لم تكن الإنزالات الأمريكية الأخيرة في اليمن هي الأولى فقد سبقتها ثلاثة إنزالات؛ فقبل أن تشن واشنطن عملية عسكرية نهاية يناير الماضي ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحافظة البيضاء - والتي راح معظم ضحاياها نساء وأطفال - وعملية إنزال في محافظة أبين في الثاني من الشهر الحالي؛ سبق ذلك ثلاثة إنزالات في عهد أوباما؛ ففي 2014 أنزلت إدارة أوباما قوات أمريكية في محافظة حضرموت لتحرير الرهينة الأمريكي " لوك سومر" إلا أن الإنزال لم يحقق هدفه - بسبب عدم وجود الرهينة في المكان - واستطاعت هذه القوة أن تقتل حينها مجموعة من عناصر القاعدة الذين كانوا يتواجدون في حراسة المكان. بنفس العام تم إنزال قوات أميركية في منطقة "عبدان" بمحافظة شبوة لتحرير نفس الرهينة؛ إلا أن نباح الكلاب كشفت وجود الحملة التي كانت على مسافة من الهدف فيما لا يتجاوز 500 متر وفشل الإنزال بسبب مقاومة مقاتلي القاعدة لهذه القوة وقتل فيها الرهينة.
إلا أن إدارة أوباما لم تجعل الإنزال كإستراتيجية دائمة لكنها كانت تتبع استراتيجيتها الدائمة باكتفائها بحرب الطائرات بدون الطيار التي استطاعت خلال عام أو أقل من عام أن تحصد معظم قيادات الصف الأول والثاني في تنظيم القاعدة؛ على رأسهم أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب " أبو بصير ناصر الوحيشي"، والمسؤول الشرعي للتنظيم " إبراهيم الربيش"، والقيادي الدعوي " حارث النظاري"، والقيادي العسكري " نصر الآنسي"، وأمير ( ولاية أبين) جلال بلعيدي.. وغيرهم. كانت هذه الإدارة تفضل هذه النوع من الحرب - إلا في الثلاث الحالات التي سبق ذكرها - واكتفت بهذه النوع من الحرب في مواجهة القاعدة ومحاولة إفراغها من كوادرها، وكذلك محاولة جعل التنظيم يعيش في حالة عزلة ويعاني الضغط والهاجس الأمني.. هذه النوع من الحرب استطاعت أن تقتل الكثير من كوادر التنظيم لكنها لم تستطع أن تحد من انتشار التنظيم؛ بل إنه رغم هذه الحرب والضغط النفسي والأمني عليه إلا أنه استطاع كسر هذه العزلة وسيطر بين عامي 2015 و 2016 على مساحات شاسعة من محافظاتحضرموتوشبوةوأبين.
المثير للجدل أن إدارة " ترامب" لم تكتف بهذه النوع من الحرب لأسباب؛ أهمها السبب السابق ذكره وهو عدم نجاح الحرب الإلكترونية - بدون طيار - في جعل التنظيم معزولا عن مجتمعه ومحيطه. في إدارة " ترامب" ومن خلال المعطيات والأحداث الذي نفذت فيه القوات الأمريكية إنزالين في محافظة أبينجنوب البلاد ومحافظة البيضاء وسط البلاد وبشكل متقارب تدلل هذه المعطيات على أن إدارة ترامب فضلت سلوك نهج جديد عما كان عليه سلفه أوباما في ملف الحرب على ( الإرهاب) في اليمن. هذا النهج ستحاول معه الإدارة الحالية أن تحقق نجاحا - في نظرها - بعد إخفاق أسلوب الحرب السابقة وبأن انتهاج هذا النوع من الحرب تحاول فيه الإدارة الأمريكية أن تقوض التنظيم، وتحاول إضعافه من خلال إنزالات متقاربة ومستمرة تحقق في نظر إدارة ترامب أمورا؛ أهمها: جعل التنظيم يعيش حالة ضغط أمني واستنفار دائم؛ بحيث يجعل جل تفكيره - في نظر الإدارة الأمريكية - في ترقب الإنزالات مما سيحد من تفكيره في السيطرة على مناطق أو إقامة معسكرات أو من تكثيف عملياته أو من خلال جعل قيادات التنظيم في حالة تخف وتقوقع ومحاولة اختطاف قيادات هامة ومؤثرة في التنظيم؛ كما حاولت في عملية إنزال سابقة أن تضع كمينا لخبير المتفجرات، السعودي " إبراهيم العسيري" في محافظة شبوة محاولة لاختطافه حيا.. حينها نجح الإنزال واشتبكت القوة الأمريكية مع مسلحين كانت تقلهم سيارة، واستطاعت القوة الأمريكية أن تأخذ الجثث إلا أن العسيري لم يكن من بين ركاب السيارة أصلا.
أمر آخر تريد الإدارة الوصول إليه؛ وهو الحصول على وثائق أو حواسيب تمكنها من الاستحواذ على أسرار التنظيم وخططه وخاصة في ما يتعلق بمسألة التخطيط لمهاجمة الولاياتالمتحدة أو مصالحها العسكرية والاقتصادية يشجعها على القيام بمثل هذه العمليات ما حصلت عليه في عملية ( أبوت آباد) في باكستان في مايو 2011 والتي أودت بحياة الشيخ " أسامة بن لادن"، ومكنت الولاياتالمتحدة من الاستيلاء على كم هائل وكنز ثمين من خطط ووثائق القاعدة والتي سميت فيما بعد بوثائق ( أبوت آباد). هذه الخطط في الإدارة الأمريكية ستنجح إلى حد ما لكن المتابع لما تكتبه وتنشره القاعدة أو ما ينشره كتاب مناصرون لها فقد وضعوا الأساليب والوسائل التي بها يحاولون الإفلات من مثل هذه الإنزالات ومحاولة إفشالها، بل ومحاولة إلحاق الخسائر بهذه الإنزالات؛ كما حصل مؤخرا في عملية الإنزال في منطقة يكلا؛ والتي أدت إلى قتل تسعة جنود أميركيين وإسقاط مروحتين.
هذه الإنزالات ستنجح إلى حد ما على الرغم من شبه فشلها في منطقة يكلا في قيفة وسط اليمن والتي كانت نتائجها عكسية وكانت نتائجها لصالح القاعدة وفشلها في منطقة شقرة بمحافظة أبين والتي تم فيها اكتشاف الإنزال قبل وقوعه.. ففي كل الأحوال ستوظف القاعدة هذه الإنزالات لصالحها توظيفا كبيرا خاصة أن المجتمع - مهما اختلف بعضه مع القاعدة - لا يقبل بأي تواجد أمريكي في اليمن، وتزداد مسألة نجاح خطاب القاعدة في حالة ما إذا تسببت هذه الإنزالات في قتل مدنيين كما حصل في منطقة ( يكلا) التي كانت نتائجها سلبية على أمريكا وكانت في صالح القاعدة في احتواء من يريدون الثأر من أقارب وذوي الضحايا، حتى أن عملية الإنزال في ( يكلا) اعتبرها مسؤول رفيع في وزارة الدفاع اليمنية "الخيار الخاطئ"، و"العملية الفاشلة"، وأن المستفيد الوحيد منها هو تنظيم القاعدة، وأنها تكسب المزيد من التعاطف مع هذا التنظيم.