تكتكة.. تكتكة ..كلمةٌ تشبه إيقاع (الطبلِ) و تأتي من المطبلين سواء كانوا مطبلين الفِرق الفنية أو مطبلين السياسة والسياسيين. تكتكة سياسية، هكذا باتت تبرر الاخطاء السياسية وتتحول بها الهزيمة النكراء لنصرٍ عظيم، بل حتى الخيانة تتحول (بالتكتيك السياسي) إلى دهاء ووطنية ونضال سياسي، وليس على الخائن سوى أن يقول أنه يتكتك، تكتكه..تكتكه. لقد أصبحت كلمة التكتيك السياسي (ومشتقاتها) مصدر أرق لي شخصياً، فكلما سمعتها تتكرر كثيراً ويتداولها الناشطين والسياسيين علمت أن هناك مصيبة وقعت، وخيانة حدثت. وكلما كتب كاتبٌ أو تسائل سائلٌ أو فكر مُفكرٌ في حالنا السياسي، تأتي الإجابة التافهة والتحليل البارد المبتذل: (تكتيك سياسي). أياً يكن، أنا لا أنكر أنه لابد من (فن المناورة) في السياسة، لكن المناورة أو (التكتكة) تكون بالادوات السياسية وبالتنازلات الممكنة المعقولة ووفقاً للمصالح المتبادلة ،وتكون مرحلية، وليس كما نفعل نحن الجنوبيين، حيث (نناور) بالمبادئ الأساسية وبالقيم العليا لتحقيق مصالح فورية ومرحلية. حتى التكتيك كمفهوم يعني القيام بعمل جزئي أو مناورة أو إجراء عملية بسيطة ضمن عملية أكبر بكثير (الإستراتيجية) ، ونحن بالجنوب نركز كلنا على التكتيك البسيط والمرحلي وعلى حساب التحرك الإستراتيجي للقضية الجنوبية. وتحدثت في هذه المقدمة عن التكتيك السياسي لكي لا يأتي أحدهم ويرد على كلامي بالتكتكة ومشتاقاتها مثل المؤامرة أو التحليلات الساذجة المبتذلة. لنبدأ إذن: منذ إنطلاقة الثورة الجنوبية في 2006،وهناك شيئان يجلبانِ الإشمئزازَ لي، وهما رفع أعلام دول أخرى، ورفع صور القيادات السياسية (التي لازالت على قيد الحياة)، وانا أرفض ذلك من حيث المبدأ، وليس لأنني ضد الدول التي رُفعت أعلامها في المظاهرات، أو ضد القيادات السياسية التي تُرفع صورها. لأنه إذا كان هناك علم يجب أن يُرفع فهو علم الجنوب وحدهُ. وإذا كان هناك شخصاً يجب أن نرفع صورته فهو الشهيد لاغير، لأنه الوحيد الصادق بحبهِ للوطن، والوحيد الذي انا متأكد تماماً أنهُ لن يغير موقفه. ثم إن التحرير لن يأتي لنا من أمريكا ولا من روسيا، ولا من الشرقِ ولا من الغربِ، ولا من السعودية والامارات،ولا من أيران ولبنان، التحرير يأتي من الشعب، من ثقته بذاتهِ، من دماءِ شهدائهِ، وتضحياتِ أبنائهِ،ومن عدالة القضية، وقبل كل شيء من الله (وما النصر إلا من عند الله). والاطراف الدولية والإقليمية إن هي إلا عوامل مساعدة، ولاتريد إلا مصلحتها بالأول والاخير. ولايهمها عادلة القضية من عدمه، فقضية الجنوب موجودة منذ 1994 لماذا لم يتذكرنا أحد إلا الان ؟ الجواب: المصالح والصراع الاقليمي أجبرهم على التحالف (المرحلي غالباً) مع الجنوب حالياً. بالنسبة للمصالح فهي لغة السياسة وليست عيباً، ونحن الوحيدين الذين نمارس السياسة بعواطفنا وهذا عيبنا لوحدنا، فنرفع علم كل دولة، ولو حسبنا الدول التي رفعت أعلامها في الجنوب لتجاوز عددها ربما الأعلام الموجودة في مقر الاممالمتحدة في نيويورك..! والأقسى من ذلك أن تجد قائداً في المقاومة الجنوبية يعلق في لباس العسكرية علم دولة أجنبية، وإجتماع آخر لساسة جنوبيين يُرفع فيه علم دولة ما، لماذا؟ هل تلك الدول مسؤولة عنا أو وليةُ أمرنا ؟ وهل قامت هي بالاعتراف بنا ورَفعت هي بدورها أعلام الجنوب في عواصمها لنرفع نحن أعلامها في لباس قادتنا السياسيين والعسكريين ؟ وفوق المدرعات والدبابات، وفي نقاط التفتيش؟، وعن أي سيادة تتحدثون ياسادة؟ هل قدمت لنا تلك الدول أية ضمانات لأستقلال الجنوب ؟ أليست الامارات مثلاً تستضيف أحمد علي عبدالله صالح الواقع تحت العقوبات الدولية هو ووالده الذي تحاربه أبوظبي في صنعاء؟ واليست السعودية التي تصنف الاصلاحيين إرهابيين تستضيف قياداتهم كذلك ؟ مالذي يضمن لي كمواطن جنوبي أن المصالح لتلك الدول لن تتبدل ؟ لا شيء يضمن لي ذلك إذن لماذا نرفع أعلامهم؟ وانا لا أدعو لقطع العلاقات مع أي دولة حليفة أو صديقة للجنوب وقضيته، فنحن نحتاجهم وهم يحتاجون لنا، والنصر لن يأتي بدون عوامل خارجية لكنها بالاخير عوامل مساعدة، أما الاساس فهو من الداخل، ولكن أدعو لأخذ الحيطة والحذر، وللتفكير على المدى البعيد، والتفكير بماذا يريدون من دعمنا وهل المصالح التي يريدونها مننا مقبولة؟. عموماً ايران تدعم الحوثيين فهل شاهدتم يوماً ما حوثياً يرفع علم ايران مثلاً ؟ هل شاهدتم يوماً ما قائداً إصلاحياً يجتمع بأعضاء حزبهِ ويرفع علم قطر مثلاً ؟ هل شاهدتم يوماً ما "دنبوعياً " يرفع في اجتماع رسمي علم المملكة العربية السعودية؟ رغم انهم (إصلاحيين، وحوثيين،ومؤتمريين،ودنابيع) على باطل. والجنوب لن ينسى ظلمهم وعدوانهم، لكن نحن نفعل ذلك الحُمق كله، رغم أننا اصحاب الحق. والمضحك المبكي أن من ذكرتهم أعلاه من الاعداء للجنوب وشعبه وقضيته، يحققون تحالفات ومكاسب سياسية حقيقية. بينما نحن لانحقق شيئ يُذكر، وإن قلت لماذا هذا يحدث؟ قالوا بصوتاً واحد: تكتيك سياسي. نعود للسؤال: ماهو الضامن الحقيقي أن الدول التي نرفع أعلامها ستقف معانا للأبد؟ ولن تتخلى عنا في حالة تغير موازين القوى أو تبدل المصالح؟ وقبل كل شيء ألا تظهر قضيتنا العادلة بهذه التصرفات "المراهقة" بمظهر القضية التابعة المفتعلة من أطراف إقليمية لتحقيق مصالح؟ لكن لا بئس لنرفع علم مليون دولة أخرى، بشرط أن أرى علم الجنوب يرفرف فوق عواصم تلك البلدان التي نرفع أعلامها..! وسيقول قائل لكن دمائنا امتزجت ولهذا نرفع علم الدول الأخرى، ونرد لهم الجميل.وأقوله ولماذا هم لا يفعلون نفس الشيء ويرفعون علم الجنوب بإجتماعاتهم وفوق مباني عواصم تلك البلدان، وأليس لنا فضل عليهم ومقاومتنا الجنوبية الباسلة تقاتل لجانبهم وتحرر الارض بل ذهبت للبقع بصعدة ولمناطق يمنية/شمالية لتحارب نيابة عن جيوش تحالف، ليرفعون هم إذن أعلامنا. أختم بوقائع تاريخية تؤكد أن السياسة مصالح وإن الحذر واجب، وأن الاندفاع الزائد تكلفته السياسية عالية جداً، ويكفي وقوعنا بفخ الوحدة الإحتلالية عام 1990 التي نجني اليوم منها المأساة والويل والقهر والظلم وكله بسبب تسليط العاطفة على لغة العقل في علاقاتنا السياسية: في الحرب العراقية – الايرانية دعمت دول الخليج العراق بالمال والعتاد، ليحميها من اطماع ايران التوسعية، وليمنع تصدير الثورة الايرانية الى العراق أولاً ثم الخليج. فقد العراق بتلك الحرب حوالي المليون قتيل، ووجه كل اقتصاده القائم على البترول فقط لهذهِ الحرب. دفاعاً عن العراق أولاً ، ثم عن الخليج. ثم مالذي حدث ؟ تغيرت المصالح، وقامت دول الخليج بتخفيض اسعار النفط برفع الانتاج النفطي ليصل حينها سعر البرميل إلى 10 أو 12 دولار، مما يعني انهيار الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط مثل بقية دول الخليج. إذن حليف الخليج بالأمس أصبح عدوهم، ثم قام النظام العراقي السابق بغزو الكويت كردة فعل، وحدث ماحدث، وفي حرب تحرير الكويت شاركت قوى ودول كثيرة من ضمنها الدول كانت سوريا بقيادة (النظام السوري) الذي تقف ضده دول الخليج الآن لأن المصالح والاهداف تبدلت. ومافعله الخليج بالحالتين من ناحية السياسية ومن التفكير الواقعي يعتبر فعلاً صحيحاً (بعيداً عن الجانب الاخلاقي) لكن هذه السياسة في كل العالم، المصالح أولاً وأخيراً ثم البقية. كذلك مثال ثالث سريعاً الحركات الارهابية الآن، كانت بالأساس حركات جهاد ضد السوفييت في افغانستان وكانت الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية تمول هذه الحركات، بل أن كل تذكرة مبارة كرة قدم يقتطع منها ريالاً لدعم "المجاهدين ثم ماذا ؟ انتصر المقاتلين طالبان والقاعدة وبن لادن وعبدالله عزام على السوفييت، ليتحولون بعدها من مجاهدين لإرهابيين تحت القصف والملاحقة. لماذا؟ لإن المصالح لكلا الفريقين تغيرت وتبدلت. الشاهد من هذه الأمثلة كلها هو أن المصالح في عالم السياسية تتغير بسرعة، والثقة العمياء في السياسة انتحار، وإذا لم يعتمد الجنوبيين على انفسهم واستمروا على هذا الوضع الذي سئمنا منهُ فلن تقوم لنا قائمة، وحتى لو تحررنا وعادت الجنوب دولة مستقلة (شكلاً) ستكون مسلوبة القرار والإرادة والسيادة (بمعناها الحقيقي) وهذا مالانتمناه. واخيراً: هذه المرحلة سوف تحدد مصيرنا، ونحن الجنوبيين قطعنا شوط كبير جداً لنصل هذه المرحلة، ويجب أن نتعامل معها بذكاء سياسي، وبتفكير بعيد المدى تفكير لآلية الاستقلال ولما بعد الاستقلال حتى. والنصر سيكون حليفنا بإذن الله مادام نحن معتمدين بالاول والاخير على أنفسنا.