قبل عام 1967م كانت عدن تنعم بالأمن والأمان والحريات والتعايش والعمل والرخاء. قبل عام 1967م كان لعدن مجلس تشريعي منتخب ومجلس بلدي منتخب وحكومة ومؤسسات وإدارات وحريات واحزاب محترمة وإنتخابات ونظام وقانون وقضاء.. وما كانت عدن تنعم بعيشها إلاَ بالنظام والقانون والقضاء. عدن كانت تُدار بالمؤسسات والإدارات والمخططات وبالنظام والقانون وما كانت عدن تدار بالتوجيهات والتصنيفات والإستعراضات مثلما تعانيه اليوم. التجارة في عدن كانت حُرة وواسعة لها أُصولها وأخلاقياتها وضوابطها حتى أن عدن كانت توصف (بسلة غذاء) ناقلة للعديد من دول إفريقيا وآسيا. والسياحة كانت من معالم عدن التي اشتهرت بها في زمانها الجميل.
ميناء عدن كان أشهر من نار على علم في موقعه الرباني وفي خدماته الراقية وفي إدارته الكفوءة حتى أنه كان يوصف بثاني ميناء في العالم في المجهود والمردود. مصفاة عدن هي الأُخرى كانت شهيرة بما كانت عليه من تقنيات وفي خدماتها الراقية وفي إدارتها الكفوءة وفي المجهود والمردود وكان في عدن العديد من الشركات والبنوك والمرافق الحيوية لهم دورهم المشهود في إقتصادها ورفاهية أهلها.
كانت عدن في زمانها الجميل مثالية في الخدمات كهرباء وماء ومجاري ونظافة وطرقات ومواصلات واتصالات.. خدمات كاملة متكاملة متواصلة لا تنقطع. الصحة عند أهل عدن كانت (ثقافة) والعلاج مجاني ما كان أهل عدن يعرفون أمراض السكر والقلب والضغط والسرطان وكل بلاوي هذه الزمان. التربية والتعليم كانت مفخرة عدن الحقيقية بصروحها وأُصولها ومناهجها وكوادرها وبمستواها الراقي.. لم يكن في عدن سلاح ولا مخدرات ولا بطالة ولا حشيش ولا سموم ولا كيماويات ولا نفايات ولا رشوة ولا سرقة ولا فساد ولا إختلاسات ولا عمولة ولا اتعاب مثلما تعانيه اليوم .. جيل عدن وشبابها تجدهم في المدارس التعليمية والمعاهد الفنية والأندية الرياضية والمسابقات وفي المكتبات وملتقيات العلم والفن والثقافة والأدب والشعر والمسرح.. وهل سمعتم يوماً عن (مكتبة البلدية) أو ماكانوا يسمونها (مكتبة مسواط).
كانت عدن جميلة بإسمها جميلة بصباياها جميلة بشبابها وبسواعد رجالها كانت عدن جميلة بشروقها وغروبها وجبالها وشواطئها ونسمة رقيقة من بحرها الساحر كانت عدن جميلة. أما سمعنا يومها أحدهم يخاطب عدن : (تزرعين ورد وتين من غير ماء ولا طين) وأحمد قاسم يتغنى (بساحل أبين) وبلفقيه يطيربطائرته (دي جنة الدنيا حواها كل فن) والفنان المصري طول عمره يتمني يزور (جنة عدن ياجنة ....).
الحديث عن تاريخ عدن قبل عام 1967م لا ينتهي .. أما بعد عام 1967م فلها تاريخ آخر. بعد عام 1967م بدأت معاول الهدم تعمل لا تكل ولا تمل حتى شرعوا بالدمار دماء سالت وأرض بارت وبطون جاعت وبلاد ضاعت وما نراهم قد أفلحوا في شيء إلاَ أنهم أضاعوا وطن.. رجال مناضلون أماجد وأشاوس من رجال الحزب الإشتراكي ورموزه الشهيرة ثم رجال (الوحدة) علي صالح ومنظومته الفاسدة ثم بقايا منظومة علي صالح من (شرعية هادي) الفاسدة ومن حولها كل هؤلاء لهم بصمات حمراء دامية مفجعة في تاريخ عدن.. خمسون عاماً ومعاول الهدم لا تتوقف وما تعبوا حتى لم يبقوا من عدن شيء ولا شيء.. لا ميناء ولا مصفاة لا كهرباء ولا ماء ولا مجاري ولا نظافة ولا صحة ولا تعليم ولا رواتب ولا ولا ولا.. غير أنهم أغرقوها بالبطالة والسلاح والمخدرات وكل بلاوي الدنيا. عدن ماتت وكل يوم نراها تموت وحتى اليوم وهي تموت مثلما تموت حمامة ذبحوها بألف سكين.