لم يصدر وادي الذئاب الحمر فدائيون رجال فقط بل تواجدت بين الذئاب الحمر أنثى التحقت في القتال حملت السلاح وزرعت الألغام في طريق جنود الاحتلال البريطاني مثلها مثل الذئب المقاوم في وادي الذئاب الحمر بدأت مشاعر الكره تنموا بقلبها تجاه جنود الاحتلال البريطاني مند طفولتها ونعومة أظافرها عندما كانت تشاهد أمام عينها بشاعة جرائم الاحتلال وهم يقتلون رجال وشباب وشيوخ قريتها الرافضين الخنوع للمحتل البريطاني ومملكته التي لا تغيب عنها الشمس وعندما كانت تصحوا من نومها مع إخوتها في فزعة وخوف ورعب بسبب قصف طيران الاحتلال البريطاني على قريتها شعب الديوان وكان أهالي قريتها يتكبدون معانات وويلات الرحيل والتنقل بحث عن مأمن من قذائف طيران الاحتلال البريطاني . على هذه النشأة والمشاعر الممزوجة بالغضب والقهر من المحتل البريطاني تربت دعره وعاشت طفولة قاسية قهرا من ظلم وهوان الاحتلال ومن ظروفها الأسرية القاسية حيث توفى والدها وترك خلفه أربعة من الأبناء شقيقتان وشقيقين وكانت هي الابنة البكر فتحملت دعره مسؤولية رعاية إخوتها اليتامى واشتغلت في السوق وفي الأرض وتاجرة بالفحم من اجل أن توفر لأسرتها لقمة العيش الشريفة .. هي دعره بنت سعيد واسم دعره يطلقه اليمنيين على أنثى الذئب , عاشت طفلة ذاقت القهر من المحتل الأجنبي والقهر من الفقر .. وفدائية مقاومة من وادي الذئاب الحمر ... أنها امرأة ومقاومة دعكتها وصهرتها ظروف الحياة لتخلق منها إنسان غير عادي . في قلبه شعلة انتقام من الظالم وبؤس العيش تحت الفقر . ولدت دعرة في عام 1928م في منطقة شعب الديوان في ردفانلحج وكان اسمها الحقيقي هو مريم . مثلما تسبب الاحتلال البريطاني في خلق مشاعر الكره له بقلب دعره كان ذلك كافيا لتخرج دعره من صمتها وخفية عن والدها لتشارك المقاومين بردفان عمليات قتالية ضد الاحتلال البريطاني وهي في سن مبكر جدا ويقال أنها اشتركت في أول معركة ضد جنود الاحتلال البريطاني جنب إلى جنب مع المقاومين من ردفان وهي لا تزال ابنة الاتنى عشر ربيع .. لكن أمور القتال والبطولات لا يمكن أن تخفيها الناس وتنقل أخبارها وأسماء أبطالها وبالفعل علم والد دعره عن مشاركة ابنته وطفلته دعره في انتفاضة الحمراء وعندما اكتشف شجاعة ومهارة ابنته في القتال هب بصدره شعور الافتخار بمقاتلته الصغيرة فكانت النتيجة انه ذهب ليشتري لأبنته الشجاعة بندقيىة آلي فرنسي الصنع ومن حينها بدأت وتشكلت علاقة حميمة بين الفدائية دعره وسلاحها الذي لم يتوقف قط حتى رحيل أخر جندي بريطاني من عدن . فدائية ترتدي ملابس رجل ارتدت دعره ملابس الرجل حتى تتخلص وتنفك من عادات الجهل والتزمت وتخلت عن محاسن انوثتها وملابس الأنثى التي رأت أنها تشكل لها عائق يحول بينها وبين الالتحاق مع ركب المقاومين و يحرمها من الانتقام من الظالم الجائر الذي تجرعت ظلمه مند الطفولة ومن نيل هدفها في الحرية والاستقلال والعيش على ارض حرة كريمة فارتدت زي المقاوم الرجل الفوطة (المقطب) و القميص والمشدة تحمل على كتفها سلاحها تسير بين الفدائئن في الوديان والجبال تقارع معهم جنود الاحتلال البريطاني . هذه الهيئة والشخصية للمقاومة دعره جعلت المستشرق الروسي "فيتالي نوؤمكين " يتطرق لذكرها في كتابه الصادر في الهند عام 2004 حيث صنف دعره من ضمن 53 شخصية يمنية وصفهم بذئاب اليمن كانت دعره المرأة الوحيدة ضمن هذه الشخصيات . كانت المقاومة دعره تشغل حديث وكتابات الكثير من السياسيين العرب منهم الشاعر و السياسي احمد محمد السقاف مستشار أمير دولة الكويت ووكيل وزارة الإعلام الكويتية حيث يروي قصة دعره في كتابه (شخصيات من الوطن العربي ) و هناك الكثير من المجلات والجرائد العربية تحدثت عن بطولات دعره مثل مجلة العربي وجريدة روز اليوسف الصادرة من جمهورية مصر العربية . دعره و بطولات خالدة التاريخ في ليلة خرجت دعره مع مجموعة من الفدائيين للقيام بعملية فدائية على مقر القيادة للإدارة البريطانية في قرية الثمير وبالفعل ثم مهاجمة المقر ودارت معركة بين المقاومين من أبناء الجنوب بردفان وبين جنود بريطانيا لمدت ساعتين قتل فيها جنود بريطانيين واشتعلت النيران في مخازن السلاح وأتناء انسحاب المقاومين أصيبت دعره في إحدى ساقيها إلا أنها استمرت تطلق النار لتغطي انسحاب إخوانها المقاومين ولكن أصيبت كذلك في ساقها الثانية فتراجعت إلى خلف صخرة وحطمت بندقيتها حتى لا يأخذ الانجليزي أحب شيئا لها بدأت تتعلق به مند الطفولة وهو سلاحها الفرنسي الصنع هدية من والدها . عقب اندلاع ثورة 14 اكتوبر عام 1962م من قمم جبال ردفان الشماء ومن شرارتها الأولى تواجدت وقاتلت دعره إلى جانب البطل الشهيد راجح بن غالب لبوزة وأشعلوها ثورة تهلب حمم على رؤوس الانجليز وخرجوا من ردفان هاربين تلاحقهم مواكب المقاومين الذئاب الحمر حتى عدن . شاركت دعره وقاتلت قتال مستميت مع الأبطال من الجنوب ومن أبناء الشمال من اجل الحفاظ على النظام الجمهوري في معركة حصار السبعين يوم على صنعاء ضد حكم الإمام الكهنوتي في شمال اليمن . دعره أسيرة في سجن الاحتلال البريطاني بعد سقوط دعره جريحة في معركة الثمير تمكن جنود الاحتلال البريطاني من أسرها وزجها في سجونه ومعالجتها في السجن . و بعد أن تمكنت بريطانيا من اسر دعره أعلن راديو لندن يومها عبارة قال فيها لقد ثم اسر الإرهابية دعره , هذه الإرهابية بنظر الانجليز كانت حديث جنود بريطانيا في معسكراتهم بل أنهم كانوا يتجمعون ويقصون لبعضهم البعض عن أفعالها وكيف تقتل جنود بريطانيا وكيف تزرع الألغام في طريق مدرعاتهم وتفجرها مع الذئاب الحمر, الأمر هذا لم يتوقف عند حد وصف دعره بالإرهابية من قبل السلطات البريطانية بل أنهم أعلنوا عن جائزة قدرها مائة الف شلن لمن يخبر يبلغ السلطات البريطانية عن مكان دعره للقبض عليها . فعلا لقد كانت تقلق مضاجعهم هذه الفدائية الشجاعة القاهرة لكل ظالم غاشم محتل . ومع ذلك استطاعت دعره أن تهرب من سجون الاحتلال والعودة إلى ردفان وقد روى البعض قصة هروبها بأنها قامت بقتل حراس زنزانتها الانجليز . دعره في ارض الكنانة سافرت دعره لتلقي العلاج في مصر مع مجموعة من المقاومين في جبهة التحرير وربما للإقامة الجبرية , و حظيت دعره بمقابلة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر الذي كرمها بمنحها رتبة ملازم أول ضمن عدد من زملائها من جبهة التحرير ممن تلقوا التدريب في مصر حينها , وعندما صادف وجود دعره بمصر إعلان الزعيم عبدالناصر الاستقالة بعد النكسة في 5 يونيو 1976م خرجت دعره مع شعب مصر وجميع الشعوب العربية تطالب جمال عبدالناصر العدول عن قرار الاستقالة ولم تعود للبيت حتى أعلن ناصر عدوله عن قرار الاستقالة في الخلاصة. هذه القصص والمآثر والأفعال الباسلة التي خاضتها المقاومة دعره في مسيرة زاخرة بالفداء و الكفاح المسلح ضد تسلطت المستعمر البغيض تجعلها لا تقل شأن عن نساء ذكرهن التاريخ الشرقي والغربي بالفداء والنضال الشجاع المتساوي مع نضال الرجل . و نضال دعره لا يقل عن نضال المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد في ثورة الجزائر لكن جميلة لها دولة احترمتها و اعتطتها حقها في التكريم والعرفان لنضالها المجيد الذي به تحقق لشعب الجزائر العظيم الحرية والعيش الحر مع باقي احرار وابطال الثورة الجزائرية . دعره أبنت ردفان لا تقل شجاعة بل تزيد شجاعة وجسارة عن تلك النساء غير أن دعره لا تملك وجهة سياسية ولا راعي سياسي ولا منمق صحفي أو كاتب يكتب عن نضالها ويكشف تقصير الدولة تجاه مناضلة بحجم دعرة بل أن دولتها سوى قبل الوحدة او بعد الوحدة حتى ساعة موتها لم تعطيها حقها كما أعطت دولة الجزائر الحق والمكانة الرفيعة للمناضلة جميلة بو حيرد و التي تستحقها بالفعل . وما يحز في نفس كل حر شريف أن المقاومة الجسورة دعرة توفت ولا تملك سوى راتب بخس لا يرتقي لمستوى درجة من درجات وفاءها وعفتها وطهارة قلبها العاشق للكرامة والشرف ولا لقطرة من بحر نضالها الجسور وتضحيات سنين عمرها من اجل طرد المحتل وبناء حلم دولة وطنية حرة .