حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    أول تصريح للرئيس العليمي عقب وصوله مارب "معقل الثورة والجمهورية"    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس الحراك الثوري يتحدث عن حدث سياسي هو الأول من نوعه في عدن    رئيس مجلس القيادة يصل مارب برفقة نائبيه العليمي ومجلي    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة : التي زارتني
نشر في عدن الغد يوم 01 - 11 - 2015

" مباشرة بعد هروبنا" من حرب اليمن إلى القاهرة، كنا جميعا في حالة غير طبيعية، كل من جرب الهروب من قصف حرب سيفهم قصدي تماماَ. حيث يعقب مغادرة اجواء الانفجارات و القصف حالة " تبلد" تلازم الانسان لفترة من الزمن. الفهم بطيء، ردود الفعل متأخرة ، ادراك ماهية المحيط الخارجي ادراك قاصر و غير واقعي. المشي بطيء، الحركة بطيئة، النطق بطيء، كل شيء زاحف و كأننا حين هربنا منك يا حبيبتي يا يمن ربطنا ارواحنا بأحجار من تلك المتساقطة من عطان بعد سقوط كل صاروخ .
" مباشرة بعد هروبنا" الى القاهرة ندخل غرفة ثم ننسى لماذا اصلا دخلنا ، نغلي ماء لشرب كوب من الشاي فننساه حتى يتبخر الماء من طيلة غليانه ، نرتدي ملابسنا فلا يخبرنا الا من حولنا اننا نلبس الثوب بالمقلوب ، و ان باطن الثوب خارجه. فنُخرج الجهة الخارجية للخارج و نعيد ارتداء الثوب ونحن نعض على شفاهنا حياءَ من هول ما حل بنا.
" مباشرة بعد هروبنا " ، نهتز و نزعق عند سماع صوت باب اغلقته بعنف ريح قوية. نحلم في منامنا احلاما كلها عن وحوش تلاحقنا و انفجارات تسبقنا و تئن رئتنا من ارهاق تنهد يتلبس كياننا.
" مباشرة بعد هروبنا" نجلس مع الناس صحيح ، نراهم يتحدثون لكن لا نلحظ الا شفاههم تتحرك اما السمع فلا نسمع من محادثاتهم شيئا ، ُعطل ما يحدث في حاسة السمع بعد سماع " دوي" الانفجارات لفترة طويلة و كذلك الشعور بذاك الضغط الذي يسبق الدوي. ما خلق الله الأذان لتسمع تلك الانفجارات المخيفة.
" مباشرة بعد هروبنا" ندخل المطبخ لنطبخ ، نتأمل الأشكال التي يرسمها البخار المتصاعد من اواني الطبخ، فتذكرنا الأبخرة بالأدخنة التي تتشكل فترسم صور عقب سقوط كل صاروخ. في القاهرة ، في المطبخ نتمتم بضعف و ارتجاف " بوب بوم بمب بمب" نسترجع " القصف" بشفاهنا ، و نرتعد. تخنقنا ذكريات فتتجمع في الحلق عبرة. لا ندري بالمرة ، أنبكي ُبعد الوطن؟ أنبكي عثرة اعمارنا ؟ أنبكي اشتياقا للبيت؟ ام نبكي انهيار الأسرة؟ نقابل في مصر عرب من سورية ، العراق ، ليبيا ، و الأن من اليمن اخر تحديث لموقع النزوح و الذي غالبا ما ينتهي بهجرة. لأن الوطن - و إن انتهت الحرب - لا يكون صالح للعيش فيه لفترة. هم ضحايا حروب مثلنا مثلهم بلا حول و لا قوة. لكن هؤلاء العرب هم – على بؤسهم – افضل حالا منا . الاثرياء منهم مثلا افتتحوا المشاريع ، او شاركوا رجال اعمال محليين في مشاريع ناجحة. متوسطي الحال منهم عملوا في مجال التدريس و موظفين في شركات، اما ضعاف الحال منهم فاشتغلوا في المجال الخدمي مثل المطاعم ، محلات الجزارة، و الحلاقة. اما نحن فبلا مال ، بلا شهادات عليا ، بلا حرفة ، بلا خبرة بلا مهرة. انظروا يا حكامنا ، ها هي ايدينا مبسوطة كل البسط ، انظروا كم هي خاوية. انتم يا حكامنا " جهلتمونا" تجهيل متعمد مع سبق الاصرار والترصد. ببساطة لأن في جهلنا استمرارية لكم و في علمنا و نورنا نهاية لكم .هذا الكلام ساري منذ ايام الامام يحيى حتى ايام الامام عبدالملك. لم نستطع المنافسة في الوظائف لأن شهاداتنا و خبراتنا هما دائما الاقل و الأدنى في سوق العمل. ليس لدي أي يمني المال لفتح حتى معمل لبيع "بنات صحن " لأننا في اليمن لم نكن نعمل لشيء سوى لتوفير القوت و الكهرباء فمن اين عسانا كنا سندخر المال و نحن لا مسئولين ولا لصوص و لا قتلة؟ عقولنا بسبب حصرها في توفير اساسيات الحياة توقفت عن الخلق و الابداع ، و صارت صدئة. تصر مثل باب خشبي قديم اذا تحركت ، و ان تحركت لا يتجاوز انتاجها : ايش الغداء اليوم؟ قد سرجوا؟ منين القات ؟ وعند الرغبة في الترفيه و الاستجمام نقول : عدانام ، لاحد يقومني الا ظهر و الا خلوني لبكرة !
" مباشرة بعد هروبنا" تتغير اعضاء اجسامنا ، فالقلب يصبح قبضة يد تشد ضغطها علينا فتؤلمنا. الرأس و الشعر يصبح شجرة و اوراق خريف تتساقط بالعشرات. العقل مخزن حديد وصلب. القدم سلحفاة تئن. الكتف جمل ضاق صبره عن حمل المزيد ، العين ، جفنها شاطئ و البؤبؤ زورق ذكرى والبياض بحر ، فما ان يتمايل الزورق فوق سطح الموج حتى يفيض البحر في بكاء ُيغرق الدنيا. او لعله بكاء الدنيا نفسها على نفسها. بكاء حد النشيج ، بكاء حتى النوم ، بكاء حتى الاختناق.. ما كان يخطر في بالي ان البكاء يخفف عن القلب عندما لا يكون لدينا حيلة و لا حل و لا قدرة. و البكاء فعل من لا يستطيع فعل أي شيء ، لا نبكي حزنا بل نبكي عجزا على فكرة.
" مباشرة بعد هروبنا" لا حقيقة ثابتة الا حقيقة واحدة و هي " في اليمن حرب". الناس تموت ، البيوت تقبر اهلها ، المجرمين يتيهون في الشوارع نهبا ، طعنا ، خطفا و اغتصابا. في اليمن موتى تتسابق ارواحهم في الصعود الى الأعلى. متى يأتي دورنا، هو دور ليس الا. ليت الحرب كانت في صالة سينما نشاهد فيها فيلم رعب... نجلس و في ايدينا عصير و فشار ، و ينتهي الفيلم و تظهر كلمة " النهاية" فنقوم ونغادر مقاعدنا ونغادر الصالة الى حياتنا.
دخلت غرفتي في القاهرة لأكتب. منذ هروبنا من الحرب وانا اكتب و بشكل يومي. لا اكتب لأنشر بل اكتب لأفهم ما بداخلي ، اكتب لأحلل ما يجري ، اكتب لأزود نفسي بالأمل ، اكتب لأفرح اكتب لأطير. كانت كل كتاباتي التي لا انشرها ليست قصص بل مناقشات بيني وبين نفسي عن الحرب و نتائجها و اسبابها و اطرافها. كنت مقتنعة منذ البدء ان الحرب منتهية لا محالة. لكن كان يحيرني من سيكون الطاغية الجديد الذي سيحكمنا؟ كنت كلما مسكت قلمي لأكتب حول هذه النقطة اجد اصابعي ارتخت و القلم حط على الدفتر ، لا ادري من الحاكم بين عصابة الخونة و سفاكي الدماء و اللامباليين ؟ ثم ادعو الله أن بدد بحولك جبروتهم اللهم الف آمين. مثلا ، عبدربه الذي قامت الحرب من اجل عيون " شرعيته" ، اما كان هو من صمت على توسع ، تمدد الحوثيين في المدن؟ فلما تسلطوا عليه هو نفسه و حاصروه استغاث بالسعودية أن : حلوا عندنا ضيوفا تقصفونا. بحجة استعادة شرعيته. طلب من الشعب ان يصب القهوة للأعداء و ان يزيدوا فيها الهيل. ضريبة عالية يا رئيسنا الشرعي ، ان تسترجع شرعيتك و يدفع الثمن اليمنيين و اليمن. لماذا لم يقل احد لعبدربه منصور هادي ان الرئيس السابق القاضي عبد الرحمن الإرياني عندما الب اعداءه من السياسيين الشعب ضده ، لم يستغث بأحد و لا اشتكى لأحد ، و لا نادى دولة غريبة لإرجاعه لكرسيه بل غادر الى سورية دون ان يراق دم طير. طير يا عبدربه طير. شوف انت دماء اليمنيين التي اغرقتنا فيها ، لم تترك لك شعب تحكمه ! اما قال احد لعبدربه منصور هادي ان زين العابدين بن علي عندما ثار ضده شعبه بعد ان احرق محمد بوعزيزي نفسه هرب زين العابدين الى السعودية دون ان يقول لها تعالي اقصفينا لكي ابقى على الكرسي. في واقع الأمر لم يفعل هذا التصرف الخسيس احد الا عبدربه منصور هادي بينما لوكان هرب خلسة لأصبح اسم في قائمة طويلة. نحن لا نقبل ان يحكمنا عبدربه منصور هادي. فهو سبب كل بيت تحطم ، هو سبب استشهاد كل يمني و يمنية و كل طفل. هو سبب كل اعرج ، سبب كل معاق. سبب كل اعمى ، سبب كل من فقد عين. نحن لا نقبل ان يحكمنا عبدربه منصور هادي. نحن لا نقبل. فمن هو طاغيتنا القادم؟ في تلك اللحظة سمعت صوت طرق خفيف جدا على زجاج نافذتي ، او لنقل انه كان صوت تكتكة. النافذة لها ستارة بنية فلم اكلف نفسي عناء النهوض لإزاحة الستارة و رؤية ما الذي ُيصدر تلك التكتكة بل واصلت الكتابة.
في اليوم التالي جلست لأواصل الكتابة من حيث توقفت. كتبت عن علي عبد الله صالح. هل من الممكن ان يكون هو حاكمنا عبر امتداده في شخص ابنه أحمد؟ لكنك يا علي عبدالله صالح من حالفت و ساندت الحوثي – و هو من قصفته في صعدة على مر ستة حروب – لكي يكون " يدك" التي تنتقم بها من اعداءك الذين فجروا الجامع و احرقوك في ذلك الحادث البشع الذي ارتكبه المجرمين الذين يعرفون انفسهم. فتخلصت بيد الحوثي من علي محسن ، و ابناء الأحمر و كل من ثار ضدك في 2011 بل و خزن الحوثيين القات في غرف " نوم" ابناء الأحمر وقادة الاصلاح و انتقموا ممن هددوا علي صالح بدخول غرفة نومه. كيف نقبل ان يحكمنا علي صالح و هو من دمر عدن و دمر تعز و قتل اهالي المدينتين بحجة انهم " دواعش". هل يعقل ان نقبل بعلي او احمد يحكمنا و هو من كلما لاح اتفاق لوقف الحرب افشله بالشروط و بنقض العهود . هل نقبل بمن خزن الذخائر و الصواريخ في جبالنا و عند الحرب لم يقذف صاروخ واحد الى عقر دار عدونا؟ كأنما خزنت الاسلحة لتقتل الشعب يا علي صالح ! هل نقبل به يحكمنا و قد قدمنا قيمة رخيصة بخسة فقط من اجل ان يوافق الشعب المحتضر على ابنه " الفارس المنقذ" بعد جحيم الحرب. هل نقبل بمن اتخذ منا " لعب"...هل نقبل بمن توارثنا جيل بعد جيل يمتلك الأرصدة ويتملك العقارات و يكنز الذهب...و نحن ما بين شهيد و نازح و مبهذل ومغترب. لا والله لا يمكن القبول به. سمعت تكتكة كتلك التي سمعتها عندما كنت اكتب عن عبدربه. رفعت عيني عن الورقة و القلم الى النافذة. الستارة بنية اللون لكن شفافة. رأيت خلفها عند الزجاج من الخارج جسم بحجم المسافة من كوعي حتى اطراف اصابع يدي. الجسم له رأس. يعلو و ينخفض بشكل متتالي. شبهت شكله لشكل القرد الذي نسميه ربح غير انه كان بلا ذراعين .استغربت و شقتنا في الدور السابع، كيف يصل " ربح" الى نافذة غرفتي؟ هل الرباح تطير؟ خفت ليس من هذا الشكل المخيف لكن خفت لأنني بكل بساطة ادنيت نظري و القيته فوق دفتري و واصلت الكتابة دون ان يتحرك فضولي اكثر من ذلك. ولو كنت انا كما كنت في السابق لقفزت من جلستي و لأبعدت الستارة لأرى ما هذا الذي يشبه الربح في الدور السابع؟
مرت الأيام ونحن نتابع الأخبار. تم تحرير عدن لكنها سقطت سبية بين فخذي القاعدة و غدا تحمل و تلد المسكينة ملئ الجنوب اولاد الحرام على كل شكل و لون . لم اعرف لماذا ، لكنني لم يطول فرحي بتحريرها . تحركت المقاومة الى قاعدة العند فحررتها من الحوثيين الذين لا افهم حتى اليوم لماذا خرج الحوثيين كالغزاة الفاتحين لكن ليس الى فلسطين و لا امريكا و لا اسرائيل لكن الى عدن وتعز. مرت ايام واسابيع و اشهر و اليمن تدفعنا عن احضانها و تتلقى وحدها الصواريخ و لا تهرب مثلنا. تحية للأبطال الصامدين الذين بقوا في اليمن فهم و المحاربين على نفس القدر من البطولة و لو لم يحملوا سلاح.
جلست في مرة اواصل الكتابة. كنت افكر بالجماعة " انصار الله" او الحوثيين كما يحلو للجميع تسميتهم لان الله لا يرضى بأمثالهم انصار. هل يعقل ان يكون الحوثي حاكمنا القادم؟ الأمي، المبحشم ، المسلح ،المبردق؟ انا لا اهجو لكن هذه فعلا هي سمعة الحوثيين المعروفة. لا ! كابوس - ان يحكمنا الحوثيين - يا رحيم ارحمنا من هذا الكابوس. الحوثي الذي نشر الفتنة ثم اشعلها فاشتعلت بين الأخ و اخوه ، الأب وابنه ، الصديق و صديقه ، الزوج وزوجته . الحوثي قسم الشعب قلة سادة و الباقي عبيد!
الحرب لا نهابها فهي مهما طالت ستنتهي . لا يوجد حرب دامت الى الأبد. لكن " الفتنة" شيء لا تستطيع انهاءه بقرار او القبض عليه واو حبسه في زنزانة. انها ما برع فيه الحوثي. فكيف نقبل بُمصنع الفتنة يصدر لنا الفتن و يورد لنا فتن و يوظفنا في تعليب و كرتنة الفتن و يحول اليمن الى بلد تقتدي به الدول في صناعة الفتن؟ تلك اللحظة سمعت مجددا صوت التكتكة عند النافذة . رفعت عيني فوجدت ذاك الربح عند نافذتي. ربح في الدور السابع شيء مخيف. وضعت القلم. رفعت رأسي أتأمل الشكل ذو العنق القصير الذي يعلو و ينخفض. ما هذا الشيء؟ لماذا لا يأتي الا عندما اكتب عن من سيكون حاكمنا القادم. قمت على اطراف اصابعي لأزيح الستارة و ارى ما هذا الشيء. مشيت ببطيء لكي لا يهرب خوفا مني . فتحت الستارة لأجد بومة مخيفة شديدة القبح تحدق في وجهي. لم تخف مني و لم تطير خشية مني بل ظلت محدقة في وجهي. كانت احدى عينيها عوراء رمادية اللون والعين الأخرى سوداء . منقارها ملاصق لوجهها فلم افهم هل تأكل ام لا تأكل. منقارها كأنه أنف. خمنت ان تكون بومة عجوز جدا لأن شكلها كان يوحي بأنها مسنة. لوحت بيدي لكي اخيفها فتطير لكنها لم تتحرك. ضربت بقبضتي على الزجاج فلم تطير. عدت الى اللاب توب و فتحت موقع جوجل و بحثت في الصور عن كلمة " بومة" فوجدت اشكال متنوعة من البوم ولم اجد شبيهة لها. الصراحة يعني خفت ؟ عدت اليها احدق في وجهها ، وجدتها تحدق في وجهي ايضا و سرت في جسمي قشعريرة. خرجت من غرفتي و ناديت جميع من في البيت. تجمعوا لمشاهدة البومة في نافذتي. اجمعوا كلهم انها فعلا مخيفة . البعض منا استعاذ بالله من قبح وجهها. كانت المحدقة تريد ارهابنا. قالت احدانا :- " وجهها مثل وجه الانسان عندما يصبح عجوزا." قال آخر:- " هذه ما دامت قد جاءت الى نافذتك اكثر من مرة فهي مرسلة." اجبت بانتقاد لهذا النوع من التفكير :-" مرسلة أيش؟ كلام فاضي... فقط الحمامة يتم ارسالها برسالة. لكن هذه بووومة."
ظلت البومة واقفة بثبات بينما تفرق الجميع كلا الى غرفته او لمشاهدة التلفاز. اخذت موبايلي و صورتها عدة صور. استغربت كونها لم تخف حتى من فلاش الكاميرا. ثم صورتها فيديو حين رأيت الريح تحرك ريشها كأنه فراء دب . ثم واجهتها ، سألتها :- " مش ناوية تمشي، مش ناوية تخافي مني ؟" ظلت محدقة. اغلقت الستارة و لكنني رأيت ظلها واقفة لم تتزحزح. تركتها ونزلت البقالة التي اسفل عمارتنا. اشتريت بعض الأشياء و عند المحاسبة التي كنت قد تجاذبت معها اطراف الحديث اكثر من مرة و بدأت بيننا صداقة سطحية ، اعطيتها فلوس ما اشتريته ثم قلت لها :- " على فكرة منطقة المعادي دي ، مشهورة بإية؟" اجابتني دون تفكير :-" مشهورة بالأشجار العالية الكتيرة."
فعلا كانت الأشجار في منطقة المعادي تتداخل من تزاحمها فتحجب في اماكن من المعادي السماء. قلت لها : -" طيب مش مشهورة بالطيور؟" اجابت :-" اكيد ما دام شجر كتير اكيد هيكون فيه اعشاش وعصافير" قلت انا :- " لا، ماقصدش عصافير. انا اقصد بوم مثلا." ضحكت المحاسبة ضحكة عالية و علقت:-" بوم إية؟ ما تصلي على النبي." خفت. اخرجت من موبايلي و عرضت عليها صورة البومة في نافذتي فسمعتها تستعيذ بالله من الشيطان و عطشت الجيم في الرجيم . ثم دفعت يدي و الجهاز عنها قائلة :-" دي ،باين روح حد من اصحاب البيت و جاي تشوف من اللي ساكن في بيتها؟" ضحكت هاتفة :-" بلاش كلام فاضي ، انا لا اؤمن بهذا الكلام. هذه بومة " رفعت المحاسبة حاجبها بحدة قائلة :-"لا بقة اسمحي لي ، انا اللي لا اؤمن ان دي بومة." اخبرتها ان البومة ملاصقة لنافذتي لا تبرحها. نصحتني ان افتح صورة ياسين و المعوذات و ان ابخر. سمعتها و انا اهز رأسي شفقة على المساكين المؤمنين بالبخور .
اخذت الاغراض التي اشتريتها و غادرت البقالة. عدت الى شقتنا. كانت البومة و يا للعجب لا تزال هناك. فتحت الستارة فوجدتها نائمة. اغلقت الستارة و عدت الى دفتري و قلمي. واصلت كتابة. اذن لا عبدربه سيحكمنا ، و لا علي صالح سيحكمنا ، ولا حوثي سيحكمنا. قفز وجه البومة الى نظري. اهي داعش ستحكمنا ؟ ما ان كتبت داعش حتى طارت البومة و لم اراها مرة اخرى حتى اليوم. لذلك استعيذ بالله معكم من داعش و من بومتهم. ادعو الله ان يرحمنا و يلهم رجالنا المثقفين منهم ، الاقوياء منهم ، السياسيين منهم ، الاقتصاديين منهم ان يظهروا و يبرزوا و يكافحوا من اجل اليمن قبل ان تغطي سماء اليمن مثل هذه البوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.