قيل لي إن كتاباتك مركزة دائماً على مسالة (القات والجنوب والانفصال) وكأن البلاد لا تحتاج إلا إلى هذا ، وأنا أرد وأقول : إن الكلمة لا تؤدي دورها وتبقى ركيكة المعنى إذا لم تنقل (معاناة وحديث الناس) ، وكوني جزء من المجتمع الذي أعيش فيه تيقن لي أن الكلام عن الوحدة ، والجنوب والانفصال ومسبباته أصبح محور كلام الناس بحضرموت منذ ما يقارب أثنى عشر عاما ، أما عن (بلية القات) فأقل ما قاله أهل الشأن عن القات (إنه خبيث ورأس معظم بلايا اليمن وسبب تخلفها) ألا يستحق أن نذكر الناس بأضرار ومخاطر هذه البلية التي داهمتنا عام 1990م لا لشيء إلا كوننا توحدنا ، حيث كنا في عافية منها مدى العصور حتى أيام الاستعمار البريطاني (البغيض) . واليوم أبناء حضرموت والجنوب عامة متفقون في هدف واحد وهو (إزالة الظلم والمعاناة عن المناطق الجنوبية) ، ولكنهم مختلفون في الوسائل والآليات ، فمنهم من يريد الانفصال وعودة الجنوب ومنهم من يريد الفيدرالية التي بها ستتأصل روابط التوحد الحقيقي ، ومن خلالها سيحكم كل إقليم أو محافظة نفسها داخلياً وستنعم بخصوصيتها وبجزء على الأقل من خيراتها في ظل وحدة حقيقية مباركة حقاً .
وإنني من مناصري الخيار الثاني ، ولست مؤيداً للحراك في هذه الفترة بالذات ، ولكني أحترمه كثيراً كون الهدف واحد ، ومن باب شكر الناس أرى أن هناك كلمة شكر يجب أن تقال لشباب الحراك بسيئون حينما قاموا بما لم تقدر عليه الأجهزة الرسمية التنفيذية ، وذلك عندما هاجموا بائعي القات وهم يبيعون قاتهم (تحدياً) داخل سوق سيئون العام وأبعدوهم بالقوة أثناء مسيرتهم ظهر يوم الاثنين : 13 / 6 / 2011م .
قد يقول قائل إن التعامل مع هؤلاء الباعة بهذه الطريقة أمر غير صحيح ، ونحن نشاطر هذا الرأي ونؤكد إن مثل هذا التعامل سيخلق أيضاً أمورا غير طيبة ، كما نؤكد ثانية أن ثقافة (خذ ما تراه مناسباً بيدك) دخيلة على أهل حضرموت ولو أن بعض التكوينات الاجتماعية بحضرموت تأثرت بهذه الثقافة حتى أصبحت جزءا من أعرافها وسلوكها ، أما الأغلبية الحضرمية فترفضها كون أبناء حضرموت تعودوا على احترام أنظمة وقوانين الدولة التي تسيّر حياة الناس مثلما هو الحال في بلدان العالم ، ولكن في ظل تعنت هذا الصنف من الناس وعدم احترامهم لأنظمة وآداب الأسواق ولطبيعة الناس ومشاعرهم ، وكذا تحديهم لتوجيهات السلطات الرسمية وفرض ما يحلوا لهم بعنجهية وفي ظل ترك الأجهزة التنفيذية المعنية (الحبل على الغارب) كل هذا جعل وسيلة هؤلاء الشباب أمراً مفروضاً لإبعاد كل ما هو ضار عن مجتمعهم .
إن بيع القات داخل الأسواق العامة بمدن وادي حضرموت وما يترتب عليه من نفايات وأوساخ ومناظر يشمئز وينفر منها عامة أبناء الوادي ، كون القات وثقافته تتنافى تماماً مع أعراف وأسلوب حياتهم ولو أن البعض من أبناء حضرموت صاروا من ضحاياه .
ورغم توجيهات السلطات المحلية بإبعاد القات عن أسواق المدن والالتزام ببيعه في الأسواق المحددة له باعتبار مهنة بيع القات بحضرموت (مشبوهة وغير مستحبه) إلا إن هؤلاء الباعة مصرون على بيعه في أي مكان ودون مراعاة لأي شي وكأنهم داخل مناطقهم ، وللأسف إن الأجهزة المكلفة بإبعادهم لم تقم بمهامها المستمرة والجادة وإن أبعدتهم نراهم يعودون ثانية رغم أنف تلك الأجهزة ، وكأننا نشاهد يومياً مناظر كر وفر من (توم وجيري) وعليه نقترح على هذه الأجهزة (أن تستفيد من خبرات وآليات عساكر البلدية بصنعاء وكيفية تعاملهم مع مثل هذه الحالات) ، ونذكر بأن احترام خصائص وطبيعة الناس الذين تعيش بينهم يخلق الألفة والوئام والعكس صحيح !.
ومعلوم أن دخول القات بحضرموت يعد من سيئات قيادة الوحدة التي تعمدت تجاهل القانون الخاص بالقات في الجنوب الذي لا يختلف على حكمته عاقلان ، متناسية هذه القيادة إنه من اتفاقية الوحدة أخذ كل ما هو إيجابي وطيب من أي شطر من شطري اليمن ، وربما أرادت حسب سياستها المرسومة أن تجعل الشعب اليمني موحداً في كل شي !! وكأنها تذكرنا بان القات طيب وإنجاز وحدوي لحضرموت .. وهوية لابد منها.. فهل ستسير الأمور إلى الأفضل وإلى ما يراه العقلاء والحكماء والخيرون بعد سقوط النظام ؟! أم أنه فُرض على الشعب اليمني الموحد أن يكون موحداً في كل شيء شاء من شاء وأبى من أبى !!.