كم يحز في نفسي أن أرى معظم الشعوب العربية قد قطفت ثمار كفاحها بعدما ألهب جسد البو عزيزي جذوة الثورة التونسية وتطاير شررها إلى دول عربية أخرى في حين ما زلنا محلك سر في أحسن الأحول أن لم نتراجع القهقري فلم يشفع لنا كوننا السباقين إلى ساحات النضال السلمي على حين كان أشقاؤنا العرب يرسفون في أغلال الذل والخنوع وكنا نسطر الملاحم النضالية وهم يغطون في سبات عميق ومما يزيد في يأسي أن لاشيء يبعث على الأمل لست متشائما كما يتوهم البعض بل إنني واقعي ولست مثاليا ولن أسير في درب من أغرق الناس بأوهام يستحيل تحقيقها ولكي أدرء عن نفسي شبهة تثبيط الهمم وإضعاف العزائم فما أعنيه أنهم لم يخلقوا البيئة والسبل المواتية لانجاز ما وعدوا به و أكتفوا بالخطابات الرنانة التي تخدر الجماهير وتدغدغ مشاعرها والتي تخاطب العاطفة وليس العقل . تعددت الآراء وتباينت في تحديد الأسباب التي أدت إلى إخفاق الحراك في تحقيق الأهداف المأمولة والتي تعوق مسيرته ولن نستطيع في هذه العجالة أن نلم بها جميعا وسأكتفي بتمرير الأضواء الكاشفة على سببين أثنين يحظيان بالإجماع وهما نظرية المؤامرة وأزمة القيادة لن أسهب كثيرا في السبب الأول لأنني شخصيا لا أؤمن بنظرية المؤامرة التي يجعل منها الفاشلون شماعة يعلقون عليها إخفاقاتهم للهروب من مواجهة الأسباب الحقيقية وفي ظني أن التحجج بهذا السبب ليس سوى ذريعة يكسو القائلون بها عورة فشلهم في استمالة الرأي العام الإقليمي والدولي فلم يجدوا محيصا من إلقاء اللوم على الآخرين فلا اعتقد أننا بذلنا ما في وسعنا لكسب احترام الخارج ومحو الصورة السيئة التي طبعها في أذهان المجتمع الإقليمي والدولي اشتراكيو الجنوب والأسوأ من ذلك كله أننا استرسلنا في نفس الأخطاء التي وقع بها الماضون لنرسخ الاعتقاد السائد عنا فالعقلية التي تدير الحراك لا تختلف كثيرا عن عقلية حكام الجنوب في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم , عقلية ا دوغمائية لا تعترف بالأخر وتنفيه ولا يتسع صدرها للآراء المخالفة حتى مع من لهم نفس الخلفية الأيديولوجية عقلية تدميرية عاجزة عن البناء عقلية كهذا بدون شك تثير مخاوف الخارج ولا يطمئن لها فكيف يعترف بها ويدعمها .
وأما السبب الأخر وهو بحسب وجهة نظري من أهم أسباب الإخفاق أن لم يكن أهمها على الإطلاق فيتمثل بأزمة القيادة والظن الراجح أنه لن يجادل احد في أن أزمة القيادة هي أس البلاء وشر ما أبتلينا به في الجنوب سواء في الماضي أو الحاضر ولعلها أكبر عقبة تعترض طريق نجاح الحراك وما لا يمكن تجاهله بهذا الصدد أن من أصبح بيدهم دفة الحراك ليسوا أهلا للنهوض بأعباء المهمة الملقاة على كواهلهم إذ أنهم لا يمتلكون الثقافة السياسية ويفتقرون إلى الحكمة وسداد الرأي والقدرة على تصريف الأمور وتعوزهم قوة الشكيمة والثبات على المبدأ عدا أنهم لا يفون بوعودهم وينكثون بتعهداتهم .
وكانت النتيجة الحتمية لافتقارهم لصفات القيادة أن أغرقوا الحراك بخلافات لا طائل منها غير تبديد الجهود وإضاعة الوقت في صراعات جانبية عقيمة لا تخدم القضية وهي في الغالب صراعات شخصية وأن ألبسوها رداء وطنيا ونجم عن خلافاتهم مكونات لا حصر لها كل مكون يدعي أنه الممثل الشرعي والوحيد للحراك الجنوبي وكل مكون لا يلبث أن ينشطر إلى عدة أجنحة لكل جناح رئيسا وأمينا عاما وناطقا رسميا وكل جناح يصر على انه الشرعي والوحيد المخول له الحديث باسم المكون وهذا أصبحت وظيفتهم وضع العراقيل في وجه الحراك بدل من إزاحتها .
ولكي نكشف الغطاء عن أسباب هذه الأزمة المستفحلة – أزمة القيادة- وتعرية ملابساتها ينبغي علينا معرفة الكيفية التي يختار بها قيادة الحراك فالحكم على الشيء فرع من تصوره , هل لعب أولئك القيادة أدوارا فعالة وتركوا بصمات ايجابية في مسيرة الحراك أهلتهم لهذه المكانة هل واجهوا المصاعب والتحديات وذللوا العقبات التي واجهت طريق الحراك ؟ أستطيع الجزم أن لا شيء من هذا القبيل قد حدث وان الصدفة والمجاملة والمحاباة والمناطيقية والحزبية هي المعايير المفضلة لاختيار قيادة الحراك ويمكنني القول بدون تردد ان ثمة اياد خفية تتوارى خلفية المشهد هي من تلعب بزمام الأمور وتنصب للحراك قيادته كي يسهل عليها التعامل معهم وتحركهم وتوجيههم كما تريد .
وحتى لا يصبح حديثي لغوا فارغا فسوف استدل بمثال واحد على الكيفية التي يختار بها قيادة الحراك وقد تعمدت أن اختار شخصا مثيرا للجدل والشبهة في أن واحد فهذا الشخص لم يسبق له أبدا حضور اجتماع أو المشاركة في فعالية للحراك وفي لحظة رمش عين أصبح أمينا عاما لإحدى مكونات الحراك كمكافأة له على موقف لا يستحق عليه سوى رسالة شكر ولم يمكث طويلا في منصبه حيث حط الرحال في مكون أخر ليصبح أيضا أمينا عاما له ولا اعتراض لنا مادام يصب في نفس الهدف ولم ينته به الأمر عند هذا الحد فضرب عرض الحائط بالقيم والمبادئ فخلع ثوب الحراك وارتدى ثوب ثورة الشباب وتولى مهمة الهجوم على الحراك الجنوبي ومما يثير التقيؤ أن هذا القيادي أرتضى القيام بدور مرافق لسيدة ثورة الشباب , حقا أنني أرثي لهذا الشعب الذي وضع مصيره بيد أمثال هذا القيادي الاستربتيزي *.
[أن ثورة الجماهير مجنونة لا عقل لها ] لا أتذكر تماما من صاحب هذا القول الذي ينطبق على حال ثورة الحراك فهي تفتقر إلى العقل الذي هو بلا ريب القائد الملهم الذي يأخذ على عاتقه المهمة الجسيمة التي ينوء عن حملها المتلونون والمتخاذلون والناكصون على الأعقاب وكل أملي ورجائي أن لا يطول بنا انتظار ظهوره لئلا يصاب الحراك بالاضمحلال والذبول . كلمة لابد منه : للمعترضين أقول لدي رأي سلبي ويتوقف الأمر عليكم لإقناعي أنني مخطئ . · رقصة الاستربتيز : رقصة يقمن فيها الراقصات بخلع ملابسهن قطعة قطعة حتى يصبحن عاريات ·