تبدأ الدعوة الى فكر ما برجل واحد يدعو الناس اليه والى إقناعهم به كرسالة يريد إيصالها ونشرها سواء كانت رسالة إلهية أو من فكر البشر أنفسهم وكثيرا ما يجد هولاء المتاعب والعراقيل في سبيل توصيل رسالتهم .وما يلبث ان يكون لهذا الفكر أتباع كثر يجتمعون حوله لمناصرته وتبنية بعد إيمانهم به واقتناعهم أنه الطريق الأمثل لحل كل مشاكلهم والسير بهم نحو حياة أفضل فيتخذون من هذا الفكر قانونا ونظاما لإدارة حياتهم يلتزمون به ولا يحيدون عنه أبدا. فتتكون الجماعة التي قد تسمى بهذا الفكر الذي اتخذته منهجا لها فالفكر هو المنشئ للجماعة التي ما تكونت ولا اجتمعت الا لتبنيها له واعتباره منهجا فيكون من ضرورات هذا الالتزام ان يحكم هذا الفكر جميع تصرفات المنتسبين اليه فيما بينهم أو مع غيرهم من البشر فيقدم الولاء له على الولاء المبني على الروابط الأخرى كالقبيلة والقرابة والمنطقة واللون والجنس وغيرهاومن هنا تتضح مدى قوة احترام اتباع الافكار للمنهج الذي التزموه فنرى في قصة القاضي شريح عندما جاءه الامام علي بن ابي طالب مدعيا أن يهوديا قد اخذ عليه سرجا فطالبه القاضي شريح بالبينة والدليل ليثبت بأن السرج الذي بيد اليهودي ملكه فقال الإمام على : معي ابني الحسين فرد القاضي شريح لا تقبل شهادة الابن لابيه وحكم بالسرج لليهودي ولم يحكم به للامام علي وهنا نجد مدى تقدم فكرة الولاء الفكري لدى القاضي شريح وأنها مقدمة على الولاء العصبي للجماعة والتي تتكون لمجرد انتماء الفرد لجماعة ما فالإمام على كان أميرا للجماعة التي ينتمي اليها شريح بل كان من الرجال الاوئل الذين جاهدو وحاربوا من من اجلها وكان الشاهد الذي لم يقبله شريح هو من خيرة شباب الجماعة بل وحفيد النبي الكريم الذي اسس وأرسى مبادئ الفكر الذي قامت عليه هذه الجماعة وكان الخصم في هذه القضية يهودي ينتمي إلى جماعة تتربص الشر وتحيك المؤامرات ضد الجماعة التي ينتمي اليها شريح وتعتبر من ألد خصومها إلا أن كل ذلك لم يكن ذا قيمة أوتاثير في حكم شريح أو في تكوين عقيدته .
مما يوضح مدى ولاء شريح لذالك الفكر الذي اتخذه منهجا له دون تمميز بين المنتمين لهذه الجماعة والذين يعتبرهم إخوانا أو الخارجين عنها وإن كانوا ألد خصومها ولم يجعل مجرد انتماء الفرد أو عضويته في الجماعة معيارا وحيدا لمناصرته وموازرته .ولهذا نرى ان اي انحراف عن هذا الفكر يواجة بشدة وصرامة ممن يقومون على تطبيقه .
وفي هذا نرى قصة ابن عمرو بن العاص وهو ابن والي مصر عندما ضرب القبطي دون وجه حق فذهب القبطي الى الوالي لانصافه من اعتداء ابنه عليه الا أن الوالي لم يفعل ذالك في سابقة خطيرة تتجه نحوا تقديم ولاءات أخرى على الولاء الفكري ولاء القربى وولاء الانتماء للجماعة فذهب القبطي الى عمر ابن الخطاب وهو أمير المومنين كمرجعية لوالي مصر فاستدعى عمر ابن الخطاب والي مصر مع ابنه وهي حادثة تحكي لك مدى عدم التهاون في خرق القوانين التي اتخذتها الجماعة منهجا لها ولن تجد مثلا لذالك حتى في أرقى المجتمعات القانونية اليوم والتي ستكتفي برسالة لوم أو عتاب وبعد ان تحرى عمر ابن الخطاب عن الواقعة ما كان منه إلاانصاق القبطي بأن ياخذ حقه ممن ضربه ، بل وقال له اذا أردت ان تضرب اباه ايضا وهو والي مصر فافعل وفي ذلك الى إشارة الى شدة التزام ولي الامر في تطبيق القانون والمنهج الذي التزمته الجماعةونجد ان الجماعة التي تلتف على فكرها وتلتزم قانونه ترتقي بحضارتها وترتفع الى أعلى المراتب وتحضى باحترام وتقديرالجميع سوى إن كان هذا الفكر الذي تبنته الجماعة دينيا أو مجرد فكر بشري طالما انها التزمت به دون تمميزوتاتي فترات انحطاط الجماعة عنما تاتي الولاءت الضيقة لتتقدم على الولاء للفكر نفسة كالولاء لكبار القادة في الجماعة والرؤساء ولذوي الوجاهات .
وكثيرا مانرى تطبيق القوانين على فرد من أفراد هذه الجماعة دون آخر، أما من هم ليسوا من هذه الجماعة أوعلى خلاف معها فإن مصيرهم التهميش وطمس الحقوق بل والتعدي أحيانا ونجد اليوم الكثير من الجماعات التي تحمل فكرا ساميا ولكنه مجرد حبر على ورق لا يطبق ولا يعمل بشي منه فتحكمهم اعتبارات اخرى تعطل كل القوانين والانظمة التي تجدها في نظامها الأساسي فتجد تناقضا فيما تطرحه من فكر وما تتعامل به مع الآخرين ، فيبرز التعسف والاقصاء وتبرير الاخطاء التي تحدث من كبار هذه الجماعة وترتبط مع الاخرين بمنهج مناف لفكرها فتكيل بمكيالين وهذا ما يعطي انطباعا حول مدى مصداقية تبني تلك الجماعة للفكر الذي تطرحه وادعاءها بأنها تتبناه وتناصرة ثم يتبين لك بان هذه الجماعة إنما تتخذ من هذا الفكر ستارا وغطاء لاطماع ومآرب اخرى تريد الوصول إليها وكل ماتريده هو تحقيق مصالح وأهداف خاصة لها وانما تستغل هذا الفكر لتضليل العامة ليلتفوا حولهم لما يروه من بريق أو ربما قداسة لذلك الفكر فتجذبهم الشعارات والعبارت الرنانة إليه. لذلك علينا قبل الالتفات إلى الاسم أو البرنامج الذي تطرحة جماعة أو حزب ما أن ننظر أولا الى مدى التزام القائمين عليه به واحترامهم لقوانينه قبل الانجراف والانخداع وراء مجرد مبادئ وقيم جميلة مفرغة من مضمونها.