عودة الى تشريح وتحليل فبراير وأجياله وشبابه، كما قلنا في بداية الحلقة الأولي بأن الساحة حوت نوعين من الشباب هم المتحزب والمستقل ..وكل نوع من هؤلاء يتكون من ثلاثة أجيال ..وحددنا الثلاثة الاجيال للشباب المستقل بتعريفات وايضاحات بسيطة جدا ..فإننا بهذه الحلقة سنبداء بقراءة الاختلافات والفوارق بين النوعين الرئيسين للشباب ..ثم نذهب لقراءة الملاح العامة للشباب المستقل بأجياله الثلاثة ..وبماذا يختلف ويميز كل جيل عن غيره ..لكننا بداية لابد أن نشير بأن من الصعوبة بمكان تحديد نماذج معينة للجيل الثاني والثالث للشباب المستقل ..وذلك لأنهم اختفوا تماما عن الظهور.. ..ولاتربطهم أي علاقة مع بعضهم من نفس الجيل ولا مع الاجيال الأخرى ..وذلك لعدة اعتبارات واسباب .. اهمها اليأس والقهر والانصدام بقتل روح الثورة وقيمها واحلامها ..وتزويرها .. لكن بأمكاننا قراءة الملامح العامة لهذا الجيل ..على خلاف الجيل الثاني والثالث لشباب الاحزاب الذي ظهر بخطاب ثوري متطرف سطحي وانتهازي ..ومتربط بمنظوماته المتكاملة .. وتلخيص الأمر بأن الجيل الاول لشباب الأحزاب برز وظهر بعد هذه المرحلة من تحريف الثورة كما حمل من اول يوم وجد بالساحة الفيروس والمرض الذي قتل الثورة به .. وذلك لأن هنالك اختلافات جوهرية كبيرة جدا بين الشباب المستقل وشباب الأحزاب .. وسنقرأ هذا الاختلاف .. ثم لماذا حاول الجيل الأول من شباب الثورة المستقل مواصلة عمله المهني وتجربته السياسية ومغامراته ومحاولاته الشخصية .. دون أن يدعي الثورية او يشارك بتحريفها وتزوريها على خلاف شباب الاحزاب الذين لازالوا الى اليوم مصرين على تدنيسها وتحريفها..ولكنه ربما قصر وعجز بأن يدافع على القيم الاخلاقية المجردة للثورة ..أو يأس وأحبط على انه قادر ان يعمل شيء مقارنه بحجم التحريفات والتخريفات التي قد تم لبسها الثورة زورا وبهتانا.. ولأنه مختلف بطريقة تفكيره وتكوينه وارتباطاته . فالجيل الاول للشباب المستقل كان قد بنى نفسه مهنيا واقتصاديا بناء على موهبته ومهاراته وكفاحه الشخصي ..فعلي البخيتي تاجر..وفتحي صفحي مهني وصاحب مؤسسة اعلامية ..ومحمود كاتب مشهور وروائي موهب ..فرض نفسه على الساحة السياسية والثقافية بتميزه وابداعه ..دون ان تكون هنالك طرف أوجهه تقف ورئه.. او تشاركه نجاحه وتتحكم به كأجندة تبعها. وهذا بخلاف الجيل الأول لشباب الاحزاب بالساحة ..الذي تم صنعه واشهاره ..قبل ان يكون ميوله وموهبته ..هما طرفين رئيسيين دولي وداخلي ..وترابط هذه العلاقة مع بعض وتناقضها وتضاربها ..الدولي هي السفارات للدول العظماء التي ربطت علاقتها بالاحزاب السياسية وببعض التدخلات السياسية ..وطلبت من قادة الأحزاب بعض شبابها المهيئين لتدعمهم ليكونوا اصحاب منظمات مدنية ..ولربما كان هنالك تركيز معين على المرأة خاصة بالاحزاب ذات التوجه الديني ..وكان الدعم والتركيز عليها كخطة لتمدين هذه الاحزاب ..وجعل الحزب ذو التوجه الديني انموذجا ..وتطور الأمر الى ماهو اكثر ..في ظل صراع ومنافسة محمومة بين الناشطات ذات التوجه اليساري او غيره . بالتالي ظلت علاقة هؤلاء الناشطين والناشطات ومنظماتهم في ارتباط مباشر بالمعارضة السياسية وبسياسة احزابها ..وباتصالاتها بالسفارات وبرامج الدعم والمساعدة ..وغالبا مايكون هنالك التوافق بين التحكم بها من قبل السفارات وبين قاده احزابها ..مع وجود هامش كبير واختلافات وتناقضات ظهرت على السطح اكثر من مرة ..فكان محاولة الناشطين والناشطات لتجاوز احزابهم وقادتها استغلالا لدعم السفارات ..يواجه بردة فعل عنيفة جدا من قادتهم ..كأنهم يقولوا نحن من قدمكم للسفارات لتخدموا احزابكم لا لتتجاوزوها.. خلاصة الأمر بأن الشباب المستقل كأنموذج الجيل الأول ..لم يكون على علاقة تبعية بقيادة احزاب..مع وجود علاقة احترام طبيعية ..ولابسفارات ولاببرامج دعم ..فكان حرا بأرائه ومواقفه وتلقأيته وعفويته واستعداده لأن يكون شفاف وصادق ومضحي ومغامر لأجل الفكرة ولأجل انقاذ الوطن ..ولم يكن له أي مصلحة أخرى اطلاقا ..وهذا على عكس شباب الاحزاب تماما. كما ان الاعلام الحزبي والدولي قدم شباب الاحزاب وناشطيه على انهم قادة الثورة ..وذلك للارتباطات بأجنده معينة ..فتعمقت النظرة عند الناس والعالم بأن هؤلاء هم رموز الثورة السلمية وقادتها ..حتى صدق شباب الاحزاب انفسهم بأنهم فعلا ثوار..وتخيلوا بأن الثورة وظيفة مدى الحياة تمنحها لهم وسائل اعلام وسفارات ..وجمهور تنظيمي عريض وتنسيقات سياسية مختلفة ..فأستمروا بتحريف وتشويه قيم الثورة واخلاقياتها الراقية التي تجلت بكل وضوح في البدايات ..من حيث الخطاب الوطني والسلمي والموضوعي والتخلي عن كل العقد والأحقاد والثأرات .. بخطاب ثقافي وسلمي أكثر رقيا واتزانا تعبير عن مطلب الدولة المدنية التي تهدف اليه هذه الثورة الشبابية السلمية المتجلي بخطابها الراقي واعتصاماتها السلمية وتلقأئيتها وعفويتها التي جعل الشعب يخرج بتأييدها بطريقة مذهلة اربكت واذهلت الجميع .. لكن حين تم نقل المشترك لمقراته كاملة للساحة بعد جمعة الكرامة ..تم القضاء على كل هذا نهائيا ..وانهاء التنظيمات المستقلة المبدعة التي كانت قد تشكلت قبل جمعة الكرامة.. وبقى شباب الاحزاب اصحاب المنظمات ..في صراع مؤقت مع احزابهم ..حتى تم الاتفاق بينهم ..ورجوع هؤلاء الناشطين لتبني خطاب احزابهم وتنفيذهم لسياسة هذه الاحزاب بالدقة مع حل مسألة التعارض مع السفارات التي ربما كانت عائقا ... ومع استمرار الابقاءعلى وظائفهم كثوار ..وتم تسيسس الثورة بكل مافيها والقضاء على اي قيمة كانت فيها ..وتم تزوير كل شي وتصنع الروح الثورية تصنعا باهت يظهر فيه الدجل بشكل واضح . هنا غادر الساحة والفعل الثوري الجيل الثاني والثالث للشباب المستقل الذي كان القوة العظماءللمظاهرات وبتلقائية دون اي تخطيط او تنظيم ..ليحل محله الجيل الثالث والثاني لشباب الاحزاب ..ويقودهم الجيل الأول من ناشطين شباب الاحزاب المعروفين ..ويخطط المشترك مسبقا لخروج المسيرات ووقتها واستفزازها بالتعدي على المؤسسات والمتاجرة بالدم..وكانت المسيرات والاعتصامات مدفوعة الاجر ..وانتهت مرحلة التأييدالشعبي العفوي ..وأي أمل كان عقل بهذه الثورة ..وانقلبت الى مأساة وألم حقيقي.. ويظل السؤال القائم اين الجيل الثاني والثالث للشباب المستقل وماهي اعتمالاته الان ..وواقعه وتوقعاته ..؟! وبين ماكان مفترض وبين واقع اليوم واستشراف المستقبل ..وهذا ما سأتناوله في الحلقات القادمة.