حامد جامع الرجل الإنسان الغزير زهداً في كل شيء إلاَّ المعرفة وسعة الإطلاع والبلاغة والفطنة. المرجع الحافل بأمر كل غائب وحاضر، لمن أراد التأكد من صحة وكمال معلومة أو فكرة، أو يتوثق من سلامة مبتدأ فعل أو نهايته. حامد جامع الصديق الحميم والنديم الأثير الذي لا يغيب، يفيض سماحة وعذوبة ومودة ومسالمة، يؤثر الصمت ويتعبد بمحاريب الانصات، لا يشتط بسماع معلومة خاطئة أو تعبير مشوه ركيك، أو ارتجال أحمق لموضوع، يظل سامقاً في زاويته التي اختارها إما قاعداً أو جالساً، لا يعرف الحنق أو الاستخفاف طريقاً إلى نفسه أو انعكاساً على ملامح وجهه أو ما يدل عليهما في حركة من حركات جسده. كالنسمة كان دائماً في حضوره أو مغادرته، إقباله أو إدباره، ولا يحب ان يفتعل ما يعلن عن وجوده أو انسحابه، ولا يشارك إلاَّ إذا دُعي للمشاركة في نقاش أو طلب رأيه في صحة أمر من عدمه؛ لاتساع معرفته وحكمته، ودائماً ما كانت استجابته سخية تلقائية خالية من أي تعالٍ أو تفوق، فتأتي عباراته وأحاديثه محملة بالتواضع والبساطة التي تلزم من يستمع له بتقبلها والموافقة عليها حتى وإن كانت تتعارض مع قناعاته وحدود معارفه. حامد جامع الرشيق والممشوق الجسد والروح والخلق والعطاء، المقتصد بالطعام كمتصوف وفيلسوف، الخفيف الظل في الحلول والارتحال، الكاره غير المولع بالخصام والتباعد والصدام. مقرب من كل مثقف وعالم وأديب وسياسي مخضرم وأريب.. والقريب غير بعيد من ملازمة ومجالسة عامل أو موظف أو عابر سبيل. مشرق الملامح وضاء المحيا، حسن الهيئة والهندام والطلعة، كان حيث يكون عمر الجاوي الأديب والكاتب والمؤرخ.. وحيث البرودوني والقرشي عبدالرحيم سلام وحسين السيد وساسة وكتاب وشعراء. كان حيث كل نغم وفنان وممثل ورسام يتوسط مجالسهم يقول فيهم ما يهمهم ويسعدهم، سابراً بتواضع أعماق مغاراتهم وعطاءاتهم. كان حيث يكون رفيقه واللصيق به الدكتور عبدالرحمن إبراهيم المخضرم في كل مجالات الحياة يمضيان معاً لتذليل مخاوف وتهوين وقع وآلام، يملآن المكان والزمان والسمع والإبصار بكل مفرح وبهيج ومبشر، يضحكان ويُضحكان ولا ينسيان أن يحزنا ويبكيا. قالوا عنك أيها المشّاء حامد جامع انك مت وفارقت الحياة، وسبق أن قالوا كذلك عن عمر الجاوي والبردوني وأحمد بن أحمد قاسم والمرشدي، وعن الكثير والكثير ممن يصعب ايراد أسمائهم هنا.. انهم في لحظة قد ماتوا. ولكن من يعرفك ويعرفهم لن يستطيع ان يقول إلاَّ انك لم تمت، وإنما فضلت ان تستريح كمن سبقوك إلى اقتطاع وقت كافٍ لهم ليستريحوا، ومثلكم القليل القليل ممن يمكن ان يكون موتهم خياراً لابد منه ليستريحوا.