا دوراً محوريا في نشر الوعي والاعتدال والوسطية والتقارب ، لتماسك المجتمع ، ونبذ التعصب المناطقي والتطرف الديني ، ومحاربة الفساد . سفينة الجنوب مازالت تعصف بها الرياح من كل الاتجاهات ، مهددة بالغرق أن لم يستطع ربان السفينة التحكم بها جيداً ، وبتعاون وجهد مشترك يبذل من قبل كامل طاقمها الهندسي والفني .. والعمل بقلوباً دافئة وعقولاً هادئة وتفكير ناضج ، لكي نتمكن من انقاذ سفينة الجنوب ، وسط الامواج والعواصف الهائجة ، لتوصل إلى شواطئ عدن آمنه سالمة بإذن الله تعالى .