أياد الردفاني لا جدال في أن الحزب الاشتراكي اليمني يتحمل الوزر الأكبر لمعظم المصائب والنكسات التي عانى ومازال يعاني منها شعب الجنوب بدءا من استيراد إيديولوجيا تناقض ديننا ولا تتواءم مع بيئتنا مرورا بقسر شعب الجنوب على وحدة غير متكافئة وليس انتهاء سعيه إلى احتواء الحراك الجنوبي وتوجيهه لما يخدم مصالحه كل ذلك لا خلاف عليه ولا جدوى من إنكاره , وحتى لا أتهم بالانحياز ومعاداة الاشتراكي فأنني كذلك أحمل الأحزاب والقوى الجنوبية الأخرى قسطا لا يستهان به من المسئولية فإذا كان الاشتراكيون قد وضعوا زمام أمرهم بيد الشيوعية فالقوى الأخرى ارتمت في أحضان الرأسمالية وأعوانها في المنطقة وكانت طوع بنانهم يحركونها كيفما شاءوا ووقع شعب الجنوب ضحية ما بين حجري رحى حماقات وطيش اليسار الطفولي وتقاعس وتخاذل القوى الأخرى .
ليس دفاعا عن الجبهة القومية فلا مصلحة لي في الدفاع عنها إذ أنها قد أصبحت في ذمة التاريخ ولكن الإنصاف يقتضي وضع الأمور في نصابها الصحيح و يجدر بنا أن نتساءل ماذا قدمت للوطن القوى المناهضة للجبهة القومية غير سعيها الدائب لتشويهها والانتقاص من تاريخها والتجريح بمناضليها الشرفاء الذي قدموا الغالي والنفيس لاستقلال الوطن ليرووا ظمأ حقدهم الدفين لتمكن الجبهة القومية القبض على زمام الأمور وحكم الوطن وأوكلت هذه المهمة لبوقين تابعين لها وهما الجابري مؤلف كتاب الجنوب العربي في سنوات الشدة وعوض العرشاني مؤلف كتاب الإرهاب الشيوعي في اليمن الجنوبية اللذين تحاملا بشدة على الجبهة القومية بالحط من شأنها وتصوير مناضليها على أنهم مجرد عملاء وجواسيس للاستعمار والادعاء أن بريطانيا تواطأت مع الجبهة القومية لتسليمها السلطة ولدحض الأباطيل والأكاذيب التي روج لها الكتابان المذكوران أنفا اللذان لا يستحقان سوى البصاق عليهما استشهد ببعض ما جاء في توصية همفري تريفليان أخر مندوب بريطاني للحكومة البريطانية في مستعمرة عدن الذي عزا فيها أسباب تسليم السلطة للجبهة القومية باعتبارها القوة التي تسيطر عمليا في الجنوب وخاصة في الأقاليم كما أن انضمام الجيشين الاتحاديين للجبهة القومية حسم القضية في عدن ويعزو تريفليان أسباب عدم تسليم الحكم لحزب الرابطة لكونها كانت في مرحلة الانحلال وكان زعماء الحزب ينتظرون ويعملون براحة بال في السعودية وبان أحدا غيرهم سوف يقوم بتصفية الخراب والفوضى ليسلم لهم بعدها حكم البلاد في صحن من ذهب أما عن جبهة التحرير فيقول تريفليان إنها ليست قادرة على السيطرة على الموقف حتى لو سلمتها بريطانيا السلطة لاقتصار حضورها على عدن فضلا عن الصراع الدائر بين الاصنج ومكاوي على رئاستها ومحال أن تفند هذه الحقائق .
لم يفلت مني خيط الأفكار بل رغبت أن أدلي برأيي في مسألة طالما أرقتني فلا يطعن في نضال الجبهة القومية على أن ولد من رحمها اليسار الطفولي الذي الحق الهزيمة بالتيار المحافظ في الجبهة القومية برئاسة قحطان وفيصل الشعبي ولا اتفق مطلقا مع من يزعم أن نكبة الجنوب بدأت منذ 67م وإنما بدأت على اثر هزيمة التيار المحافظ بما سمي حينها بالخطوة التصحيحية وان كنت شخصيا لا أجرد اليساريين من أدوارهم النضالية ضد الاحتلال البريطاني . وعودا على بدء قد نلتمس العذر للقوى المناوئة للاشتراكي إخفاقها في تشكيل أي تهديد ضد نظام الحزب نظرا للقبضة الحديدية التي كان يحكم بها الاشتراكي الجنوب قبل الوحدة ولكنني لا أجد سبيلا لالتماس العذر لهم عقب الوحدة اليمنية فقد واتتها الفرصة لإثبات جدارتها وأحقيتها بحكم الجنوب كما تدعي ولكن شيئا من ذلك لم يحدث فلم تستفد من التعددية السياسية التي جاءت بها الوحدة اليمنية لتتسع الهوة بينهاا وشعب الجنوب وفي تناقض غريب وبعد قطيعة دامت ثلاثة عقود تحالفت تلك القوى بإيحاء سعودي مع عدو الأمس اللدود لا لأهداف وطنية وإنما بهدف تقاسم السلطة مع الحزب في حال نجاح مشروع الانفصال ولم يدم الوفاق طويلا فما لبث أن تفجر الخلاف بينهما في المنفى بعد فشل مشروع الانفصال وعاودت العداوة والبغضاء بينهما أدراجها .
وكان بإمكان تلك القوى أن تقوم بدور محامي الدفاع عن حقوق الجنوبيين المنتهكة عقب حرب الانفصال على أن ذلك لم يحدث وظلت تغض الطرف عما يجري من استباحة ونهب لثروات الجنوب وكأن الأمر لا يعنيها وأثبتت التجربة أن تلك القوى لا يهمها سوى مصالحها فقط وتضرب بعرض الحائط مصالح الشعب ولا أدل من ذلك تخلفها عن اللحاق بركب الحراك الجنوبي بذرائع أوهى من خيط العنكبوت . إن كراهية الاشتراكي ورفع الشعارات المعادية له وحدها لا تكفي ولن يحُجم دوره بالكلمات الجوفاء بل بالعمل الدءوب والتوعية وتعرية مخططاته وفضح مؤامراته وتقديم البديل القادر على ملء الفراغ الذي خلفه وسوف يخلفه تضاءل التأييد وتفاقم العداء والسخط ضد الاشتراكي لكيلا تخلو الساحة لقوى غير جنوبية لشغله وذلك ما بدأت بوادره تلوح في الأفق وعلى كل حال لا يعني كلامي الإيحاء بالتحريض على العنف ضد الاشتراكي فأنا أرفض ذلك بشدة وأؤيد فكرة اجتثاثه فكريا وعقائديا .
في الوقت الراهن وعلى المدى القريب لا أظن أن ثمة قوى جنوبية قادرة على سحب البساط من تحت أقدام الاشتراكي لا لأنه قوي ومتماسك وإنما لان القوى الأخرى ضعيفة وهشة لعل كلامي يصدم الكثيرين ولكنه الحقيقة المرة التي ينبغي الاستسلام لها , ولعل الرضوخ لها يجعلنا نفيق من وهم موت الاشتراكي وعمته وخالته وجدته .