مرت الوحدة اليمنية بعدة منعطفات منذ تحقيقها فبعد تحقيقها مباشرة أخذت القيادات الجنوبية تتوافد على صنعاء وصُرفت لهذه القيادات الفلل والسيارات وعاشوا في جو صنعاء المغري الذي يجبر أية إنسان بالمكوث فيه ، فصنعاء أجمل مدينة في رحاب الوطن ، بل هي أجمل مدينة على الأرض ..ففي ظل هذا الجو الرائع والملايين والسيارات نسيت تلك القيادات شعب الجنوب ، فعملت قيادات الشمال على تركين كوادر الجنوب تحت مسمى خليك بالبيت ونسي القادة الجنوبيون كوادرهم فكلما تحرمش مسؤول جنوبي سكتوه بجماعة ملايين وليلى علوي ومونيكا وشاص ، ونسي بها كوادره وأصحابه ، وهكذا طوال فترة الحرب الباردة بين الطرفين المتنازعين الشمالي والجنوبي ، حتى هلت علينا حرب صيف 94 سيئة الذكر التي كانت بمثابة أول مسمار يُدق في نعش الوحدة ، مرت الحرب بانتصار شوالات الريالات التي يتقنها الطرف الشمالي في ظل حاجة بعض ضعفاء النفوس من الجنوبيين . وفي هذه الحرب انتصر الجنوبيون على الجنوبيين في حرب تصفية حسابات بين الجنوبيين أنفسهم ، وكان المنتصر فيها هو الطرف الشمالي الذي قضى في هذه الحرب بالنيابة على جيش الجنوب بجناحيه ، وبعد حرب السبعين يوماً طلفس الشماليون كل الجنوبيين ونصبوهم في مناصب صورية ، ويحكم اليمن من أقصاه إلى أقصاه الشماليون من مشائخ وجنرالات ، وفي العام 2011 م دُق المسمار الثاني في نعش الوحدة اليمنية عندما ثار الشعب على الزعيم الخالد الذي يرى أن لا وحدة بدونه وبالفعل عند ذهابه تحاولت العيون ، فالشماليون يريدون الوحدة للحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم في الجنوب ، ولكنهم لا يريدون رئيساً من الجنوب ، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ، فلقد ارتقى إلى سدة الحكم رجل جنوبي حكيم ويعرف من أين تؤكل الكتف ، ويعلم علم اليقين كيف تدار اللعبة في دهاليز القصر الرئاسي ، فدعا إلى مؤتمر جامع في صنعاء وبمباركة الداخل على مضض ومباركة الخارج على حذر ، انتهى المؤتمر بدق مسمار آخر في نعش الوحدة ، وبه تغير الاسم من وحدة إلى اتحاد ، وبدت للعيان أقاليم اليمن الاتحادي الجديد . لم يرق للأطراف الشمالية رغم اختلافها هذا اليمن الاتحادي الجديد ، فتحركت مليشيات من هنا وهناك لإفشال الأقلمة ، وتم اجتياح صنعاء ومحاصرة الرئيس الجنوبي وحكومته ، وكان هذا بمثابة مسماراً آخر في نعش الوحدة ، غادر الرئيس صنعاء وبمغادرته صنعاء دق مسماراً في نعش الوحدة ، ثم اجتاحت جحافل الشمال أرض الجنوب فكانت هذه المرة حرب شمالية جنوبية وبامتياز وبها تم دق مسمار صلب في نعش الوحدة ، غادر الرئيس صوب الأشقاء وجاءت عاصفة الحزم وأعلنت عدن عاصمة لليمن الاتحادي الجديد وتم نقل البنك المركزي إلى العاصمة الجديدة وبنقله وإعلان عدن عاصمة تم دق آخر مسمار في نعش الوحدة ، ولملم رئيس اليمن الجنوبي ما تبقى من الجيش الجنوبي حسن السمعة ، وطعمه بدماء شابة لإحداث توازنات على الساحة تمهيداً لإعلان موعد لدفن الوحدة اليمنية ، ويحاول الطرف الشمالي هذه الأيام دق المسمار الأول في نعش اليمن الاتحادي الجديد فبعض المحافظات الشمالية المحررة ترفض التوريد إلى البنك المركزي في عدن وتأبى القيادات الشمالية التقدم نحو العاصمة القديمة لليمن ، ويبدو أن هذا المسمار كان طويلاً نوعاً ما ، فدق طرفه في جسد دول الخليج فأحدث شرخاً هناك ، فهل سيكون هذا المسمار هو أول مسمار يدق في نعش وحدة دول الخليج العربي ؟؟؟ ربما يكون هو المسمار الأول ، ولكن هل سيتم انتزاعه دون أن يؤثر على وحدة الخليج ؟؟؟ يعتمد هذا على مهارة دول الخليج في التعامل مع هذا المسمار وإخراجه برفق ومن غير أن يؤثر على الجسد الخليجي المتماسك كما يبدو لنا ، والله أعلم بما يدور في بلاط الملوك والأمراء .