القادة السياسيون يبررون كوارثهم السياسية بإنهم يمارسون فن التكتكة التي تناولتهُ في مقالي السابق، وهذا حالهم يدورون في دوامة التكتكة التي لا تنتهي. أما بالنسبة للقادة العسكريين فوضعهم ربما يختلفُ، حيث أنهم يبررون أفعالهم وكوارثهم وفضائحهم وأخطائهم بقولهم " نحن كُنا نقاتل في الحرب " ، " نحن قاومنا فمن أنتم يا مفسبكين لتنتقدوننا ؟!!". طبعاً.. بعضهم فعلاً كان مقاوم أثناء الحرب، وفي أثناء الحربِ استشهد -للأسف- حرف الميم الأخير من كلمة مقاوم، وتم إستبدالهُ بحرف اللام، حيث تحول صديقنا من مقاوم إلى مقاول(نصاب)، يسرق وينهب ويتبلطج ويمارس "الدحبشة" بكل إتقان وبراعه، وإذا صرخ أحدهم من "دحبشتهِ" التي فاقت دحبشة "الدحابشة" قال: من أنتم؟ أنا مقاوم ؟ أنا مقاتل ؟ انا وانا وانا والخ...." ويدللُ على صدقِ كلامهِ بصورته وهو يحمل بندقيةً وخلفهُ دبابة.
نعم يا سادة، كُل من لديهِ صورة لهُ أثناء الحربِ وهو يحمل بندقية أو خلفهُ دبابة يستطيع أن يسرق كما يشاء ويتبلطج كما يشاء ويسفك الدماء ويتخترق القوانين بل يغتصبها كما يشاء،، فهو مقاوم، يحقُ لهُ أن يفعل كل شيء ممنوع لإنه تصور خلف دبابة أثناء الحرب.
وياحبذا لو أصيب صديقنا "المقاوم سابقاً المقاول حالياً" في أثناء الحرب، فهذا يعطيه صلاحيات لا حدود لها، فهو أصيب فماذا قدمتَ أنت يامفسبك؟ ثمَ أن يسرقكَ مقاوم/ل جنوبي أفضل من أن يسرقكَ "شمالي" متنفذ؟ ثم أليس من الأفضل أن ينتهكُ القوانين أخاكَ في الوطن بدلاً من أن ينتهك القوانين مُحتل يمني/شمالي؟
ثم من أنت للتكلم يامفسبك ؟ هل قاتلت كلا؟ قم وقاتل ثم تعال وأسرق مثل هذا المقاوم الهُمام ، وأخرق القوانين وتبلطج كما تشاء بعد أن تقاتل. هذا هو الحال عندما ننتقد شخصية جنوبية تفسد في الأرض وترتد على مبادئها، يهاجموننا ويقولون أن هؤلاء قد قاوموا في أثناء الحرب، وأنهم رجال القتال والميادين بينما نحن مجرد "مفسبكين" ..!
وكأن المقاومة هي تصريح يُعطي صاحبهِ ممارسة كل أنواع الفساد والظلم والإضطهاد والعمالة للخارج، كلا يا سادة ، المقاوم الذي يتبلطج ولا يحترم القوانين مكانهُ السجن ولو كان أبو شهيد أو ابن شهيد، لإنهُ أثبت بتبلطجهُ أنه ليس وطنياً إنما مرتزق انتهازي شارك بالحرب لأجلِ مصالحهِ الخاصة الضيقة، وليحتمي بتلك الصورة لهُ خلف الدبابة ..!
أن المقاوم الذي يتحول لمقاول ليست لنا بهِ حاجة في الجنوب، بل أننا في غنى عنهُ لإن ضرره أكثر من نفعهِ، فلا يُزعجنا بامتنانه علينا أنهُ قاتل أثناء الحرب لإن ضررهُ أكثر من نفعه بكثير. ألا يعلم ذاك المقاول المقاوم أننا نقاتل لنطرد إحتلالاً جلب الفساد والظلم والاضطهاد والبلطجة معهُ فكيفَ نخرجهم نُبتلى بهِ وبأصحابهِ البلاطجة الذين يمارسون أفعال المحتل للأسف؟ ألا يعلم ذاك المقاول المقاوم أنهُ يجب أن يكون الرجل الأول في منع الفساد ومنع الظلم والبلطجة وفي حماية أمن الوطن والمواطن فمالهُ ينقلب على كل هذا ليصبح هو الفاسد والظالم والبلطجي ؟ ولنجد معهُ أناس متعصبون قبلياً ومنطقياً إن أنتقدتهُ صرخوا هذا قاوم وقاتل (وأستشهد أثناء الحرب مرتينِ)..!
والكارثة الأكبر بالمطبلين حولهُ الذين ينادون بالشفافية وبدولة القانون والمساءلة، ثم إذ هم أنفسهم ينقلبون على هذه الشعارات ويصبحون مطبلين ومدافعين عن البلطجي لإنهم فقط من نفسَ منطقته أو قبليته..! وحتى لو كانوا يعرفون أنه لم يقاوم أساساً وإن صورتهُ أمام الدبابة في الحرب كانت فوتشوب..!
أخيراً : أن تكون مقاوماً فمقاومتكَ ليست أثناء الحرب فقط، أنت مقاوم في السلم وفي الحرب، والأفعال السوداويةُ تحولكَ من مقاوماً إلى عدو للوطن والمواطن، وبالوقتِ نفسهِ المقاوم في الساحات ليس المناضل الوحيد فكل شخص يتسطيع أن يكون مناضلاً من مكانتهِ ومكانهِ فلا فضل لمقاوم ميادين القتال على مقاوم القلم والفكر على مقاوم السياسة ودهاليزها، وعلى مقاوم العمل والتعليم والأدب..!