بعد أن لفظ الصيف أنفاسه وتنفس فجر الشتاء بنسماته الباردة،كان للشتاء شأنا آخر عند الأشتداد يؤخذنا إلى عالم السكون ، عالم يعيش في سبات تام، بسبب البرد الذي يحجز الأصوات خلف جدران المنازل .وبسبب ذلك السكون التام، تتجيش المشاعر ، وتتدفق الأفكار ، ويكون سببا في أن تقودك الذاكرة للإبحار والتفكير في مجالات شتئ،بما أن ذلك التفكير يكون تارتا إستعادة وأخرى تأمل وتفكير بالواقع، كان لي حظا في أن أعيش تلك اللحظات، فقد كانت لحظات فيها البرد أشد الأشتداد، بعد منتصف الليل فهي لحظات بالنسبة لي تتسم بالألم بسبب أن التأمل والتفكير نال السمو على الإستعاده الذي قادتني مخيلتي إلى التفكير به، كان البرد في أشد أشتداده فكنت حينها متغطي تماما بملابس شتوية، ولكن مع ذلك فالبرد كان يخترق تلك الملابس،ليصل إلى جسدي متسللا،من بين ثغرات تلك الملابس الجافية،، فقادتني مخيلتي حينها ، وذهب بي تفكيري، إلى عالم الفقراء والبؤساء، الذين يقطنون عدة بلدان عربية وعلى رأسها اليمن العزيز ، و الذين لا يجدون مايغيهم من تلك البرودة، وماهو حالهم في مواجهة الجوع بسبب تلك البرودة الشديدة التي تحتاج إلى كثيرا من االأكل . كانت لحظات مؤلمة، فما كان مني إلا أن أمسكت بجوالي وحاولت أرابط الأحرف المبعثرة بيدان يرتجفان،لعلي أفلح في تكوين بضع كليمات،شرحا من واقع يترجم ألم دقيقة يمر بها أولئك الفقراء،، وبماذا سيتصدوا للبرد ! هل بملابسهم الصيفية والتي هي في الغالب ممزقة، أم بأجسادهم النحيفة والتي لم يتبقى منها إلا الهياكل العظمية،،
ياااالله ،،ماهذا بصراحتا كانت لحظات مؤلمة وحزينة ، ممزوجة بشيئا ما من الأستحقار للرؤوساء،الذين لم يستطيعوا يوفروا مايسد لشعوبهم رمق جوعهم ، ويغيهم من برودة الشتاء وحرارة الصيف،وليس هذا فحسب ،بل هناك من هو جزء من تلك المعاناة التي يتجرعها شعبه،، إلى أي حال وصلنا إليه، يامعشر القوم،
فالواقع مؤلم ، تخلى فيه الكثير عن الإحسان،وزمن غدار يحمل بين طياته فصولا تحمل لأولئك الفقراء المشردين، بكم هائل من المعاناة ، أما بحرارة شموس الصيف وأما ببرودة الشتاء، لتفتك بتلك الأجساد النحيفة،دون رحمة، أو شفقة،، كفى أيها الشتاء فقد نخرت أعظامنا ومزقت أجسادنا، فليس لنا جدارا يحتوينا،ليخفف على أجسادنا شيء ما من صقيعك، كفى أيها الشتاء، كفى هما فوق الهموم ، ومواجع وغموم ، فبطوننا خاوية ، وأجسادنا عارية ، لقد فتك بأجسادنا النحيفة مافيه الكفاية، كفى أيها الشتاء، فما أبقيت في أجسادنا لنواجه فيه الحرارة،
وأخذت بعدها كنوعا ما من محاولة زرع الطمئنينة في قلبي حيث ذهبت لأتفكر حينها بأن مرحلة الشتاء ستمضي وسيتخلص أولئك من البرد ولكنني سرعان ما وقفت إمام عقبة فيها أن تلك الأجساد العارية ستواجه حرارة الصيف،التي تفتك بأجسادهم، وتذيب لحوم أجسادهم المنهكة، بسبب عدم وجود ما يغيهم من حرارة الصيف، فوقفت صامتا فترة أبحر في معانات أولئك المغلوبين على أمرهم، ولكنني وجدت نفسي في بحر مليئ بالمعاناة والألم والقهر والظلم ،، فأجبرت نفسي على الخروج من هذا البحر الأليم ، لكونني لا أستطيع فعل شيء، سواء إنني أخذت أدعو الله أن ينصر المظلومين، ويذل الظالمين، وإن يفرج هم كل إنسان مهموم تحمل أعباء الدنياء، وإن ينصر وطننا العربي وأخواننا في كل دولة عربية تعرضت للدمار، وأن ينصرنا على أعداءنا،