كثيرة هي الفرص التي منحها الجنوب للشمال على طبقا من فضة لبناء علاقات تكاملية مبنية على الشراكة وحفظ الحقوق ولكن الملاحظ أن الشمال لم يغتنم أيا من تلك الفرص بل كان يخسرها الواحدة تلو الأخرى . فبعد تلك الفرصة التاريخية في عام تسعين حين ذهب الجنوب بقضه وقضيضة إلى أحضان الشمال وهو يحمل تلك الأحلام الوردية ببناء دولة مدنية تعز الجميع وتحفظ كرامة الجنوبي والشمالي معا وجد الجنوب نفسه في كابوسا مفجع تمثل بالغدر والخيانة ولم يصحو منه إلا وقدم الوصاية الشمالية قد أثقلت كاهله وكانت معها الخساره الفادحة . أتى الربيع العربي وفيه أيضا ثورة الشباب اليمني ورأى الكثيرون فيها فرصة تاريخية كي يكسب الشمال الجنوب ويعوض تلك الخسارة وذلك من خلال التبرئ من نهج النظام القديم وما كرسه في الجنوب من ظلم ووصاية سلبت الجنوبيين إرادتهم الحرة ومعها كرامتهم خصوصا والشباب قد وضعوا ضمن أهداف ثورتهم (( حل القضية الجنوبية حل عادلا بما يرضي الجنوبيين )) . ولكن يبدو أن تلك الفرصة التاريخية ستلحق بسابقتها فالصوت المسموع اليوم من جهة الشمال هو ذات الصوت الذي طالما ردد شعار الباطل ( الوحدة أو الموت ) وأن غلفوه ببعض المفردات الناعمة وما رضى الجنوبيين المعلن إلا لذر الرماد في العيون ليتكرر بذلك مشهد الخسارة الشمالية للجنوب وتلجئ الكثير من القوى الجنوبية التي كانت بعيدة عن مبدأ تقرير المصير إليه وتعلن تمسكها به !
ونحن إذ نناقش هذا الأمر لن نذهب لتحليل تلك الظاهرة أو نصفها بأنها نتاج حمق وغباء سياسي كما يفعل الكثيرون من صحفيي الشمال وكتابها الذين يكيلون لنا تلك التهم ليلا ونهارا بل ندعوهم ومعهم كل المثقفين لمناقشتها بشفافية وصدق لما لها من تأثير على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم فإذا كان الشمال عاجزا عن كسب الجنوب المهرول إليه دائما فهل بمقدوره أن يكسب دولا أخرى ؟