ما أبرز وسائل المناورة لدى الحوثيين؟ تقرير/ صالح المحوري
ذهب وفد الحوثيين إلى العاصمة السويديةستوكهولم برفقة مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث للبدء في محادثات سلام مرتقبة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا المدعومة من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية من جهة، والحوثيين الذين يتلقون الدعم من إيران.
وفي سبتمبر الفائت لم تعقد محادثات السلام المرتقبة بعد أن تعثرت شروط بناء الثقة، كما أن غياب الحوثيين ورفضهم مغادرة صنعاء حينها إلا بإجلاء جرحاهم وبعض المرافقين أفشل عملية السلام المرتقبة، بالإضافة إلى تواصل الحشد العسكري والمظاهر القتالية من الطرفين عند ميناء الحديدة. وبدا أن الغرب مارس ضغوطه المعتادة للضغط المزدوج على وكلاء الحرب في اليمن، السعودية وإيران لوقف التصعيد العسكري من طرفي حلفائهما، في سياق مقاربة دولية تتعلق أساساً بتخفيف العقوبات المفترضة على السعودية جراء تورطها المتوقع في قضية الصحافي جمال خاشقجي الذي كان قتل داخل قنصلية بلاده في الثاني من أكتوبر الفائت، على أن تتحصل إيران على بعض التخفيضات في العقوبات الأمريكية على نشاطاتها الاقتصادية والعسكرية، لكن في المدى البعيد ستكسب إيران من الضغط على الحوثيين للذهاب إلى السويد لأن ذلك سيعني أن الجماعة الشيعية ستحافظ على نفوذها في مناطق سيطرتها ما قد يسبب الكثير من المتاعب للملكة السعودية.
ملف الأسرى والمعتقلين
تضع الأممالمتحدة ملف الأسرى والمعتقلين كأحد شروط بناء الثقة التي ألزمت طرفي الصراع أن يلتزما بها، وبالتالي فإن الحوثيين يملكون أسرى بارزين من طرف الحكومة اليمنية وإن أطلق سراح اللواء محمود الصبيحي، واللواء ناصر منصور، والعميد فصيل رجب يمكن القول إن المحادثات هذه المرة جدية أكثر من سابقاتها، لأنه في النسخ الثلاث الفائتة كان الطرفان ومعهما المبعوث الأممي يناقشان هذا الملف في الجلسات التي كان من المفترض أن تخصص للنقاش حول الرؤية العامة لإطار الحل السلمي. لن يطلق الحوثيون الشخصيات الثلاث البارزة، إلا إذا تلقوا ضمانات بأن التصعيد العسكري في الحديدة سيتوقف، ومن هنا يتضح أن شروط بناء الثقة تتعلق كل واحدة منها بالأخرى، لأن الحكومة اليمنية والتحالف تناور بورقة الميناء والضغط على مشارفه لكنها تعي جيداً أن الغرب يمانع في الحسم العسكري الحديدة، وبالمقابل يناور الحوثيون بورقة المعتقلين التي قد لا تضاهي ورقة الميناء لكنها من المؤكد أن تضع حكومة هادي في موقف صعب بعض الشيء بما أن الرجال الثلاثة بارزون في فريقه من بينهم شقيقه ناصر. وتتضمن الصفقة الأولى تبادلاً شاملاً لأعداد من الأسرى والمعتقلين من الدرجة الثانية لكن الصفقة الكبيرة التي تقتضي إطلاق سراح الصبيحي وناصر ورجب لن تتم إلا بعد أن يعرف الحوثيون ما هو المقابل الذي ستقدمه حكومة هادي من جانب التنازلات أو بالأحرى، تتطلب صفقة إطلاق الثلاثة العسكريين الكبار وعوداً أممية بأن تتوقف الحشود العسكرية عند ميناء الحديدة. ما هو صحيح أن ملف المعتقلين لا يتعلق فقط بالصبيحي ورجب ومنصور لكن هؤلاء الثلاثة يشكلون المحك والاختبار لنجاحها من الفشل، لأنه فيما إذا أطق سراح الثلاثة بالفعل فإن الحوثيين سيخسرون كثيراً والمتوقع ألا يبادروا بذلك إلا بعد أن يختبروا جدية الحكومة الشرعية في تنفيذ التزاماتها، غير أن الأمر يتعلق بشكل رئيسي بالغرب ووسائل الضغط التي يمارسها على السعودية لأن تقدم تنازلات بغية تمرير أخطائها في قضية خاشقجي، ومقتل المدنيين بطائراتها الحربية. ومع أن قرار هادي لما عين المقدشي بديلاً للصبيحي كان يصب في إطار نزع هذه الورقة من الحوثيين بحكم المنصب الرفيع الذي كان يتولاه الصبيحي ولم يبُعد منه حتى بعد أن كان في الأسر، لكن الاحتمالات لذلك القرار تتجاوز محاولة هادي نزع أهمية هذه الورقة وقطع الطريق على الحوثيين لكي لا يستفيدوا من المناورة بها، إلا أن الاحتمال الأخير يخدم أيضاً المقاربة الإيجابية حول إجراءات بناء الثقة في ملف المعتقلين ويمكن أن يمثل ذلك صفقة تقتضي إطلاق الصبيحي من جانب الحوثيين على ألا يتسلم منصباً عسكرياً أو يعود لمنصبه وهذا إن كان صحيحاً بالفعل فهو قرار مرحلي ونتائجه والتوافق عليه لن يستمرا طويلا.
تضغط الولاياتالمتحدة والغرب منذ فترة ليست قريبة، لوقف تقدم القوات اليمنية المحلية المدعومة من الإمارات صوب ميناء الحديدة وإذا كانت الأسباب التي يضعها الغرب وراء عدم جواز الحسم العسكري، تتعلق بالمأساة الإنسانية والأزمة المحتملة في حالة اشتداد القتال للسيطرة على المدينة فأن للأمر أبعادا كثيرة. واشنطن والغرب يتخذان من الحديدة معياراً واقعياً للتعامل مع الإستراتيجية داخل اليمنوصنعاء إلى جانب الجديدة، ظلت المدينتان اللتان تمثلان رمزية سياسية وعسكرية لبقاء دولة الحوثيين، فصنعاء مركز السياسة الإدارية والحديدة هي التي تدعم بقاء الحوثيين في صنعاء، بل في الحرب بأكملها لأنها مدينة الميناء الواقع عبر البحر الأحمر والذي تمر عبره شحنات الدعم من حلفائها، والتي تتضمن أسلحة وقطع غيار الصواريخ، كما أن الحديدة تمثل مصدر دخل ثري للحوثيين ومقاتليهم، ففي الميناء تأتي المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية. الغرب لا يريد للحديدة أن تسقط لأن هذا يجعل ساحة المملكة من المخاطر في اليمن منخفضة وهو ما لا يتوافق مع سياسة الأمن القومي التي تشجع على توازن القوى داخل حرب اليمن بما يساعد على إنهاك القوى وهذا يخدم أموراً كثيرة من بينها ضرب السعودية وإدخالها في حروب واسعة ما يدفعها للإقبال على شراء المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية وهو ما يضخ المليارات من الدولارات للخزينة الأمريكية والأوروبية. وبالمقابل فهو يشغل السعودية وإيران في معاركهما التي يخوضها وكلاؤهما لكن إيران ليست في وارد المقارنة مع خسائر السعودية في اليمن، فهي تمرر الدعم لوكلائها المحليين الحوثيين، لكنها لا تتدخل بشكل مباشر كما تفعل السعودية وهذا خدمها كثيرا وساعدها على توجيه ضربات كثيرة للسعودية في جبهات التنافس الأخرى بينهما، مثل لبنان والعراق وسوريا. التوقف عند الحديدة هو نقطة بناء الثقة التي تسعى الأممالمتحدة لأن يتوافق فريقا الصراع عليها وسيكون الشكل المتوافق عليه انعكاساً للتفاهمات في ملف الأسرى والمعتقلين. ولكن يتضح أن ملف الميناء يرتبط أساساً بنجاح النقطة الأولى من إجراءات بناء الثقة والتي أن نجحت فإنها ستعطي تحفيزاً للعمل على تفاهمات بشأن ميناء الحديدة. غير أنه في أشد الحالات سوءاً ليس من المتوقع أن يتم التوافق على تسليم ميناء الحديدة حتى وإن خاطر الحوثيون بإطلاق سراح الصبيحي ورفاقه، وإذا كان الحوثيون بالفعل يجاهدون للبقاء في الحديدة التي تعتبر مسألة مهمة لهم كونها تخدم مشروع السيطرة الحوثية بما أنها تمثل نافذة بحرية مهمة ستعزز موقع الجماعة كثيراً في المستقبل، لكن في اسوأ الحالات سيوافق الحوثيون على أن تستلم الأممالمتحدةالحديدة وبذلك تبقى المدينة منطقة خضراء لا يقترب منها طرفا القتال في اليمن. بيد أن الغرب من جانب آخر هم أكثر من يرفض أن تصبح الحديدة بيد قوات الحكومة المدعومة من التحالف الخليجي، لأن هذا سيمنحه قوة تحكم ستحد من قوة الحوثيين ما يعني أن إستراتيجية الغرب في إشغال إيران والسعودية ستنخفض وهذا سيؤثر على مبيعات السلاح، وقبل ذلك لا تؤيد القوى الكبرى سقوط الحديدة بيد القوات اليمنية المحلية لأن ذلك سيضرب معادلة توازن القوى في اليمن، كما أن الجانب الإنساني يحضر بقوة ولهذا تذهب الأممالمتحدة في الغالب إلى دعم خيار تحييد الحديدة عن منطقة الصراع اليمني.
من بين نقاط بناء الثقة لمحادثات السلام اليمنية يبرز الحديث عن مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين، لكنه المطار المغلق الذي يسعى الحوثيون بمساعدة أممية لإعادة فتحه لاستقبال المساعدات الإغاثية والإنسانية. يبحث الحوثيون عن بديل مفترض لميناء الحديدة الذي من المحتمل أن تذهب إدارته للأمم المتحدة، وهنا يسعى الحوثيون لتقديم تنازلات في ملف المعتقلين والإفراج عنهم وهي صفقة ليست متوازنة مع الحكومة المعترف بها دوليا، لكن الحوثيين سيساومون عليها بمسألة فتح مطار صنعاء. وهذا إن حدث وتم التوافق بشأنه فسيطلب التحالف الخليجي من الأممالمتحدة مراقبة الطائرات القادمة إلى المطار لكن في الحالة العامة سيفلت الحوثيون من الرقابة وستمكنهم إعادة فتح المطار من تلقي الدعم الذي كان يُمرر عبر ميناء الحديدة.
نقاط بناء الثقة التي تمثل المصدر الأساسي لبدء محادثات سلام فعلية بين طرفي القتال في اليمن، تمثل بروفة جيدة الإعداد لما يمكن أن يتم العمل عليه فيما بعد. وفيما إذا مضى الطرفان في عمليات تفاهم شاملة في ملفات المعتقلين ووقف القتال في الحديدة، وفتح مطار صنعاء، سيمثل هذا محفزاً بالغ الأهمية للمضي قدماً نحو هدنة شاملة ووقف العمليات القتالية في مناطق التماس بين الطرفين. ولكن يعتمد هذا على تكافؤ حسابات الربح والخسارة بين الطرفين والذي إن حدث سيذهب كل منهما للخطوة القادمة متسلحاً بما يرى أنه نصر ولكن بالمقابل ستكشف محادثات السلام اليمنية كثيرا عن إستراتيجية الغرب في الملف اليمني. فمن المنتظر أن تضغط أمريكا على حليفتها السعودية لوقف التصعيد القتالي، ولتضغط على الحكومة اليمنية بغية تقديم بعض التنازلات في ما يخص ملف مدينة وميناء الحديدة، بما قد يساعدها لأن تفلت من المساءلة القانونية بما يخص قضية الصحافي جمال خاشقجي. كما أنهُ من المنتظر أن يضغط الأوربيون على حليفتهم في الاتفاق النووي لممارسة ضغوطها على الحوثيين بما يدعم التزامها ببنود الاتفاق النووي الذي ينص على أن تتوقف إيران عن دعم وكلائها بالسلاح والمال.