يقال إن الحب اختيار والكراهية اختيار أيضا، و كلا منهما شعور ينبعث من ذات النفس البشرية، فالحب خيرا للامة والكراهية شرها المستطير ,ومن منا لم يكره، لكن أن تتحول الكراهية إلى شعور عام تجاه ناس تشاركنا الأرض والهواء، شركاء في الحياة هنا الخطر . الكراهية كثقافة تقضي على التعايش , هي احدى علامات البؤس الإنساني بكل تجلياته.
الكراهية صناعة، والتحريض على الكراهية جريمة بحق الإنسانية, لهدف تعطيل أي مشروع يوحد الامة ويلملم شتاتها ويرص صفوفها , نحو مشروع وطني جامع , الكراهية هي إطلاق الأحكام المسبقة أو الأوصاف المهينة هو تعصب يراد به زرع الفرقة لصناعة مسببات لتناحر فئات المجتمع ، هي نوع من أنواع العنصرية التي من الممكن أن تتسبب في تدمير البشر وخلخلة البنية الاجتماعية وخلق واقع مسمم بمزيد من الأمراض الفتاكة.
تجربتنا لأكثر من ربع قرن من التحرر من الاستعمار والإمامة , مسيرتنا نضال امتزجت فيها الدماء اليمنية وتلاحمت الصفوف الثورية لتشكل وحدة المصير والهدف, وحدة الروح النضالية المتأصلة في وجدان أوائل الثوار الذين أشعلوا الشرارة الأولى للثورة، لا وجود للكراهية بين صفوفهم .
وجدت الكراهية بعد انتصار الثورة , عندما تسلط على الامة الاستبداد الديني والسياسي والايدلوجي , لتبرز ثقافة الكراهية من صنع الانظمة ، ونتاج لسياسة قذرة وممارسات طائشة خلقت غبنا وقهرا واضطهاد ولد كراهية.
كراهية قتلت كل شيء جميل فينا , فقدنا المشروع القومي والوحدة العربية , وكل بادرة امل في وحدة الامة , لتنتج مشاريع صغيرة طائفية مناطقية , في حدود جغرافيا او ايدلوجيا , تخص جماعات وافراد لا امة وشعب , مشاريع تمزق وتشتت النسيج الاجتماعي وتقبح فسيفسائه الجميلة , حيث ينظر للاختلاف جريمة والمختلف نشاز , بل تطورت الحالة , للسعي لاجتثاث كل مختلف وراي مخالف .
مشاريع مجربة شمولية , هي ازمتنا ومنتجه لصراعاتنا والفتن , هي احلام وطموحات الكارهون وفرصة لانتقامهم من الخصوم , هي استمرار لدائرة الفشل والاخفاق , ستبقى تراود البعض في ظل الكراهية .
مخارجنا وحلولنا تكمن في تجاوز الكراهية , لننتقل إلى واقع طاهر يشع فيه نور المحبة فتكون نبراسا يضيء حياتنا لنرى بوضوح مشروع الامة الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة و وطن يستوعب كل ابنائه بكل اطيافهم ومشارفهم والوانهم .
ما أمسنا اليوم للمحبة والتآخي، سواء كنا تحت مظلة اليمن الموحد أو الفدرالي أم يمنين، فبالكراهية لن نتعايش ونحن على أرض واحدة وتضاريس واحدة، وإن وجدت حدود سياسية هي خطوط وهمية من صنع البشر ولا وجود لها في الأصل، لكننا نظل أمة واحدة ومصالحنا متقاربة ونكمل بعضنا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، لا يستطيع احدا ان ينكر الروابط الاجتماعية التي تشكلت والمصالح المشتركة , التكامل الاقتصادي , والتنوع البيولوجي والمناخي الذي يجعل اليمن سلة غذائية واحدة تنتج على طول العام وكتلة اقتصادية زاخرة بالخيرات, عطلتها الكراهية .
وبينما تتصاعد حدة الاعمال القتالية لتحرير الارض وهزيمة الانقلاب ، وتلوح بوادر النصر في الافق , وامال انفراج سياسي , تبرز الكراهية كمعيق ومعكر صفو كل ذلك , في الشك والريبة , والتوجس من الاخر , والنصر الذي يجب ان يكون لطرف دون اخر , وتحاك المؤامرات في ما بعد النصر واقصاء واجتثاث الاخر من المشهد .
بالكراهية يغلب التفكير الاناني , في رسم خارطة نفوذ تخدم مصالح الكارهون , في السيطرة والسطوة على البلد والمناطق المحررة , ليفرض الكارهون انفسهم طغاة ومستبدين ومنتقمين , يعودوا بنا لنقطة الصفر , وجولة جديده من الاستبداد والغبن والاضطهاد والماسي , لتشكل زوابع من الصراعات , بل الحروب الذي يهزم فيها المنتصر وينتصر المهزوم , لتتاح الفرصة للخارج التدخل , ونفقد السيادة والإرادة , هو واقعنا اليوم من الضياع والانهاك الذي جعلنا صيدا سهل للأعداء , فاقدين القدرة على تجاوز الازمات , بالكراهية تضيع المشاريع الوطنية الجامعة , لنقتسم لمجموعة من المشاريع الصغيرة الضيقة , ونفقد وطن .