يُحكَى أن لقاءً جمع سياسيًا ألمانيًا وآخر بريطانيًا، تبادلا فيه النقاش حول كيفية عمل حكومتيهما، فبدأ الألماني يشرح خطة حكومته خلال سنواتها المقبلة وكيف تنوي تطبيقها، وبعد أن انهمك لساعات في شرحها بعناية، انتقل المستمعون إلى السياسي البريطاني متوقعين منه أن ينهمك هو الآخر لساعات في شرح خطته، ليلخص في دقائق قائلًا: “لا خطة لدينا! نحن ببساطة نعمل كل يوم بيومه حسب الظروف المتغيّرة.” نعلم أن المنظمة الصهيونية كانت مسرحاً للتناقضات الإمبريالية و خاصة بين الدولتين الإمبرياليتين بريطانيا و ألمانيا. و لهذا انقسم الصهاينة جوهرياً بين هذين المعسكرين، فالصهيونيون الألمان ناصروا إمبراطوريتهم النامية، والصهيونيون البريطانيون ناصروا إمبراطوريتهم الوطيدة. و لذلك ما إن وقعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 بين كتلتين من الدول الإمبريالية: بريطانيا و فرنسا و روسيا القيصرية من ناحية و ألمانيا و النمسا - المجر و تركيا من ناحية أخرى حتى اشتد التقاطب القومي في المنظمة الصهيونية و تعمق الصراع الاجتماعي في الطوائف اليهودية توافقاً مع موضع اليهود الطبقي. == كخلفية لهذا الرجل، آرثر جيمس بلفور، فقد ولد فى اسكتلندا عام 1848، و هو سياسي بريطاني شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 1902 و 1905، و وزيراً للخارجية بين عامي 1916 و 1919. و كان بلفور محافظاً و ذا عقيدة إيديولوجية، و كان مقرباَ من العديد من القادة الصهاينة. و وعده الذي سمي بأسمه في 2 نوفمبر 1917، ارسله الى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد، زعيم الجالية اليهودية البريطانية، و الذي أعلن فيها عن دعم الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، السكان الأصليين في تلك الأرض. و هذا هو النص الدقيق لوعد بلفور: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود و الصهيونية، و قد عرض على الوزارة وأقرته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، و ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية و الدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، و لا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". و لكن يبقى السؤال الذي يسأله العالم، لماذا في فلسطين؟ و هل كانت فلسطين ارضا بلا شعب في عام 2017؟ و لكن الحقائق تكذب بريطانيا حيث يعرف الجميع انه حينها كانت مساحة الارض الفلسطينية تبلغ تقريبا 28,000 كيلومتر مربع، و كانت تحت السيطرة العثمانية حالها من حال العديد من الدول العربية و الاسلامية في ذلك الوقت، و كان عدد سكان فلسطين حينها 700,000 نسمة، 90% منهم فلسطينيون مسلمون و مسيحيون، و كان ال 10% الباقيين من السكان اليهود الموجودين آنذاك يعتبرون جزءاً من السكان الفلسطينيين الأصليين، و لم يكونوا صهاينة. و على الرغم من هذا الواقع، اعتبر وعد بلفور غالبية السكان الفلسطينيين "طوائف وتجمعات غير يهودية "، و لكن عنصرية بلفور عندما منح وعده، اشار الى (وطن قومي للشعب اليهودي)، و بقية الطوائف والتجمعات غير اليهودية الأخرى لن تمنح إلا الحقوق المدنية و الدينية. و في الممارسة العملية، فإن قانون " القومية " العنصرى يجسد ما جاء فى وعد بلفور فى حرمان أبناء الشعب الفلسطيني من حقوقه القومية بما فى ذلك أبناء الشعب العربى الفلسطينى فى أراضى ال 48 ، بينما يمنح الحقوق القومية حصراً لليهود فى تقرير المصير على "أرض اسرائيل" و هذا لا يعني دولتين ذات سيادة و لا يعني أيضا دولة ديمقراطية واحدة، و الواقع أن ما وعد به بلفور قبل قرن من الزمان تم تنفيذه من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة و خاصة حكومة نتنياهو و هو - تنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى على ارض فلسطين التاريخية، و بإختصار و بناء على هذا الوعد المشؤوم نرى ان اسرائيل تسيطر اليوم على فلسطين التاريخية بكاملها و على كل مناحي حياة الشعب الفلسطيني، و هي بذلك لا تنتهك الحقوق السياسية فحسب، بل تنتهك أيضا الحقوق المدنية و الدينية التي يفترض أنها محمية بموجب وعد بلفور. و ما يحير ساسة العالم هو من اعطى لبريطانيا هذا الحق بمنح البلاد الفلسطينية للحركة الصهيونية؟ و لكن المنطق يقول ان لا يوجد حق لبريطانيا و لا اساس قانوني في ذلك، فالمعلوم ان بريطانيا احتلت فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، و احتلالها لفلسطين لا يعطيها الحق بالتفريط بفلسطين، و لكنها العنجهية البريطانية التي استخدمتها في كل الدول التي احتلتها. و هكذا هي بريطانيا في سياستها، بالرغم من خياتها للشعب العربي الفلسطيني، و منح كيان صهيوني لارض فلسطين، الا انه من ذلك الحين لم تعتذر بريطانيا لهذه الجريمة، و لم تتحمل مسؤولية وعد بلفور.،