يجب علينا ان نعرف اولاً الحرية وما منظور الشرع لها !؟ فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل (( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها...........)) اي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام لإنه بين وواضح وجلي دلائله وبراهينه لا تحتاج الى توضيح اكثر من اللازم . اي ان الله سبحانه وتعالى رفع سقف الحرية للعبد حتى وان وصل الامر الى الكفر والعياذ بالله ... لكن في المقابل الله سبحانه وتعالى اكد بالوعيد لمن كفر ، وبالنعيم لمن أمن . وكأنه يقول سبحانه لن ينفعني إيمانكم فإن شئتم فآمنوا ، وإن شئتم فاكفروا فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم ناراً أحاط بكم سرادقها ، وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته . وايضا يقول الله سبحانهُ ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) وهذه الآية الكريمة تقرر وتؤكد قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين، وهي قاعدة (حرية الاعتقاد) . إذاً الأصل أن يختار الناس عقيدتهم بمحض إرادتهم ، من غير إكراه مادي أو ضغط معنوي . ومن هنا فلا يجوز بأي حال من الاحوال إكراه أحد على اعتناق هذا الدين العظيم ، إذ إن الإكراه والإجبار يتنافيان مع الكرامة التي امتن الله بها على الإنسان، كل الإنسان. !! قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ) وبما ان الدين بالحرية وللإنسان حق الاعتقاد ، وهو اهم الأساسيات الخمس الذي جاء الاسلام وبعث الله الانبياء للحفاظ عليها . اذن وبكل بساطة ، ومن باب اولى لا حرية في الوحدة اليمنية او اي وحدة وفي اي بلد ولا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا بعيد !! فهذا جزء من المنظور الشرعي للحرية .
واما من منظور الاعراف والقوانين والأنظمة الدولية والتاريخية ، فهناك الكثير من المنظمات والهيئات في العالم الذي تكفل حرية الشعوب في تقرير مصيرها بالشكل الذي تريده بمحض حريتها الكاملة . فمبدأ تقرير المصير : اي احقية تقرير المصير (بالإنجليزية يعني self-determination) وهو مصطلح في القانون الدولي يعني منح الشعب إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حر وبدون تدخل خارجي .
وكما عرف عند فقهاء القانون الدولي حق تقرير المصير بأنهُ " حق أي شعب أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلهِ والسيادة التي يريد الانتماء إليها ". باعتبار أن السيادة ركن أساسي من أركان تقرير المصير الذي يقرره . وهذا من باب الاهتمام بالإنسان كأساس لا يمكن استثناؤه لإيجاد عالم يسودهُ السلام والعدل والمساواة ثم التقدم والتطور والنماء ، ويُشكل الإقرار بذلك لجميع الشعوب في كل بقاع الارض وليس حكرا على احد ( اي حق تقرير مصيرها ) . وهذا من مبدأ كرامة الانسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى بها , اي الكرامة الأصلية والمنبثقةٌ من الإنسان نفسهُ وحقوقه الثابتة والمتساوية والراسخة كما اشرنا سابقا ، والذي تعتبر أساس الحرية والعدل والمساواة والسلام في العالم اجمع . فهناك الكثير من المرجعات والمواثيق الذي تقر احقية الشعوب في تقرير مصيرها وذلك احتراما للالتزامات الناشئة عن المعاهدات الذي تعتبر من مصادر القانون الدولي. * ووفقاً للمبادئ المُعلنة في ميثاق الأممالمتحدة الذي صدر بمدينة سان فرانسيسكو في 26/ حزيران/1945، * وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948. وغيرها الكثير من المرجعيات والقوانين والمواثيق في العالم , المعترف بها والذي تقرر احقية الشعوب في تقرير مصيرها . فلست من اهل القانون فهم ادرى بذلك جيدا . فهنا نستنتج ان الشعب الجنوبي له الاحقية الكاملة في تقرير مصيره ، وان يختار ذلك بحريته الكاملة . وفوق هذا كله هناك قوانين ومرجعيات ومواثيق دولية خاصة باسم شعب الجنوب في أحقية تقرير مصيره بكامل إرادته وحريته وكدولة مستقلة كاملة السيادة .!
وبمثال بسيط من الواقع لذوي العقول الصغيرة والساذجة لو اننا انا واخي كرهنا المعيشة مع بعضنا وازداد الشجار والتخاصم فان الاولى ان ننفصل وننعزل عن بعضنا ، ويبقى الود افضل من الجلوس معاً على اكراه ، وهذا معروف وطبيعي لدى الجميع .
وبالفعل مانراه' اليوم وامس والعام الماضي والذي قبله ، ومنذ عشرات السنين والوحدة كما تسمى بين اليمنيين منذ 94 على حرقة قلب ومرارة عيش ، وألم وتعب شديدين ، حيث قدم شعب الجنوب تضحيات جسام لا يتسع المجال لذكرها ولسنا في صدد ذكر المساوى والمئاسي والكوارث والظلم والنكبات الذي حلت بشعب الجنوب والذي جزء منها القتل ، وازهاق نفوس ابناءه ، وجرح الابرياء ، واعتقال الشرفاء ، ودهس ماري الشوارع ، وارملة نساءه ، وتيتيم اطفاله ، ونهب ثرواته ، وسلب مقدراته، و كل هذه الأمور لا تنتج عن وحدة حقيقية بين شعبين شقيقين ! وفي المقابل لا تأتي المطالبة بالاستقلال وبتقرير المصير من فراق او ناتجة عن بلطجية كما يزعم بعض تجار الحروب وذوي المصالح الشخصية او ما شابه ذلك من الافكار المنحرفة عن مسار الاخوة والوحدة الحقيقية .
اذن فالوحدة اليمنية ليست بالإكراه ولا بالقوة . فالارواح والنفوس الذي تزهق تحت اسمها وظلها اغلى مما يسمى بالوحدة اليمنية بكثير ، بدليل حديث النبي عن الكعبة بقوله صلى الله عليه وسلم ( لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم )
تعقيب واما من يرى ان الوحدة اليمنية ، او اي وحدة بين بلدين حقاً او واجباً لازم يؤدى وهو من اصول الدين ، فنقول له اذا كان الله كرمك بحرية الاعتقاد وانت محاسب على عملك فمن باب اولى ان يكرمك ويقول لك لا اكراه في الوحدة اليمنية الذي زادت الشعبين وبالاً وتخلفاً .!! حتى ولو كانت الوحدة اليمنية ركن من اركان الاسلام كما يدعي بعض السفهاء المتطاولين على الدين ، فانها ستكون النية والاخلاص شرطاً لقبولها واذا رفوضها وكان قد فرضت وغصبت عنهم بالقوة ، بدون نية خالصة فانها ستصبح (نفاقاً) . لان الداخل مخالف للخارج ((اي يظهر الوحدة ويبطن الأنفصال ))وهذا غير مشروع في ديننا الاسلامي الحنيف وغير حادث ولن يحدث في شعبنا الجنوبي بتاتاً . فنتمنى من الله سبحانه وتعالى ان يحقن دماء اليمنيين وان يعيدهم كما كانوا كراماً أمنين ، كشعبين كريمين مستقرين تسود علاقتهم كاشقاء متحابين ومتعاونين يعيشون بسلامٍ وامن واستقرار وتقدمٍ ونماء .