بقلم: بسام سعيد دحي سيُكتَب أن فيلم 10 أيام قبل الزفّة للمخرج العدني عمرو جمال لحظة فارقة في تاريخ السينما في جنوب الجزيرة العربية. لكن الراهن يدعوني لتسليط الضوء على الإشارات الذكية الذي تمتليء بها تضاعيف الفيلم. التقطتُ منها ثلاث إشارات تطرح نفسها كحلول ناجزة لحالة التنمية المستعصية والحروب المستدامة والتطرف المستطير وهي: المرأة، التعليم، والموسيقى. كان عدّاد الأيام لموعد الزفّة الذي يظهر تباعاً في الفيلم، يعمل عمل مقياس الضغط للمشاهد، يرتفع كلما تقدّمت الأيام ويتلاشى حلم الزفّة. وتلك لعبة تشويقية أجادها المخرج عمرو جمال ورفاقه. وبالمناسبة، هكذا تكون السينما أو لا تكون، فهي فن للتسلية والتشويق أولاً لا منبر وعظي رسالي! تخلّى البطل عن حبيبته بحجّة (ما اشتي ابهدلك معاي أكثر) وأصبح زواجهما مستحيل. اما أبوها فهو يفاوض، الآن، مع رجل آخر على ابنته التي يتم تجهيزها بالزينة في الغرفة المجاورة. عقلي الذكوري قال: ربما يفعل اخوها شيئا أو لابد أن يفعل شيء! كنتُ انتظر صوت رجولي كما يحدث عادة في الدراما المصرية يقول: الجوازة دي مش ح تم يعني مش ح تم! كانت الأبواب موصدة في وجه المشاهد لكن الحل جاء من البطلة (المرأة) ومن الشبّاك لا من الأبواب! هذه المرأة كانت أكثر أخلاقاً من أخيها المشارِك في صفقة بيعها لتاجر مخدرات. هذا الاخ نفسه كان يوبخّها دائما لتبرجها وعدم لبسها النقاب. إشارة أخرى نلمحها: التعليم هو حل آخر مشترك مع ضرورة "تأنيث" حياتنا. للبطل أخ ترك التعليم والتحق بمعسكر لأن الشهادات العلمية (ما توكل عيش). هذه الحالة استوطنت نفوس الشباب وأصبحت قارّة في عقول الكثير منهم وهي لا أقول من مخرجات الحرب بل من مدخلاته وهي ليست احد تفريعات الهزيمة بل أم الهزائم وجذرها. في مشهد لافت، يعرض أخو البطل بيع سلاحه كي يساعده في تكاليف زواجه! يدرك البطل لحظتها أوجه قصور هذه العاطفة الجياشة من أخيه غير المتعلم والتي دعته لبيع ملكية عامة ليست له، فيدعوه لارجاع السلاح للمعسكر واكمال دراسته وتعليمه. الموسيقى هي الحل أيضاً! قامت أغاني أحمد قاسم وموسيقاه مقام الرئة والتنهيدات في كل محطات الفيلم. كانت تمنح الأكسجين للمشاهد في صعوده (أو هبوطه) نحو الزفّة المرتَقبة. أضفت أغاني قاسم مسحة فخامة لعدن وتذكرة انها مدينة عربية ليست عادية بل من حواضرها الكبرى. الصوت والموسيقى يمنحان الامل رغم بؤس المنظر. صوت يقول أن عدن تنام أو تدخل في غيبوبة لكن لا تموت وأنها ستصحو على مهرجان وزفّة يصنعها عمرو جمال ورفاقه.