بلغ الناس حالة من التشبع الممل سياسياً أستوعب أهل العقول تجار الكلام وحرب الإعلام المفسبك في عالم التخاطب المجهول في البحر القاموس مترامي الأطراف الذي لم نجد له بداية فأيقنا بأن لا نهاية له فلم نجد في خضم هذا المحيط حياة ولا أحياء وكأنه البحر الميت قد تمددت أطرافه لا سمك نصطاده فيطعمنا ولا لؤلؤ ومرجان يزيننا ولا مراكب تمخر عبابه غير مركبنا الذي أنهكت أمواجه هيكل سفينتنا فطوينا الشراع على أمل أن تنقشع الغيوم فنرى نجم الهدى لنحدد مسيرتنا بعدما أصاب العطب بوصلة سفينتنا ولعل الرياح العاصفة تهدا فننشر شراعنا ونرفع سلسلة مرساة السفينة . ذاك يصرخ من رأس السفينة الطريق من هنا وأخر من ذيل السفينة أديروا الدفة إلى الخلف فقد التمست طريق نجاتنا ومن الميمنة يصرخ نوتي عجوز البر على ميمنتكم ومن المسيرة يجلجل صوت شابٌ لقد رأيت نور فنار فأنزلوا المجاديف فالبر على بُعد أيام من موقع سفينتنا . وربان السفينة مسجيٌ فوق ليحان غسل الموتى يغسله موج البحر ونقطع وقد تفرق الناس بين من يقول نكفنه بعلم دولتنا وأخر يقسم بأن يُكفن بعلم ثوروتنا . يتنازع المتنازعون بما يُكفن ربان سفينتنا ليلقى به في غياهب البحر لا لحدٌ يضمه ولا يغطيه ثراء فيصرخ صارخ قطعوا ثيابه وانسجوا له كفنَ . فبرطناه بسلسة وقطعة حديد وضعناها في نهاية السلسة لتسحبه إلى الأعماق لكي لا يطفوا على سطح البحر فتنكشف جريمتنا بأننا قتلنا رباننا حين تباينا . وهدأت العاصفة ولكن السُحب مازالت تمطرنا بلا رعدٌ ولا برقٌ أنهكتنا المياه على سطح سفينتنا عملنا على تفريغ الماء بدلوٍ مثقوبة فكسرنا الواح السفينة العليا لينساب الماء إلى البحر ورمينا كل حمولتنا ليخف وزن السفينة لكي لا تغرق . خارت قوانا فأستلقينا على متن السفينة على أظهرنا . لا حول لنا ولا قوة . وبقيت تتحرك السُن تجار الكلام يحدثونا عن ثقافة غير ثقافتنا وعن سلك طريقٌ نبيعُ فيه كرامتنا وننقض فيه عهود من ضحى بنفسه من أجل عزتنا . تلك السفينةُ التي حشرنا فيها أطفالنا ونسوتنا وبقرتنا الحلوب ومعزتنا وحتى دجاجتنا البياضة لم ننسى نأخذها وفي قُنها فأرٌ يُنخر سفينتنا ونحن نسل سيوفنا ونتشاحن بنادقنا عن من يكون القائد لسفينتنا وعن الطريق الذي تسلكه ذات الدُسر لكي ترسي على سفح جبل شمسان سفينتنا . منهكين القوى لم نعد نأبئ بمن يصرخ أو ينشر شراع سفينتنا ومن يمتطي منصة القيادة ليُقبض عود الدفة . حين علمنا أن الحال فيها ليس لنا به من الأمر شيء وأننا كلن يدعي لربيبه ليكون لنا ربَ . خارت قوانا وألتجمت أفواهنا وتوترت أعصابنا وفقد بعضنا بعضَ عندما أشعل عامل القاعة مصابيح النور فعلمنا حينها أننا كُنا في قاعةٌ مظلمة نشاهد فيلم رُعبٌ لم ندرك نهايته ولا نعلم من الذي فني فيه ومن بقي حيا . وخرجنا إلى الحياة ونحن نتجادل عن البطل أذلك الذي مات والقيناه في اليمَ أم ذلك الذي تسلق على ظهورنا حين خارت قوانا . أم هو الفأر الذي ما زال يقرض سفينتنا . تجار الكلام وحرب الإعلام أنهكونا وفي غرفة مظلمة يجلدونا ويرسمون من دمائنا لوحة صماء .