في قريتها المتواضعة على سفح الجبل لم يبدي أحدٌ قط الإعجاب بها أو يلقي على مسامعها كلام يشعرها بأنوثتها وأنها فتاة مرغوبة، وقد وصلت إلى سن يعد في عرف قريتها أنها أصبحت عانس لا أحد يرغب في الزواج منها إلا رجل أرمل يكمل معها ما تبقي من العمر، وهي كلما أختلت بنفسها تتذكر قريناتها من بنات القرية التي رافقتهن الطفولة جميعهن أصبحن أمهات إلا هي لم يطرق الزواج بابها وهي ما زالت بنت الخامسة والعشرين لكنها في عرف قريتها أصبحت عانس غير مرغوب في الزواج منها ، وهي تحاول أن تنسى الواقع التي تعيش فيه تغرق نفسها بالأعمال المنزلية وفي فلاحة أرضهم وكلما التقت ببعض نساء الحي ذكرهن بواقعها المحزن كما هو في عرف قريتها أنها عانس ..عانس: عادة ما فيش عريس جاء لك وهي تتهرب من الإجابة بعبارات فضفاضة: ب يقع خير .. انشاء الله قريب ب تسمعوا أخبار حلوة ألم بجدتها ألم فكانت إلى جوار جدتها مرافقة لها مع أخيها , يدخلان الجدة غرفة الطبيب وهي تسند جدتها العجوز المريضة وترفع قدميها كي تمتد على سرير الكشف ومن داخل غرفة المعاينة في المشفى يرقبها الطبيب بعيني اعجاب وهو الذي لم يقتنع بأكثر من عروس تقدمهن والدته وتعرضهن عليه لكن هذه الفتاة الريفية بتواضعها وبساطتها تلهب مشاعرة وتفجر عواطفه ينهض من كرسيه وهو يحاول طمأنة الفتاة وأخيها على صحة جدتها: لا تقلقوا على خير وهذه من عوارض الشيخوخة وعيناه تترقب تصرفات وتحركات الفتاة التي كان أملها في الزواج حلم تبخر بمرور الوقت وعلى غير موعد تتراقص الأحلام في وجهها عندما يعلن الطبيب الشاب عن رغبته في الزواج وهو يفاتح أخاها في الموضوع: أود أن أزوركم .. ولي طلب عندكم أتمنى أن لا تردوني خائب فهم الأخ ما كان يلمح إليه الطبيب يرد عليه ويشعره بالموافقة المبدئية: نتشرف بزيارتك يا دكتور .. وان شاء الله طلبك مجاب ما زالت الفتاة منهمكة بتجهيز الجدة لمغادرة المشفى ولا تدري أن بارقة أمل قد أطلت على حياتها ستغيرها رأساً على عقب يحضر الطبيب مع والده إلى منزل الفتاة ليتقدم رسمياً لطلبها للزواج ولم تمر سوى لحظات حتى يتفقان على جميع أمور الزواج ويعلن للقرية زواج الفتاة التي فاتها قطار الزواج وتعيش القرية ونسائها في حالة دهشة وتعجب ولسان حالهن يقول: ما أسعد حظ الفتاة ستتزوج إلى المدينة وتترك القرية ولن تقوم بالأعمال المعتادة من الرعي وفلاحة الأرض وجلب الماء من البئر وفي موكب زوج الفتاة ونساء القرية حاضرات لتوديعها تتمتم بعضهن: لقد ضحك لها القدر .. فبعد أن كانت اتعس فتيات القرية أصبحت أسعد فتيات القرية فقد تزوجت من طبيب القرية الذي سيأخذها للعيش في المدينة و ستحظى بالراحة هناك تجيب الأخرى : هذا نصيب .. وكل فتاة تأخذ نصيبها تصعد العروس إلى جوار عريسها ونساء القرية محيطات بالسيارة المغادرة نحو المدينة ، والفتاة في حالة من الزهو والفخر فلن ترمقها بعد اليوم عين مشفقة على حالها البائس ونصيبها المتعثر ولن تسمع همسات تجرح مشاعرها عن تأخر زواجها. تنطلق السيارة وزغاريد الحاضرات ترج المكان وضجيج الأعيرة النارية المنطلقة في الفضاء تملأ القرية والقرى المجاورة صدى تعلم الجميع أن الفتاة لم تعد عانس بل هي أسعد فتيات القرية وأوفرهن حظا