بدايةً يجب أن يعرف الجميع بعض المسلمات الاقتصادية منها؛ أنَّ الاقتصاد والعملة اليمنية كانت ومازالت مسنودة ومحمية من السعودية، ولولا هذه الحماية لكان صرف الريال وصل إلى الألف ريال مقابل الدولار منذ الشهر الثالث للحرب، وقد كتب في هذا الموضوع كثير من أساتذة الاقتصاد. ثانياً؛ الضرر الذي تعرض له المغتربون من قرارات توطين الوظائف في السعودية سبب رئيسي في انهيار الريال اليمني؛ لأن سعر العملة تحميه واردات البلاد من العملة الصعبة، والتي لها عدة مصادر أولها؛ صادرات البلاد من المنتجات الصناعية والزراعية والمنتجات الطبيعية.. الثاني؛ الخدمات التي تبيعها البلاد كالموانئ والمطارات والسياحة وغيرها من الخدمات، الثالث؛ تحويلات المغتربين.. الرابع؛ المعونات الدولية.. الخامس الاستثمارات الأجنبية... وبالنسبة لليمن؛ توقفت كل المصادر منذ 2015 بسبب الحرب وتبقى مصدر واحد "حوالات المغتربين لأهلهم وذويهم في اليمن"... والنسبة الأكبر من حوالات المغتربين كانت من السعودية، وبسبب القرارات العُمَّالية الأخيرة التي طالت توطين -سَعوَدَة- القطاع الخاص خسر مئات الآلاف من المغتربين وظائفهم.. وبسبب رفع رسوم العمل، ورفع أسعار الخدمات (الكهرباء والماء والوقود) وضريبة القيمة المُضافة فقد تحملوا أعباء مالية إضافية اقتصت نسبة كبيرة من إيراداتهم واستنزفت مدخراتهم، ما أدى إلى انخفاض الحوالات.. والتحويلات اليوم لا تعادل 20٪ من حجمها في 15-2016.
والسؤال؛ هل تستطيع الحكومة اليمنية حل مشكلة انهيار العملة..؟ الظاهر من مستوى كفاءة الحكومة أنها لا تستطيع حل المشكلة، بل هي لم تفهم المشكلة من كل زواياها حتى الآن.
سؤال ثاني؛ هل تستطيع الحكومة الاستفادة من علاقتها بالقيادة السعودية، والحصول على استثناء لليمنيين..؟ الواقع يقول أنَّ السعودية تخوض حرب إقليمية في عِدَّة دول، وتعزيز قوتها وتحقيق النصر يقتضي قرارات حاسمة اقتصادية وعمَّالية لا تقل أهمية عن القرارات العسكرية، ومنها القرارات التي تضرر منها المغتربون؛ فهي قرارات داخلية بنيت عليها خطط استراتيجية.. واستثناء دولة دون أخرى يضع المملكة أمام مشاكل خارجية وداخلية؛ داخلية بتأثير مباشر على خططها، ومشاكل خارجية مع باقي الدول العربية والإسلامية التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع المملكة، وبعضها دول فاعلة في التحالف المشترك..
والقرارات لم تضر المغترب اليمني فقط؛ بل هي حزمة قرارات إصلاحية طالت كبار موظفي الدولة؛ من أمراء ووزراء، وكبار المليارديرات في العالم، والمواطن السعودي نفسه؛ الجميع كان ومازال تحت سيف القرارات الإصلاحية التي اقتضتها الخطط الاستراتيجية التي يرى المخطط أنها مطلوبة لتعزيز قوة المملكة في الصراع الدولي الحادث اليوم.. وأي هزة تتعرض لها هذه القوة ستكون اليمن أول المتأثرين.. وعليه؛ فاستثناء اليمنيين يحتاج إلى دراسة دقيقة ووقت طويل..
صحيح أن اليمن زادت معاناتها وتعرضت لضرر بالغ بسبب القرارات إلَّا أنَّ السعودية مازالت تحمي الاقتصاد اليمني، فتدفع -ميزانية الحكومة اليمنية- وتتحمل نفقات الحرب من سلاح وإمداد وخدمات مساندة، وتدفع رواتب الجيش.. ومركز الملك سلمان مازال يوزع الغذاء في كل محافظاتاليمن، ويدعم الخدمات الطبية العسكرية والمدنية ومكافحة الأوبئة.. ومؤخراً قدمت وديعة المليارين كدعم إضافي للريال اليمني..
ختاماً أقول؛ إن مشكلة انهيار العملة اليمنية ومشكلة المغتربين هي مشكلة واحدة؛ وعلى اليمنيين توجيه سهام النقد والمطالبة بالحل باتجاه الحكومة اليمنية، فهي وحدها المعنية بوضع معالجات ناجعة لها.. وفي رأيي الشخصي أن أول خطوة للمعالجة تكمن في قرار رئاسي يقضي بتشكيل فريق إدارة أزمة، باعتبارها قضية يمنية داخلية لايمكن تجاهلها.. وعلى الكتاب إثراء الموضوع بمزيد من التوضيح، حتى يواجه المواطن اليمني المشكلة وينجح في تجاوزها، ولا يقع فريسة التحريض، ولا يظل أسير الوهم والآمال.