إنها تلك الدور القديمة , بتاريخها المتجذر وبعمرانها الأصيل وبجمالها المتربع والانيق, لعل هذا الدار, دار بني جهم التاريخي في قرية القرضي هو أحد هذه الدور التاريخية الجحافية الخير شاهدة على تاريخ عظيم لجبلنا الشامخ ولمجدنا الراسخ المسمى جحاف. هذه الدور القديمة التي تتميز بنكهة اخرى ورائحة أخرى ومشاعر أخرى تجتاحك فجأة وانت تتجول بداخلها وبين اوساطها , حيث تشعر بالعظمة وانت تتجول بين هذه الدور القديمة وتلمس بيديك جدرانها الاصيلة وتشتم عبق رائحة أحجارها العطرة والقوية, لتصل بعد ذلك الى تلك الابواب الخشبية العتيقة, تلك الابواب الصلبة بجودتها, والأنيقة بتصميمها ومظهرها , والتي تشعر وانت تلامسها وتطيل النظر إليها بفخر الانتماء لأولئك الاجداد العظماء الذين صنعوا هذا الأنموذج الخالد في مجدهم العريق وتاريخهم التليد .. واما عن غرف هذه الدور المكسوة بالطين, فحين تدخلها وتشتم عبقها, تجتاحك السكينة والأمان فجأة وتجتاحك كميات هائلة من الحنين, الحنين إلى ماضي لم تكن فيه موجودا, ولم تكن فيه شاهدا او شهيدا .. حيث تشعر وانت تلامس جدران تلك الغرف الطينية, بانك تعرفها جيدا ومنذ زمن بعيد, رغم انك لم تعرفها ابدا, وكذلك تشعر وكأنك قد أقمت وسكنت في هذه الغرف طويلا من الايام, وتشعر ان لك فيها ذكريات كثيرة, رغم انك لم تقم فيها يوما ولم يكن لك فيها اي ذكريات تعرفها, لتساءل نفسك بعد كل ذلك وتقول, كيف لنا ان نحن لأشياء لم نعاصرها ولم نعشها كيف نحن لهذه الدور ولم نسكنها وكيف نحن لأجداد واشخاص سكنوا هذه الدور ولم نعرفهم .., واما عن غرف هذه الدور القديمة المضمدة بالطين, فلم يختر اجدادنا عن عبث الطين لتضميد جدران تلك الغرف, فالطين له أهمية كبيرة وفائدة عظيمة بحسب ما قاله لي احد الاجداد الاحياء فهو مريح جدا حيث يجعل اجواء الغرف باردة في الصيف ودافئة في الشتاء ,, إنك لتشعر بجمال آخر وشعور من العظمة والمجد يجتاحك وانت تقف بين هذه الأطلال الشامخة بمجدها وبعظمتها وصلابتها , ذكريات لأجداد اقاموا في هذه الدور وسكنوا هنا, ولطالما احتضنتهم هذه الدور وآوتهم وكانت لهم ولعائلاتهم الملجأ والمأوى والطمأنينة الأمان, وحتى في بناءهم لهذه الدور فلطالما تعمدوا بناء هذه الدور على قلاع شامخة او حصون مرتفعة , وحين سالت احد اجدادنا الاحياء عن سبب ذلك , أجاب بانهم كانوا قلة وانهم تعمدوا بناء هذه الدور فوق هذه المرتفعات خشية الوحوش المنتشرة كثيرا في ذلك العصر وتلك الحقبة من الزمن .. كما انني قد سالت في قريتي بعض اجدادنا الاحياء الذين عاشوا تلك الحقبة من الزمن , وقد قالوا لي انه لم يكن في هذه القرية سوى هذا الدار فقط وحتى في جحاف كلها كان فقط في كل قرية دار او دارين على الأرجح, وأنه كانت تتواجد عدد من الأسر في الدار الواحد, تخيلوا ان تتواجد عدد من الأسر في هذا الدار الضيق ,, اي سعة لقلوبهم كانت ..? إنك وانت تفكر في عظمة وعراقة هذا الدار القديم وفي فنه المعماري الراقي وشكله الهندسي الممتاز وبنائه المنظم واحجاره المرتبة والمتماسكة, لتلتمس مدا الحنكة والحكمة ومدى الخبرة والذكاء التي تمتع بها اجدادنا الاوائل عند بنائهم لهذه الدور , وبنفس اللحظة وانت تفكر بهذه الاشياء كلها تفكر بنفس الوقت عن ضيق هذه الدور قليلا, فكيف لها ان تأوي وتحتضن اكثر من خمس او ست أسر بأعدادها المأهولة, وليتها أسر متقاربة النسب بل هي عائلات متباعدة النسب .. إنك وانت تستمع لروعة حياتهم في ذلك العصر الرائع , تجد انهم قد تفننوا بحياتهم وعاشوا حياة مليئة بالطمأنينة والسكينة,, حيث جمعتهم المحبة وجمعهم الإخاء والود فلم يكن في تلك الحقبة من الزمن شيء اسمه ضيق او حسد او حقد او كره, بل كانت قلوبهم عبارة عن بحار كبيرة وواحات خضراء مخضرة بالبراءة وبالطيبة والمحبة .. إنها سعة القلوب في زمن ما كان للخبث ولا للحقد من مكان او متسع عند هؤلاء الأجداد الانقى من النقاء والأطهر من الطهارة ,, اننا لنعرف في زمننا هذا كم من قصص جم عن بيوت كبيرة ضاقت باهلها, وليس بالغرباء فحسب , بيوت كبيرة جدا لم يعد يتقبل فيها الاخ اخوه ولا الأب ابنه .. فكيف عاش هؤلاء الاجداد في هذه الدور واي قلوب وارواح كانوا يملكونها ..? في الأخير سلام عليكم اجدادنا الاوائل , سلام لأرواحكم الطيبة النقية ولزمنكم النقي الطاهر , زمن البراءة والطيبة زمن المحبة والإخاء, زمن السعادة التي لم تكن تكلفكم كثيرا فقد ملكتموها بكل بساطتها متقاسمين بكل ابتسامة كسرات الخبز اليابس وبعض الماء, إنه زمن خير ارواحهم وبركة قلوبهم, زمن القلوب النقية التي ما كان للأمطار والسيول فيه أن تتوقف يوما ولا للعيون والأنهار أن تجف ابدا ..