طُلب مني أن أبدأ فأكتب مقالي الأول بدافع أن التجربة خير معلم ، فكرت طويلاً فيمَ و عمَّ أكتب ؟ هذه مقالتي الأولى فحُق لها أن تتميز بفكرتها ، فجالت الأفكار في رأسي و القضايا و هانت كلها أمام واحدة ألحت و ما كنت متحدثة عن غيرها . جنتنا الفقيرة .. عدن .. تغرق في ظلمات لا عدّ لها و لا حصر ! عدن تستبد بها الكهرباء فتغرق في عتمة الليال الرطبة الحارة ، ثم تأتي مولدات الكهرباء بصريرها المزعج لتغرقها ثانيتا في ضجة مرعبة هي أسوأ من ضجة العربات المتنقلة بالخضار و من يجرها ، و كأن هنالك ما ينقصها لتغرق مرة ثالثة بأكوام من النفايات تفترش شوارعها و حاراتها ! و فبل هذا وذاك عدن تغرق بسيل من البشر ليسوا من أهلها ، غريبةٌ ملامحهم ، قذرةٌ ثيابهم ، سيئةٌ أخلاقهم ، السرقة عقيدتهم ، و المال ربهم إلا قليل ، فباتوا في جنتنا أكثر منّا عدداً ، و أصبحوا يأكلون من ثمارها بغير وجه حق حتى كادت نخيلها و أشجارها تعرى و تيبس ، فكرهتهم و كرهناهم معها لهول ما أحذثوا فيها ، عدن تغرق بظلم الولاة ، عدن تغرق بالفقر بالجهل بالفساد مالاً و أخلاقاً .. بهذا كله و أكثر عدن تغرق . هي تغرق و أهلها جلهم صامتون و قليل ثائرون و بعض قليل آخر مجرمون ، باعها المجرمون و شهد على عهدة البيع الصامتون فثار الثائرون . هي تغرق بذنب مجرميها و قبلهم الصامتون من أهلها ، أولئك المستسلمون ، فبعضهم نائمون و بعض خاضعون راكعون ، و منهم خائفون ، و آخرون مهادنون ، أولئك بالقات يتناسون ، تكيفوا و تعايشوا و قبلوا بصمت تلك الظلمات أو بعبارة أخرى استسلموا للغرق ! فإن هي غرقت فلا تلوموا القدر و لا تلوموا أولئك الغجر و لوموا من استسلم لهما و صمت و ترك الثوار بلا مدد . في مقابل هذا الظلام كله أجد مصابيح قليلة تضئ ، تحرق وقودها لعلنا نرى من أمامنا طريق ، طريق للنجاة ، أرى أشخاصاً ارتضوا التضحية و آثروا الحياة لغيرهم ، فأفنوا أعمارهم ليكون الواحد منهم عموداً يقف عليه الجسر الذي ننتظر أن يحمل بنا نحو مستقبل أفضل ، إلا أنه لا جسر سيشيد و لا مستقبل سيقبل ما لم ينطق الصامتون رفضاً ، فكم من الذل ينقصهم لينطقوا و ينتفضوا ؟!