* الأعزاء الرياضيون في مختلف الأقطار والأمصار ، وأنتم تقرؤون هذه المادة العاطفية يكون الحارس العنكبوت (عادل إسماعيل) على طاولة التشريح في أحدى غرف العمليات بإنجلترا ، تتقاذفه أيادي الأطباء ، وتستقبل (لثته) مشارط الجراحة لإحدى عشرة ساعة كاملة ، ولأن هذا الرجل الذي قست عليه الحياة في وطنه بعيد عن العيون ، وحرمه ذوي القربى من نعمة العيش الكريم في وطن يدعون أنه وطن الإيمان والحكمة ، قررت أن أهدي عشاق ومحبي (عادل إسماعيل) غيض من فيض بطولات وملاحم هذا الحارس العظيم الذي يقف أمام فوهة التاريخ كحارس ماهر لا ينازعه النجومية سوى أستاذه (طارق ربان) ، هيا تأهبوا للرحلة في سماء حارس بساتين البرتقال ، وابتلهوا لله عز وجل أن يعيد لنا (عادل إسماعيل) سليما معافى من محنته المرضية .. * يقاتل بألف ذراع كالاخطبوط ، يرتدي الزي الأسود فيبدو مثل (عنكبوت) عملاق مخيف ومرعب ، طويل مثل نخلة باسقة تحمل على أغصانها رطبا جنبا ، شارب كث ، وشعر (زمبركي) يتلوى على رأسه كشجرة لبلاب ، عينان سوداويتان تشعان بريقا ورعبا .. * مهلا ، أنت بالتأكيد لست أمام أسطورة الكونت (دراكولا) بحرملته السوداء الطويلة ، وأسنانه البارزة ، أنت أمام أسطورة كروية (جنوبية) حية من لحم ودم .. * يقف العنكبوت (عادل إسماعيل) في مرماه ، يعقد ساعديه أمام صدره ، يضبط المقاسات ثم يرفع شعار (لن تمروا) .. * من النادر جدا أن يخترق أي (غازي) مملكة (عادل إسماعيل)، والنادر في عرف اللغة لا حكم له .. * لا أحد يتجرأ ويقتحم منطقة جزاء (عادل إسماعيل) ، من جرب حظه وغامر ، عاد خائبا مكللا بالعار والشنار .. * ينتصب (عادل إسماعيل) في مرماه ملكا ، يبدو على عرش مملكته محاربا مهابا ، يتسلح دائما بقبضته الحديدية ، وسرعة رد الفعل الذي لا يجاريه ولا يدانيه فيها حارس آخر في عصره الذهبي .. * يقف (عادل إسماعيل) بطوله الفارع ، وذراعيه الطويلتين ، وجسمه المكتنز ماردا عملاقا يضبط مقاسات محيطه ، يرتدي حلة (عنكبوت) سام ، و ممنوع المرور عبر قناته ولو على جثته .. * يقولون إن حارس المرمى البارع يمثل نصف فريقه ، هذه مقولة نسفها (عادل إسماعيل) و ألقاها في اليم ، هذا لأنه قدم الدليل الإستثنائي على أنه يمثل ثلاثة أرباع فريقه .. * لا تتعجبوا ، فكرة القدم العالمية أنجبت قلة من حراس المرمى الذين تعاطوا مع الحقيقة السابقة ، من بينهم الروسي (ليف ياشين) و الانجليزي (غوردن بانكس) و الألماني (سيب ماير) ، يمكنك أن تضيف إلى القائمة بعضا من حراس العرب ، بينهم من دون شك الكويتي (أحمد الطرابلسي) والمغربي (بادو الزاكي) و الجنوبي (عادل إسماعيل) .. * عندما غادر نخبة من لاعبي (شمسان) ملاعب الكرة تحت تأثير السن ، ورث (عادل إسماعيل) فريقا شابا لم يتمرس بعد على أنسجة التنافس ، لم يكن هناك في فضاء الخبرة و النجومية سوى البارع (جميل سيف) .. * موسم 80 - 81 كان موسم (جميل سيف وعادل إسماعيل) بلا منازع ، قبل كل مباراة في ذلك الموسم الصعب يمسك (عادل اسماعيل) بكتف زميله (جميل سيف) قائلا : سجلوا فقط هدفا واحدا في كل مباراة ، ودعوا الأمر لي ، تلك مهمتي .. * مع احترامي لجميع لاعبي (شمسان) ، فقد كان الفريق في ذلك الموسم يتألف من (عادل إسماعيل) في الخلف ، و (جميل سيف) في الأمام ، الأول يسيج سورا عظيما أمام مرماه لا يصله الغزاة المهاجمون، والثاني يحوم كالفراشة ويلسع كالنحلة .. * يستخدم (جميل سيف) كل حواسه وقدراته المدهشة ليسجل في مرمى الخصوم ، ثم يترك مهمة الحرب الكروية لزميله (عادل إسماعيل) .. * سجل فريق (شمسان) أقل نسبة من الأهداف ، لكنه فاز في نهاية المطاف ببطولة الدوري ، بعد أن انتزعها من (الوحدة) ، هذا لأن شباك العملاق (عادل اسماعيل) لم تهتز إلا في مناسبات قليلة جدا .. * يعرف الحارس العنكبوت (عادل إسماعيل) كيف يسيطر على أجواء منطقة الجزاء ، يشعر المهاجمون عند مواجهته أنهم أمام (متاهة) الداخل فيها مفقود ، والخارج منها مولود .. * من عاصره وواجهه ولعب أمامه اندهش من نسبة تركيزه العالية ، ومن سرعة رد فعله ، يبدو كما لو أنه من يتحكم في هرمون (الأدرينالين) ، لا شك أن لهذا العملاق حاسة سادسة ميزته عن سائر الحارس ، وما أكثرهم في عصره الذهبي ، يمتلك خفة قط ، ورشاقة غزال ، وجسارة أسد هصور ، وحكمة فيل ، وذكاء ثعلب ، كان المهاجمون يهابونه ، ويعملون له مليون حساب ، لقد قلب (عادل إسماعيل) مفاهيم الكرة تماما ، بات هو من يهدد المهاجمين وليس العكس ، و يا لها من مفارقة عجيبة ومدهشة .. * ورث نمطية الوثب العالي في منطقة الجزاء من الأخطبوط (طارق ربان) ، أجمل ما في (عادل) أنه خبير في التوازن الحركي ، لديه مخزون من ليونية جسدية ممزوجة برشاقة مذهلة، يتمطى ويتمدد في مرماه فيبدو مثل وحش ينام في جفن الردى .. * كتب (عادل إسماعيل) مع منتخب (اليمن الجنوبي) الكثير من الملاحم الخالدة ، ذات صيف تساوى في كفة المقارنات مع الحارسين (أحمد الطرابلسي) الكويتي ، و (رعد حمودي) العراقي ، نال في تصفيات أولمبياد موسكو أعلى درجة تنقيط من طرف النقاد والفنيين ، كتبوا عنه الكثير ، وقالوا عنه : إنه بنى حول مرماه سدا من زبر الحديد وأفرغ عليه قطرا .. * اتخذ منه الكابتن (علي محسن مريسي) مدرب منتخبنا درعا واقيا يحتمي به المنتخب في الملمات الصعبة ، كان يحارب دوليا بالرماح والسهام والقلاع والسيف المسلول وكأنه ينتمي لجسارة بطل إغريقي لا يسكن غير في ملاحم و إلياذات التاريخ .. * يبسط (عادل) ذراعيه الطويلتين كعقاب ضخم ، يضع عينيه في عيني أي مهاجم فترتعد فرائص المهاجم ، فيبتعد عن شر الحارس العنكبوت مع فاصل من الغناء .. * ترك (عادل إسماعيل) خلف ظهره حضارة في حراسة المرمى ، وفتح بتاريخه مع الحراسة جامعات ومدارس ، لكن مشكلة (عادل) أنه جوهرة في بلاد العميان ، لو كان لنا دولة تكرم الأبطال والمبدعين كان وضعت ثمثالا مذهبا للحارس (عادل إسماعيل) أمام بوابة دخول (عدن) .. * بخلت الدولة على (عادل) بوظيفة محترمة يأكل منها بعرق جبينه ، واستكثرت فيه منصبا يعلم من خلاله الأجيال مفاهيم حراسة المرمى ، رماه اتحاد الكرة في سلة المهملات ، وترك الجمل بما حمل لبطل العالم في النفاق (حميد شيباني) عدو نجوم الكرة الجنوبية رقم واحد ، تنكرت دولة (الوحدة) للحارس الكبير (عادل إسماعيل)، استخسروا فيه وظيفة أو منصبا في وزارة الرياضة التي باتت نسخة من مجلس شؤون القبائل، فهاجر إلى بريطانيا مرغما ومحملا بأثقال بلد ذاد عنها وحمى عرينها و عرضها فكافأته بالطرد والنفي والعزلة ، لك الله يا كابتن (عادل)..!