ذهبت مرة انا وأهلي لزيارة جدتي. كان عمري وقتها 8 سنوات. يومها طلبت من أمي برفق أن انام عند جدتي . رفضت طبعاً. طلبت مراراً وهدّدت بأنّي لن أنام إلا في بيت جدتي. إبتسمت أمي وقتها وقالت حاضر. أكملت اللعب وأنا مسرور ومبتهج. ومن ثم بدأ النوم يتغلب عليّ وبقية الأهل سامرين . ذهبت إلى الفراش ويومها كنت خائفاً من أن تأخذني أمي بعد أن انام ويعودون بي إلى المنزل. ما إن غفوت حتى حلمت بأن أمي قد أخذتني معها إلى البيت . صحوت فجأة وعرفت اني مازلت ببيت جدتي. عاودت يومها النوم ثم حلمت مرة أخرى حلماً طويلاً وعميقاً . يبدأ الحلم بأني قمت في الصباح من سريري في منزلنا وأنا أقول. لقد أخذتني أمي معها!! . ذهبت إلى أمي وقلت لها: هل أخذتني بالأمس عندما كنا عند جدتي. قالت لي :عن ماذا تتحدث ياولدي؟! يبدوا أنك كنت تحلم ! تركتها واستسلمت للأمر . ونسيت الموضوع مع إنشغالي ببداية اليوم. ومن ثم لاحظت على نفسي حزناً غريباً . يأتي فجأة ويذهب. وفي كل مرة يأتي هذا الحزن أتذكر أنني كنت سأبيت البارحة عند جدتي. ومن ثم نسيت الأمر مجدداً أنا في حقيقة الأمر لا أعلم إلى هذه اللحظة أين اعيش بالضبط ؟! هل مازلت نائماً عند جدتي وكل هذا العمر بكل لحظاته الفائته ماهو إلّا حلم عميق قد أستيقظ منه في أي لحظة ؟! ماذا إذا كان هذا الأمر حقيقياً ؟ هل سأستيقظ سعيداً وقتها أم حزيناً ؟ والسؤال الأهم متى سأستيقض؟ لقد إستغرقت في الحلم إلى حد الآن 20 عاماً. لربما استيقض من الحلم بعد سبعين سنة لأكتشف أن كل تلك الحياة لم تكن سوى حلماً طويلاً لأبدأ بعدها بالإستيقاض وأعيش حياة جديدة. ولكن إن حدث ذلك . مايدريني أي الحياتين هي الحقيقية وأيهما الحلم. قد أنام يوماً وأحلم أني في سرير جدتي صحوت للتو . وأبدأ وقتها العيش من جديد. ماذا لو صحوت يوماً ووجدت نفسي في الصباح في سرير جدتي وتكررت تماماً كل الأحداث والوقائع التي عشتها إلى حد الان على أرض الواقع؟. هل سيكون الأمر ممتعاً أن اعيش مرة أخرى حياة قد عشت كل تفاصيلها . حياة لا أستطيع فيها تغيير الواقع والأحداث ولكني أستطيع التحكم بمشاعري التي تتجاوب مع هذا الواقع . عندما تعلم أن فلاناً عزيزاً عليك سيموت . أنت وقتها لا تستطيع إيقاف موته ، لكنك تستطيع التحكم بمشاعرك عند تلقيك هذا الخبر. أي العالمين سيكون أفضل بالنسبة لي . أن أملك القدرة على التحكم بالشعور مع عدم القدرة على التحكم بالأحداث والواقع. أو أن أستطيع إختيار قراراتي وأفعالي ولا استطيع الهيمنة على مشاعري. السؤال الأهم من ذلك. أي العالمين هو العالم الحقيقي بالنسبة لي؟! لنفترض جدلاً أني كنت احلم وقتها ولم نذهب لبيت جدتي من الأساس. الغريب أنني عندما أسافر إلى أي مكان أو أغيّر مكان السكن لا أشعر ابداً أن هناك شيء تغير . كل ما أشعر به هو أن هذه التغيرات ليس لها التأثير الحقيقي على حياتي . الأمر كله ببساطة مجرد حلم طويل. الأغرب من هذا أنني أتذكر تفاصيل تلك الواقعة في بيت جدتي كلما أنتقل إلى إي مكان. كما لو أنها هي الحقيقة الدامغة في حياتي وان الواقع بالنسبة لي قد توقف عند تلك اللحظة. لذلك لا أكترث كثيراً عند معرفة اصدقاء جدد أو عند رحيل آخرين. اقول في نفسي ذهاب الناس أو رحيلهم ليس لي تأثيراً عليه. أنا لا أعرف الى الآن ماذا كنت أعيش حياتي أم اني اعيش حياة أخرى من بنات افكاري وخيالي المحدود . حياة خططت لها منذ أن كنت صغيراً وليس للقدر شأن بذلك ولكني في النفس الوقت لا املك السيطرة عليها أو التنبّؤ ومستقبلها. بقي هناك إحتمال أخير . أحياناً أشعر أن هذا الاحتمال هو الأقوى من بين كل هذه السيناريوهات وأحياناً أراه الإحتمال الأضعف. وهو أن والدتي أخذتني فعلاً معها للمنزل بعد أن نمت وأستيقضت فعلاً في الصباح في منزلنا. هذا يعني أنه لا يوجد حلم اصلاً ! . ولكن السؤال المحير في هذا السيناريو . كيف لعقلي أن يتذكر حلم وبكل تفاصيله وتبعاته وأنا لم احلم به من الأساس ؟!! كيف للإنسان أن يتذكر تفاصيل بكل هذه الدقة وهو لم يعشها اصلاً ؟!! أين كان ذلك الحلم إذا كنت لم احلم به اصلاً . في أي عالم وفي أي زمان؟! . هل يوجد شخص آخر في عالم آخر يشبهني تماماً في كل شيء وقد تبادلنا الأدوار والحياة ايضاً ؟ من الذي فعل ذلك. انا لا أعلم حقيقة إذا ماكنت موجوداً اصلاً . وحتى إن كنت موجوداً ، لا أعلم إذا كان هذا الشخص الموجود الذي يعرفه الناس هو أنا فعلاً !!. لا يوجد أي دليل على وجودي وحتى إن وجد، لن أعرف إن كنت سأستند على هذا الدليل أم لا في إثبات وجودي. اذا أخبرني شخص وتكلم معي على أن وجودي شيء حقيقي، مايدريني إن كان هذا الشخص الآخر هو موجود أصلاً. ربما أنه من نسيج خيالي. أتحدث معه ويتحدث معي . لقد أنقطعت بي السبل . ولا أريد القول اني أعاني بسبب هذا الأمر. لأن المعاناة في قضية الوجود من عدمه قد لا تكون معاناة أصلا. ربما تكون شيء ما يشبه الحياة . أو ربما يكون هذا الشيء هو الحياة أصلاً . . ومثلما قال ارخميدس: ( لقد وجدتها )!!. كوني أعاني وأفكر في قضية وجودي هو الدليل الوحيد الذي لدي والذي يثبت أنني موجود حقاً . نعم أنا موجود على الأغلب لأنني افكر على الأقل . أنا أفكر إذاً أنا موجود !!.