حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    سحب العملة الجديدة في صنعاء... إليك الحقيقة    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    رافينيا يوجه رسالة حماسية لجماهير برشلونة    أنس جابر تنتزع تأهلا صعبا في دورة شتوتجارت    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    المجموعة العربية تدعو أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    عن صيام ست من شوال!    رسميًّا.. برشلونة خارج كأس العالم للأندية 2025 وأتلتيكو يتأهل    مصر: ختام ناجح لبطولة الجمهورية المفتوحة " للدراجون بوت "ومنتخب مصر يطير للشارقة غدا    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    القوات المسلحة الجنوبية تسطر ملاحم بطولية في حربها ضد الإرهاب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يخالف التوقعات ويُحرج دفاع الاتلتيكو برباعية    الضالع: القوات المشتركة تُحافظ على زخم انتصاراتها وتُحبط مخططات الحوثيين    بعد تراجع شعبيتهم في الجنوب ...المجلس الانتقالي الجنوبي يعتزم تعيين شخصية حضرمية بديلاً عن عيدروس الزبيدي    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أعلام الاغتراب اليمني
نشر في الجمهورية يوم 19 - 03 - 2007

- لليمنيين بصمات واضحة في المشهد الثقافي والحضاري والنهضوي في عدد من دول العالم
- مغتربون أسهموا في دعم الثورة وكان لهم اليد الطولى في ترسيخ دعائم النظام الجمهوري
- نظموا أنشطة متعددة في بلدان الاغتراب للتعريف باليمن واضطلعوا بدور فاعل في نشر الاسلام
يامن يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم
المغتربون أمانة الله في بره وبحره، المستجيبون لأمره سبحانه وتعالى :«فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور» سورة الملك آية 15
واليمن مهد الانطلاقة الكبرى للهجرة البشرية عبر القرون، فمنهم الفاتحون في صدر الإسلام، ومنهم بناة الحضارات الإنسانية في الشام، والعراق، والمغرب، وبلاد الاندلس، وهم الفاتحون بالدعوة، وحسن الخلق، ومكارم الشيم والقيم، لبلدان شرق آسيا،فكل رحالة للتجارة كان يحمل في قلبه نورا، وفي لسانه صدقاً وعدلاً، فاستمالوا الوثنيين في أندونسيا، وماليزيا، وسنغافورا، والهند، والفلبين، وتايلند، حتى أسلم على أيديهم ملوك وشعوب دون صارم ولاسنان.. ويكفي أولئك المغتربون فخراً وفضلاً أن الحكومات التي تدير شئون الدول اليوم في أندونسيا، وماليزيا لاتخلو من عدد من الوزراء من أصول الجاليات اليمنية. كما أن بلاد افريقيا تدين بولائها للمغترب اليمني، الذي جاء باحثاً عن مصدر عيش كريم، يعمل ساعده للحصول على رزقه ،وبلغ ماذهب من أجله ثم دعا لثقافته، ودينه، وقيمه،بنبل أخلاقه، واستقامة سلوكه، حتى أصبح أصلا من أصول المجتمعات، ومفتياً وحاكماً وملكاً، واسألوا جزر «القمر» التي أسس دولتها وبنى نظامها ونظم شعبها مغترب يمني كان قد هاجر إليها لطلب الرزق حتى أصبح حاكماً للبلاد، واستنبئوا الترجمة الشخصية لمحمد بن شيخ بن المنصب بن أبي بكر اليمني سنة1390ه/ 1970م الذي كان إبناً لأحد المغتربين اليمنيين، ثم أصبح الرئيس الأول لجزر «القمر» عندما منحت الحكم الذاتي رحمه الله تعالى.
وفي القرن الماضي الذي اكتظ بالحروب والأحلاف، وصارت المخاطر تغشى البر والبحر خاصة مع نشوب الحربين العالميتين اللتين أشعلتهما المصانع والسفن والمناجم والموانىء بالنيران، نجد أن المغتربين اليمنيين كانوا شركاء المقاتلين من كلا الجانبين: دول الحلفاء ودول المحور، لأنهم كانوا عمال المناجم، وملاحي السفن، ومشغلي المصانع،فلم تروعهم الحرب، ولابراكين اللهب، فذهب منهم آلاف في ركب الشهداء في البر والبحر، شهداء غربة وبحار، ولمن لايعلم أن يعلم أن نصباً تذكارياً لشهداء الحرب العالمية الثانية من اليمن ارتفع شامخاً في مدينة «ليفربول»في إحدى المهاجر البريطانية، اعترافاً بدورهم البطولي، وشجاعتهم النادرة، وعلى ذلك النصب أسماء عدد من شهداء الاغتراب اليمني. . ومن أعلام الاغتراب اليمني أعلام شامخة لاتزال على قيد الحياة تبني وتناضل وتشيّد، حتى عرفت أنها صاحبة النهضة الحضارية، وصاحبة الأبراج الشامخة، والمصانع العملاقة في بلاد السعودية الشقيقة، ودول مجلس التعاون الخليجي، وهم المعقودة على عزائمهم آمال بناء الوطن الأم، ولقد تحاشيت ذكر بعض الأسماء من عمالقة الاغتراب المعاصرين حتى أستأذن حضراتهم في أن أترجم لهم ترجمة وافية، تبنى على أساس استقاء المعلومات التي يملونها بأنفسهم عن أساسيات تراجمهم، وسيرهم الذاتية،الاغتراب لاقدمها للندوة.
- عبد الحسين بن أحمد بامعبد
بعد 1341ه 1895 - 1923م
بدأ بحلقة علم صغيرة في أحد مساجد المدينة الغناء تريم حضرموت.. طلابه من مدينة تريم نفسها لايتجاوزون عدد أصابع الكفين..غير أنه لم تمض عليه أشهر حتى بدأ مريدوه من طلبة العلم بالتنامي مماجعله ينقطع للتدريس انقطاعاً كلياً.. ويشتهر أمره في حضرموت كلها، وتسير بذكره الركبان إلى بلاد الحجاز..وماكاد يصل إلى مكة المكرمة حتى استدعي إلى الحرم الشريف مدرساً يتحلّق عليه طلبة العلم من شتى البلاد والجنسيات.
وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يجلس صاحبنا أيضاً وحوله حلقة علم كبيرة يتسابقون إلى الدراسة عليه غير أن صاحبنا لايقدر على نسيان بلده تريم..صحيح أنه في مكة والمدينة يعيش أجواء روحانية غامرة بالفرحة غير أن شوقه لبلده وذوية يعاوده بين الحين والآخر..ويعود إلى بلده غير أن سفراً آخر كان ينتظره هناك حيث زمت ركائبه إلى الملأ الأعلى فيموت.. وتودعه إلى مثواه الأخير جموع من محبيه من العلماء والأعيان والتجار.
- عبدالرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي
خير صديق في الزمان كتاب
6/2/1386ه - 26/5/1966م
عتمة..تلك البلاد الجميلة..لها في مضمار العطاء يد طولي..فقلما يمر عقد من الزمن وليس فيها عالم حجة، أو شاعر نابغ، أو خطيب مفلق.
عتمة..تلك البلاد الشاهقة التي تتعمم السحاب، وتتزر السهول والمروج الخصيبة، وترقص على خرير السواقي، ومهاجل الزراع في البطاح والوديان.
عتمة..تلك الغانية الجميلة التي أريد لها أن تكون محمية طبيعية لا لشيء إلاّ لأنها تفردت وتميزت، وحوت كل غريب من غرائب النبات والطير والحيوان.
عتمة..هي الأم الرؤوم التي أنجبت الكثير من العمالقة مثل عبدالرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي.
وبيت المعلمي مشهور بالفضل والعلم تحتضنه قرية صغيرة تدعى الطفن نشأ في كنفها جماعة من العباقرة منهم هذا المعلمي الشاعر الأديب الذي أولع بالعلم وهو لم يزل في صباه الأول، فدرس على جماعة من أقربائه، ثم حزم أمتعته متوجها صوب بلاد الحجرية حيث علم أن هناك علماء أفاضل يمكن أن يدرس لديهم، فكان له ماأراد، غير أن ذلك لم يملأ وفاضه العلمي، ولم يرو غليله، فاتجه نحو بلاد المخلاف السليماني ليجد أقدار الله قد هيئت له هناك مكاناً مرموقاً في قلب الإمام «محمد بن علي الأدريسي» حاكم المخلاف السليماني الذي عينه قاضياً له، ولقبه بشيخ الإسلام وفوق ذلك بعث قريحته الشعرية من بين ركام هائل من المشاغل فمضت تسترسل شعراً في غاية الروعة والجمال.
ولما كان دوام الحال من المحال فقد رحل الأدريسي إلى بارئه، فلم يطب المقام لصاحب الترجمة، وقد وجد الوجوه بعد رحيل رفيقه الإمام غير الوجوه، والأرض غير الأرض، فمضى إلى الهند مصطحباً أخاه الأصغر أحمد بن علي المعلمي، وعملا معاً في دائرة المعارف العثمانية في تصحيح كتب الحديث والتاريخ لمدة تزيد عن ربع قرن، سافر بعدها عبدالرحمن إلى مكة المكرمة، حيث عين في وظيفة طابت لها نفسه، وقرت عينه، واستبشرت جوارحه كيف لا وقد صار أمين مكتبة الحرم المكي الشريف يفتح عيونه على هالات النور في ذلك المكان المقدس، المزدان بهمسات التسابيح، ورفيف أجنحة الملائكة، ويغمضها على نحو من ذلك.
ولأن حياته تمثل معية وثيقة للكتاب، فقد زادت هذه الصلة رسوخاً في عمله هذا حتى أصبح أحدهما لايطيق فراق الآخر، وذات فجر وُجد المعلمي محتضناً كتابه وكان هذا العناق هو العناق الأخير..رحمه الله.
- عبدالله بن أبي بكر بن عبدالله بن طالب بن الحسين
بن عمر العطاس
1253 1325ه
1837 1907م
في ضاحية من ضواحي مدينة تريم في بلاد حضرموت اسمها حريضة ولد صاحب هذه الترجمة، وفيها نشأ في أسرة علمية معروفة بالفضل والصلاح، فدرس على أبيه، وعمه طالب وعلى غيرهما ممن تيسرّ له، ثم توجه صوب مكة المكرمة للاستزادة في طلب العلم، وهناك مكث سبع سنوات لايكل ولايمل لاتراه إلا طالباً في حلقة أو منتبذاً مكاناً في باحة الحرم يقرأ في سفر من أسفار العلم.
وشاءت له الأقدار أن يرحل عن مكة المكرمة إلى جزيرة «جاوة» في أندونسيا، حيث عمل هناك بالتجارة فأثمر ذلك عن مشاريع خيرية كثيرة في بلده حيث كان يرسل الأموال إلى من يثق به لإقامة مثل هذه المشاريع الخيرية.
وبعد عشرين عاماً عاد الطائر الميمون إلى عشه.. غير أنه استقر في مدينة تريم ملتقى علماء حضرموت وأقام علاقات حميمة بكثير منهم وخاصة العلامة «علوي بن عبدالرحمن المشهور».
ومن فضول وقته كان يقتنص لحيظات لتدوين سيرة أبيه وأثمر ذلك عن كتاب سماه «حلاوة القرطاس، وجواهر العطاس»..فعليه رحمة الله.
- عبدالله بن أبي بكر بن محمد علوي بن محمد المشهور
1341ه - قبل 1923م
عالم في الفقه والحديث والتصوف، اشتهر بزهده وورعه بين الناس حتى صار مضرب المثل في ذلك.
تزوج في بلده مدينة تريم من بلاد حضرموت فأنجب أبناء فضلاء أحبهم وأحبوه غير أن هذا الحب لم يكن ليثنيه عن حلم يراود قلبه في التطواف في أرض الله، فتركهم ورحل إلى «سنغافورا»، وظل متردداً بينها وبين جزيرة «جاوة» استولت على قلبه واحدة من بنات حواء فتزوجها وسكن إليها، وأنجبت له لفيفاً من الأبناء.
وهو في كلّ ذلك لاينفك ذاهباً أو آتياً من حلقة علم أو مجلس درس يتعاقب فيها طلابه الذين وجدوا فيه مثال الأب الحاني، والعالم الرباني.
وهو وإن كان يحب العزلة عن الناس، فإنما هي تلك العزلة التي يجد فيها الإنسان ذاته ويصفي روحه بعيداً عن أوضار المادة ووحولها، لا تلك الخلوة التي تفضي بالحيِّ إلى ضرب من الموتِ ممقوت.
ولأن لسنغافورا مكاناً في قلبه فقد سافر إليها لقضاء بعض أوطاره بنية العودة إلى «جاوة» حيث تنتظره هناك زوجه وأبناؤه غير أن الله أراد له أن يموت بعيداً عن أحبابه في سيئون وأحبابه في «جاوة»..غريباً فطوبى للغرباء.
- عبدالله بن علوي بن محمد بن علوي الجفري
1383ه - 1963م
مات في المهجر أبياً للضيم، شامخ الذرى، نافراً من الركوع لغير خالقه، عندما أراد له المستأثرون بالسلطة في عدن أن يصدر أحكاماً بإعدام الأبرياء، لموقعه رئيساً للاستئناف في محكمة لحج أيام السلطنة، فأبى.
وعاوده الحنين إلى سابق عهده في شبابه وصباه، حين هاجر كأكمام الزهور إلى الصومال، ليعمل هنالك في التجارة استيراداً وتصديراً، حتى جمع مالاً يعينه على العود غنياً إلى وطنه، ولكن رياح الفتوة، وعرام الشباب، دفعا به إلى كينيا، لا للطيش، ولكن لهذه الهجرة الثانية هدف محدد واضح المعالم، وهو العمل مدرساً، ومربياً، وداعياً، فنجح نجاحاً عظيماً، ونال حب الأهالي ممن عرفه، وسمع عنه من أبناء كينيا، وتأثر به عدد من أهلها، واعتنق دينه الإسلام عدد من سكانها، ولم يفته الأخذ من رزق الله بعمل يده، وكد جسمه، ويقين قلبه.
فلما أنس من قدرته على العود إلى بلده لحج، قال:« العود أحمد» فعاد واستقر بأهله في مدينة «الحوطة»، عاصمة محافظة لحج وفتح ديوانيه لتعليم الناس العلم، بين مسجده وديوان عائلته، يعلم الناس الدين واللغة، والقرآن الكريم.
وكما كان يرى خلال هجرته في مدينة «تريم»، من بلاد حضرموت، مذ كان صبياً، صنيع مشائخه وأساتذته الذين درّسوه في أربطتها مدة ثمان سنين من بواكير صباه، عمل هو كذلك في مدينة «الحوطة» عندما استقر به النوى، وألقى عصاه، حتى ذاع صيته.
ولاه آخر سلاطين «العبادلة» في بلاد لحج رئيساً لمحكمة الاستئناف، ولكن تربة قبر في مقابر مدينة جدة، كان الله قد شرفها أن تكون مضجعاً أخيراً، ومنبتاً أخروياً له، فثوى ميتاً في هجرته الأخيرة، فراراً من أسلوب الثوار بعد ثورة 1383ه/1963م، بعد أن جاوز الستين من عمره، ودفن في جدة الحجاز، فرحم الله المغترب «عبدالله بن علوي بن محمد علوي الجفري»، وتغمدنا الله وإياه بواسع رحمته.
- عبدالله بن علي الحكيمي
من طالب كُتاب..إلى صانع ثورة
1318 1373ه - 1900 - 1954م
في قرية من قرى عزلة الأحكوم، من بلاد الحجرية، تدعى حليس كان مولده، في أسرة كبيرة تمتهن الفلاحة، وتحت أشجار هذه القرية تلقى مبادءه العلمية الأولية في القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم على يد شيخ الكتاب، وإلى جانب ذلك أخذ عن هذه القرية صفاء الذهن، وطهارة السريرة، وطلاقة الوجه، وانطبع كل ذلك عليه، فصار من أبرز صفاته.
إنه الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي ذلك الشهيد الذي نسج خيوط السلام، وانطلقت به ركائب الشهرة من قرية صغيرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحضارة إلى عالم واسع من الذيوع والانتشار، فكان بحق علماً من أعلام الفكر المعاصر، ونبراساً للحق والخير والجمال.
ولنعد إلى ذلك الطفل هناك في قرية حليس، فنراه يترك قريته مع أبيه راحلاً إلى مدينة عدن، وماأدراك مامدينة عدن آنذاك؟ مئات من حلقات العلم تعج بها عشرات المساجد، ومئات من العلماء يشعُُّّ النور من عمائمهم فيعمُّ المدن والقرى.
وشاء الله أن يكون هذا الطفل الصغير من رواد هذه الحلقات، وعلى موائد جملة من العلماء تفتحت مداركه، ونمت معارفه، حتى تميز عن زملائه في الفقه والحديث، وأصول الدين واللغة وغيرها من فنون العلم، فصار ذلك الطفل الصغير شاباً يافعاً، يحمل في صدره جملة من الفنون والعلوم، وبدأت الصورة تتشكل في داخله من جديد، وبدأ يدرك الدور الذي ينبغي أن يقوم به.
وفي عام 1336ه / 1918م شكل الاستعمار البريطاني في عدن ماأسماه ب «الجيش العربي» من أبناء الشمال الذين نزلوا مدينة عدن، فكان الحكيمي فرداً في هذا الجيش، وعلى مدار خمس سنوات حاز على إعجاب زملائه واحترامهم، وترقى إلى رتبة ضابط، ولم تنته رحلة الطموح بعد فمازال هناك المزيد.
وبحكم مايحمله بين جوانحه من نور العلم الذي ظل ينميه بالقراءة والاطلاع وبحكم التجربة التي خرج بها من عمله في الجيش، وحكم طبيعته البسيطة التي شكّلتها منذ البداية طبيعة تلك القرية النائية وعفويتها، بحكم كل ذلك، بدأ الحكيمي يفتح عينيه على ذلك الواقع البائس الذي يعيشه الشعب اليمني تحت نير الاستعمار وجبروت الإمامة، فكان أن اتسعت المعرفة، وكان أن أخذت الصورة بالمزيد من التشكل والنماء، وكان أن بدأ هاجس الهجرة يلحُّ عليه، فترك العمل في الجيش، وظل يرقب الفرصة حتى سنحت حين حصل على عمل في سفينة فرنسية، أعطاها أربع سنوات من عمره يعمل بحاراً، ومكّنته من التعرف على كثير من البلدان، وفتحت عيونه على عالم جديد التقى من خلاله كثيراً من اليمنيين في المهجر، وتعرف على عدد من الأشقاء العرب والمسلمين، وقبل ذلك وبعده فإن هذه الرحلات على ظهر هذه السفينة أتاحت له المقارنة بين هذه البلدان المختلفة، وماوصلت إليه، وبين ذلك الوطن المغلول القابع في زاوية من زوايا النسيان..اسمه اليمن.
قرر الحكيمي ترك العمل في السفينة المذكورة، وأقام في الجزائر مواصلاً تحصيله العلمي على يد الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي، في مدينة «مستغانم»، فأجاد التصوف، والحديث، والتفسير، وأضاف في كل ذلك جديداً، والأهم من ذلك أنه استوعب الأفكار التنويرية الإصلاحية التي بدأت آنذاك في واقع الحياة على يد علماء أجلاء مجاهدين.
وماتزال الصورة في ذهن الحكيمي في تنام مستمر، ومايزال الطموح يسلمه إلى طموح وتسلّمه إلى الأسفار أسفار جديدة، وهو في كل ذلك لايكل ولايمل، ولاتخور له عزيمة.
وبدافع قوي من الإحساس بالواجب ترك الشيخ الحكيمي الجزائر ورحل إلى أوروبا للقيام بواجب الدعوة هناك، فاتجه أولاً إلى باريس ومنها إلى مدينة «مرسيليا» حيث صار داعياً معلماً، له أتباع ومريدون..ترى هل كان طالب الكُتّاب في قرية حليس يعلم أنه سيصير يوماً ما ذا أتباع ومريدين في هذه المدينة القاصية، وأنه سيؤسس فيها فرعاً للجمعية الإسلامية؟؟
ولما كانت حياة المجاهدين سلسلة طويلة من الأسفار فقد حزم ركابه إلى بلجيكا، ثم إلى هولندا وهناك ألقى عصا الترحال واستقرَّ به النوى لفترة أسس خلالها الجمعية الإسلامية، وعمل على جمع صفوف المسلمين ولم شعثهم، ولكنّ هاجس الترحال مايزال يقلقه،إنه داعية مجاهد لايستقر، على حال من القلق، يخيّل إليه أن من واجبه أن يطوف العالم كله داعياً ومرشداً.
وفي بريطانيا كانت المحطة التالية، وفي مدنها المختلفة كان له تطواف راصد، ثم بدأ له أن يستقر في مدينة «كاردف» التي كان يتواجد فيها آنذاك قرابة خمسة آلاف نسمة من الجاليات العربية، وقد نشرت الصحف آنذاك خبر وصوله، وصّرح لبعضها أنه ينوي الإقامة في هذه المدينة، وينوي بناء مسجد فيها، وكأنه غير آبه بالحرب العالمية الثانية المشتعلة في كل مكان.
وفي «كاردف» أسس الجمعية الإسلامية عام 1939م، وجهزها بمكتبة وقاعة محاضرات وأنشأ فروعاً لهذه الجمعية في كثير من المدن البريطانية، ثم أنشأ بعد ذلك مسجد «نور الإسلام»، وافتتحه بحفل كبير حضره سفراء الدول العربية والإسلامية، وعدد كبير من الشخصيات الإسلامية، كما قام بشراء قطعة أرض خصصها لمقابر المسلمين هناك مما جمعه من تبرعات المحسنين.
ورغم هذه الجهود المضنية، والمساعي المتواصلة التي استغرقت وقته وجهده فإن صورة الوطن السجين لم تمح من خياله، وظلت عالقة في الذهن يتملاها آناء الليل والنهار، وأحس بدافع خفي يدفعه للعودة إلى الوطن، وبدأت زفرات الشوق، وتباريح الحنين بالغليان، فحزم أمتعته وعاد إلى أرض الوطن.
عاد طالب الكُتّاب علماً بارزاً من أعلام الاغتراب والجهاد وأنباء قدومه تسبقه، والفرحة تغمر قلوب آلاف من محبّيه الذين سمعوا عنه الكثير حتى وصل إلى مدينة عدن عام 1940م، وهناك أسس مدرسة وزاوية في منزله في حي الشيخ عثمان، وعيّن فيها مدرسين على نفقته، مدركاً أن العلم وحده هو المقدمة الحقيقية للتغيير.
وأحسَّ طالب الكُتّاب بشجن في أعماقه يغريه بالعودة إلى مراتع الصبا وملاعب الطفولة إلى قرية حليس، تلك الأم الرؤوم التي احتضنته طفلاً، وأرضعته الحبَّ وعلمته الدرس الأول من دروس الطموح والمثابرة وهناك أسس مسجداً ومدرسة، وقام بتعيين مدرسين على نفقته، إنه جزء من الواجب في نظره لهذه القرية.
ذاع صيته، وانتشرت أخباره، وكانت عين الإمامة الراصدة تعني بكل صغير وكبير من هذه الأخبار، لأنها كانت ترى فيها خطراًَ عليها..خطر يريد لهذا الشعب أن يتعلّم..فيعي.
استدعاه الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وكان ولياً للعهد آنذاك إلى مدينة تعز، ورأى أن يقيده بقيود الوظيفة، فعينّه مرشداً عاماً للواء تعز، وألزمه الإقامة فيها حتى يكون تحت سمعه وبصره، ومع ذلك فقد استطاع الحكيمي في مدينة تعز أن يلتقي عدداً من الأحرار والمثقفين، وظل يبذر فيهم روح التغيير حتى أثمر ذلك عن اقتناع الأحرار بانتقالهم إلى مدينة عدن لملاءمة الجو هناك، لتأسيس حركة وطنية تتمتع بنوع من الحرية.
وترك الشيخ الحكيمي مدينة تعز هارباً إلى مدينة عدن بعد أن بلغه أن الإمام أحمد ينوي سجنه، وعلم الإمام أحمد بما كان من أمر هروبه فدعى بالويل والثبور، وأرسل عساكره إلى عزلة الأحكوم يتعقبونه فلم يقفوا له على أثر.
وهناك في مدينة عدن بدأت الحركة الوطنية نشاطها حتى استوت على سوقها، فعاد هاجس الهجرة يلحُّ عليه من جديد وإلى مدينة «كاردف» وصل في مايو 1946م، وواصل نشاطه التنويري في مركزه عبر المحاضرات والخطب، واستطاع أن يكسب لها تأييداً واسعاً بعد أن كانت اليمن نسياً منسياً.
وعقب فشل ثورة الدستوريين عام 1948م كان لابد لنشاطه أن يتضاعف، فأسس صحيفة «السلام» في مدينة «كاردف»، وراح يبعث الأمل في نفوس اليمنيين بزوال الظلم عنهم، وبدأ يشنّع بحكم الإمامة داعياً إلى تضافر الجهود استعداداً ليوم الخلاص، وكانت هذه الأصوات قويةً تصل إلى مسامع الإمام، فدبّر حيلته للخلاص من هذا النشاط المناهض له، ولم تشأ إرادة الله لهذه الحيلة نجاحاً، فقد قامت عصابة من العملاء في لندن بمحاولة اغتيال الحكيمي وحرق مطبعته، وانتهت المؤامرة، وخرج الحكيمي منها سالماً، وقتُل سكرتيره «حسن بشير».
وبعد قيام ثورة مصر عام 1952م بدأت تباشير الأمل أن يأخذ اليمن حريته، فقرر الشيخ الحكيمي العودة إلى الوطن حتى يعمل للثورة عن قرب، وعاد إلى عدن وبدأ نشاطاً منقطع النظير يقوي العزائم ويعمل على نشر الوعي.
ولما كانت مصالح المستعمر تلتقي مع مصالح الإمامة في إطفاء كل ومضة، فقد عملا على التنسيق بينهما، وقدّم الشيخ الحكيمي إلى المحاكمة، متَّهَما بحيازة الأسلحة، وصدر الحكم بسجنه عاماً كاملاً، مع الأشغال الشاقة، لكن تنظيم الأحرار في عدن رفع القضية إلى محكمة النقض العليا في «نيروبي» فحكمت بالبراءة، فأطلق من سجنه ليعود إلى سابق نشاطه، مواصلاً كلال الليل بالنهار، ثم انتخب رئيساً للاتحاد اليمني الذي أنشئ في مدينة عدن، حتى كان اليوم الرابع من أغسطس عام 1954م عندما أراد الله لهذه الصفحات الناصعة من الجهاد أن تطوى.. فاضت روح الشيخ الحكيمي إلى بارئها متأثراً بسم دُسَّ له، مخلفاً وراءه تاريخاً حافلاً من الجهاد، وتراثاً فكرياً خالداً أودعه بطون كتبه التي أسماها:
1 دعوة الأحرار.
2 دين الله واحد.
3 الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام.
وعلى شفتيه ارتسمت بسمة خفيفة أشبه ماتكون بشفق فجر يؤذن بقدوم شمس الحرية التي تبدأ بدفقات طاهرة زكية من دم شهيد، وتنتهي بزئير ملؤه النقُم.
- عبدالله بن عيدروس الحضرمي
مهجر جيبوتي
1390ه - 1970م
حيث يهطل الخير، وينبت العلم، ولد ونشأ المهاجر اليمني عبدالله بن عيدروس الحضرمي، ذو الهمة العالية، والعزم الوثاب، فبعد أن تلقى دراسته في رباط مدينته تريم تلفّت يميناً وشمالاً كأنما يبحث عن سبيل يقوده إلى الحياة الرخاء، والعيش الرغيد فلم يجد غير القرن الأفريقي أشد حاجة إلى رسالته، وأجدر باحتضانه، والإفادة من مواهبه.
ولما بلغ شرخ الشباب رحل عن بلاده ومسقط رأسه مدينة تريم متوجهاً إلى «جيبوتي»، ليعمل عملاً تجارياً، أو صناعياً، يبلغه من الحياة مناه، ولكنه وجد نفسه مطلوباً في أزمة القدر ليعمل مديراً للمدرسة الإسلامية، مربياً لأبناء «جيبوتي»، ومن حل بها من أبناء الجاليات الأخرى فكان علماً يجري اسمه على كل لسان في مهجره، ويذكر حيث يذكر الفضل، والعلم والبر.
ولم يكتف برزق الكفاف، فقد عمل على أن ينال من الرخاء المادي مايصلح به شأن أهله، ويعلم به أولاده، حتى ابتعث ابنه أحمد بن عبدالله لتلقي العلم في الأزهر الشريف بمصر، وقد تخرج من كلية الشريعة والقانون.
كان شأن العيدروس في مدينة «جيبوتي» المستعمرة الفرنسية شأن العظماء الأعلام فكان يزور المرضى، ويتعهد الجالية اليمنية بالزيارات، ويشارك في إصلاح ذات البين، ويطالب بنيل حقوق الناس، ورفع الظلم عنهم.
ولم يشغله كل ذلك عن أن يكون مؤلفاً في فن الرحلات الإسلامية، ويقدّم أدباً ثقافياً دينياً في مؤلف طبع في مصر يسمّى:
قرّة العين في الرحلة إلى الحرمين الشريفين.
فرحم الله العيدروس غرة المهجر والمهاجرين.
- عبدالله بن محمد الكبيش
1341ه - 1923م
في قرية من ناحية سحار شمالي مدينة صعدة ولد ونشأ صاحب هذه الترجمة، وفيها عمل مدرّساً بعد أن نال قسطاً وافراً من العلوم الشرعية واللغوية.
كان همّه أن يعمل على توعية أهل بلدته وتعريفهم بأحكام دينهم فأعطى لذلك جلَّ وقته لايكلُّ ولايمل..يأخذ منه التدريس مايأخذ من الجهد والوقت والتعب غير أنَّ إلمام واحد من طلابه بعلم من العلوم التي كان يدرسها لهم يعد إنجازاً عظيماً وفرحة كبيرة بالنسبة له كيف لا والعالم أشبه بالزارع المجد الذي يضع البذرة ثم يتعهدها بالسقي وإبعاد الضرر عنها حتى تصير نبتة فسنبلة تعطي ثمرتها طيبة بإذن ربها.
غير أن صروف الدهر لاتدع أحداً..فأثناء قيام الثورة الجمهورية عام 1962م غادر صاحب الترجمة بلده إلى مدينة الظهران في بلاد السعودية..هاجر وقلبه يتقطّع ألماً لفراق تلامذته ومريديه غير أن الله عوّضه عنهم بتلامذة آخرين في مدينة الظهران وجد فيهم تلك الوجوه التي افقدها فزاد من عزيمته وشدَّ ساعده ومضى في صنع الرجال علماً وأدباً وتقوى حتى إذا مامرّت أعوام عديدة أمضه الشوق إلى أهله وذويه في بلده فعاد إليها والتقاهم ولكنه كان اللقاء الأخير حيث أغمض عينيه وسلم روحه بهدوء لبارئها البر الرحيم.
- عبدالله بن محمد بن حامد بن عمر السقاف
مؤرخ شعراء حضرموت
1384ه - 1964م
أديب مؤرخ شاعر، درس ماشاء الله له في بلده سيئون ثم هاجر إلى مكة المكرمة مواصلاً تعليمه فيها، حتى إذا ماشدّه داعي التطواف نراه يزم ركابه قاصداً جزيرة «جاوة» في أندونسيا، وهناك يعمل بالتجارة ويثري ثراء واسعاً مكّنه من شراء عقارات واسعة في ماليزيا وسنغافورا، وغيرها.
ولّما أدرك أنه جمع من الأموال ماتكفيه ليعيش به بقيّة عمره رحل إلى مدينة القاهرة متفرّغاً للعلم، وهناك التقى بعدد من فضلاء حضرموت فكوّن معهم لجنة للدفاع عن حقوق العلويين.
كما التقى بعدد من كبار الأدباء والعلماء، وفتح أبوابه لهم فصار منزله أشبه بمنتدى يتوافد عليه من له علاقة بالفكر والأدب.
وفي مصر الغالية يمكث صاحبنا أربعين سنة عكف خلالها على تأليف عدد من الكتب أهمها كتاب تاريخ شعراء حضرموت الذي ترجم فيه لشعراء حضرموت منذ الجاهلية حتى الشعراء المعاصرين له، ويعد هذا الكتاب سفراً مهما من أسفار التاريخ الحضرمي.
ويعود السقاف إلى سيئون فيخرج لاستقباله عامة الناس وخاصتهم، ويفرح العلماء والمثقفون بمقدم عالم مؤرخ مشهور لأنهم سيستفيدون منه كثيراً غير أن أقدار الله كانت تريد غير ذلك، ويشاء الله أن يتوفى السقاف في بلده وبين أهله بعد عمر مثمر، وكفاح طويل.
- عقيل بن مطهرّ بن جندان بن أبي بكر بن سالم
عالم الحرم الشريف
1341ه - 1923م
منذ أن كان طفلاً وهو يحلم بالتطواف في أرض الله..ذلك أنَّ الله زوّده بملكة حب الاستطلاع، وهي ملكة ماخامرت قلب امرئ إلا وكان له من الجد والمثابرة والعزيمة حظ وافر.
ولم يكد يبلغ من العمر غضه حتى فارق بلده دمّون التي ولد فيها إلى مدينة تريم دارساً على علمائها المشهورين منهم: العلامة المتصوف علوي بن عبدالرحمن المشهور، والفقيه أحمد بن علي بلفقيه، وغيرهما، جاعلاً من مدينة تريم محطة ليس إلا فمازال عنده الكثير من أحلام التجوال والسياحة التي ارتبطت لديه بتلقي العلم فكان أن جعل من حبه للترحال والهجرة هدفاً مقدّساً ينبغي أن تشدَّ فيه الرحال.
ومن تريم إلى جزيرة «جاوى» في أندونسيا، ومن هذه إلى مصر أم الدنيا حيث الجامع الأزهر فردوس من فراديس الله في أرضه يشعٍّ النور من عمائم علمائه العاملين الذين مثّلوا على مرّ العصور صفحة ناصعة من صفحات العزة والجهاد.
وفي الجامع الأزهر تتلمذ، وواصل كلال ليله بنهاره مستزيداً من العلوم والمعارف حتى فقهَ، وأجاد ومنح شهادة أزهرية تجيزه في الإفتاء والتدريس وفي ذلك اكتفاء له لو لم يكن مسكوناً بهاجس مقلق من حب الاستطلاع والاستزادة العلمية، فتلفّت يمنة ويسرة باحثاً عن مكان آخر يجد فيه ضالته، فوقع اختياره على مكة المكرمة.. كيف لا وهي مجتمع العلماء من شتى بقاع الأرض، فوصل إليها جذلان فرحاً، وتنقل بين حلقات المسجد الحرام حتى عُرف قدره، وشاع ذكره فقصده طلاب العلم يبتغون منه الإفادة، فلم يرفض لهم طلباً، وظلت حلقة درسه عامرة نامية، وكلما همَّ بالرحيل إلى أرض جديدة حدّق في عيون تلامذته ومريديه، فوجد فيها إصراراً قوياً على بقائه، إصرار يخفف عنه نية الرحيل لكنه لايزيله..وكان أن رحل..ولكن رحيله هذه المرة كان إلى ربه بعد عمر حافل بالعطاء، فدفن في أم القرى أحب بقاع الأرض.
- علوي بن طاهر بن عبدالله بن طه بن عبدالله الحداد
14/6/1382ه 1873 - 11/11/1962م
في بلدة من بلاد حضرموت تدعى قيدون ولد العالم الرحالة علوي بن طاهر بن عبدالله بن طه بن عبدالله الحداد.
وفيها ترعرع في بيئة علمية أتاحت له مجالاً خصباً لأن تنمو مواهبه، وتزكو معارفه، ويصير في وقت وجيز متفوقاً على أقرانه من طلبة العلم..شهد له بذلك عدد من شيوخه منهم: العلامة أحمد بن الحسين العطّاس، والفقيه علوي بن عبدالرحمن المشهور.
وفي عنفوان شبابه يستحثه حادي الهجرة، ويستفزه داعي الاغتراب والارتحال عن وطنه إلى أندونسيا تلك البلاد التي استهوت كثيراً من الحضارمة فجعلوا منها مهوى لأفئدتهم غير أن صاحبنا لم يصل إليها إلا بعد مروره على بلاد أخرى ومحطات عديدة من الأسفار مثل مكة المكرمة وماليزيا وغيرهما.
وفي أندونسيا ازدادت معارفه تفتحاً ومداركه اتساعاً وهي خصيصة لصيقة بالمهاجر اليمني: ماإن يترك وطنه ويرتحل عنه إلى بلد آخر إلا وتتفتح قدراته كما يفتّق الندى الأوراد الجميلة عن أكمامها البديعة الآسرة.
ولأن اليد الواحدة لاتقوى على جلب نفع أو دفع مضرة، فقد اتصل بفضلاء الحضارمة هناك وعمل معهم في كثير من الأنشطة الخيرية، والفعاليات العلمية من ذلك: تأسيس الرابطة العلوية التي عرف من خلالها عالماً جليلاً ومربياً فاضلاً ذاعت شهرته وفاضت على أندونسيا إلى ماجاورها من البلاد في شرق آسيا فإذا بسلطان «جهور» من البلاد الماليزية يستأثر به ويستدعيه موكلاً إليه وظيفة القضاء والإفتاء، فحسن مسلكه في ذلك، وتفنن في أحكامه وفتاواه، ولم يمنعه ذلك من أن يعطي وقتاً للتدريس والتأليف فأثمر ذلك عن مؤلفات رائعة في الفقه والسير والتراجم وكتابة المقالات الصحفية لكثير من الصحف الصادرة هناك.
وبين مجالس العلم وميادين الدعوة مضى عمره سلسلاً رقراقاً، يفيض حباً وسعادة يشاركه فيها الكثير من محبيه ومريديه، وماهي إلا أن حانت ساعة الرحيل إلى عالم البقاء، فأراد الله له أن يموت بعيداً عن بلده لكنه قريب من بسطاء الناس وخاصتهم الذين شيّعوه إلى مثواه الأخير في موكب جنائزي حزين، وقلوبهم تفيض من الدمع مماعرفوا من نبله وكرم أخلاقه..أباً حانياً جاءهم ذات يوم غريباً ثم تركهم بعده وهم الغرباء.
- علي أحمد باكثير
1328 1389ه
1910 1969م
إنسان واع مغامر لايحب الخلود إلى الدعة أو السكينة، بل يجوب الأرض بوعي حاذق، وحب للتنقل في ملكوت الله الواسع.
لقد كان التجار الحضارم بالتزامهم تعاليم الإسلام في معاملاتهم قادة فاتحين، غزوا القلوب، وفتحوا الأفئدة، وأضافوا بالقدوة الصالحة إلى أمة الإسلام شعوباً أكثر مما أضاف الفتح بالسيف والجيوش الجرارة.
ومن هؤلاء التجار رجل يدعى أحمد باكثير استقرَّ في مدينة «سوربايا» في جزيرة «جاوى» إحدى الجزر الأندونسية مع زوجته وظل يرعى تجارته حتى كان عام 1910م رزقه الله مولوداً ذكراً أسماه علياً تيمناً بالإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وتربي الصغير في حجر أبويه ينهل من حبّهما في جو أسري هادئ تخيّم عليه ظلال الألفة والمحبّة، فكان من الطبيعي أن تظهر عليه مخائل النجابة والفطنة منذ نعومة أظفاره.
وأغلب الظن أنه تلقّن اللسان العربي إلى جانب ماكان يسمعه من لهجات البلاد المحلية، كما حرص والده على تلقينه حب بلاده القاطنة هناك خلف البحار.
وكما هي عادة الحضارم الذين يعيشون خارج بلادهم آنذاك يكنّون لها حباً عميقاً يدفعهم إلى المسارعة في إرسال أبنائهم إليها ليتلقوا فيها علوم الشريعة والعربية، وليأنسوا فيها بالقرب من الأهل والوطن.
وكذلك فعل أحمد باكثير، فعندما بلغ فتاه الثامنة من عمره أرسله إلى أخواله في مدينة سيئون، فبقي في كنفهم زمناً، نال على أيديهم وأيدي علماء آخرين قسطاً وافراً من علوم الدين واللغة.
ولم تكد سن الفتى تصل الثالثة عشرة حتى أقبل على الشعر العربي حفظاً ونظماً، حفظ الكثير من شعر الأقدمين وأعجب بالمتنبي، وكان له تأثير السحر في نفسه الشاعرة، فترك عليها بصمات واضحة ظهرت جلية في شعره منذ البدايات الأولى، ولاقى تشجيعاً كبيراً من شيوخه وزملائه، وتوقع كثير منهم مستقبلاً زاهراً له، فراح يمنّي نفسه في أن يصير علماً في زمرة شعراء العربية الأفذاذ.
تزوج علي أحمد باكثير في سن مبكرة من فتاة جمعتهما رابطة القلوب قبل أن يجمعهما عقد الزواج، وبدأت الأسرة الصغيرة تشق طريقها في عباب الحياة، تخيّم عليها السكينة والرحمة والحب، لكن الدهر قلب لها ظهر المجن، فلم تمض فترة قصيرة إلا ويد الموت تطفئ تلك الفرحة، فتخطف من الشاعر الوله عروس أحلامه، وتتركه وحيداً ينثرُ آلامه قصائد حزينة باكية.
وكانت هذه المأساة هي اليد الفاعلة في إذكاء جذوة الأحزان في شعر البدايات عند «باكثير»، كما أنها كانت من أسباب هجرته عن حضرموت، إضافة إلى أسباب أخرى: تتمثل في ذلك النزاع الحاد الذي قام بين المحافظين على ماورثوه من بدع وخرافات، وبين المجددين الذين تنادوا إلى الدخول في عهد جديد يسود فيه العقل المستنير، والفكر الأصيل، وكان باكثير من هذه الطائفة الأخيرة.
رحل باكثير عن حضرموت بنفس مكتئبة حزينة، ومر على مدينة عدن، ومنها ركب البحر إلى الساحل الأفريقي الشرقي، فمر على الصومال، والحبشة، وغيرها من البلاد، وأكثر من تطوافه لعله ينسى مصابه الجلل، لكن المأساة كانت أعظم من ذلك لأنها ارتسمت على نفس شاعرة، وهيهات للنفس الشاعرة أن تجد سلواها عن مصاب منيت به.
وإلى الحجاز حزم حقائبه، وظل متردداً بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، وكانت هذه المدن الثلاث تشهد نوعاً من الازدهار فعقد باكثير صلات مع كثير من أدبائها، وبدأت نفسه تخفف من أحزانها، وبدأ النسيان يضع بلسمه الشافي على تلك الجراح المثخنة، وبدأت عيونه تتفتح على أدب العمالقة وعلى فن المسرح الشعري بالذات، فأعجب بالشاعر أحمد شوقي، وألّف مسرحية همام، أو في بلاد الأحقاف، لكن نفسه الطموحة ظلت تتوق إلى منهل أغزر للأدب، وأطاع الفتى طموحه فوصل إلى مدينة القاهرة عام 1934م ولأمور يعلمها الله رغب باكثير عن الدراسة في الأزهر، ودخل كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول جامعة القاهرة حالياً ودخل قسم الأدب الانجليزي فيها حتى تخرّج عام 1939م، ثم واصل دراسته في كلية المعلمين، وحصل منها على دبلوم في التربية عام 1940م، وبهذه الشهادة عمل مدرّساً للغة الانجليزية في مدارس مصر الثانوية.
وفي القاهرة تعرف باكثير على كوكبة من الأدباء، وفي مقدمتهم العالم الكبير محب الدين الخطيب صاحب جريدة الفتح التي بدأ باكثير ينشر نتاجه الأدبي فيها، وعقد صلات أدبية مع كبار أدباء مصر مثل: العقاد، والمازني والصيرفي، ونجيب محفوظ، كما كانت تربطه علاقة حميمة بالأستاذ عبدالحميد جودة السحّار، وتزوّج من فتاة مصرية، ثم حصل على الجنسية المصرية.
وفي القاهرة كان له نشاطُ أدبي بارز منحه أكثر من أربعين عملاً أدبياً وجعله في مقدّمة النوابغ خاصة بعد ابتكاره القالب الجديد في الشعر، أو مايعرف بشعر التفعيلة.
ظل باكثير مرتبطاً ببلاده اليمن، فهاهو ذا يؤلف أول مسرحية له في الطائف همام، أو في بلاد الأحقاف، حول حضرموت، ويقول في مقدّمتها:« كلّنا يعلم أنَّ في حضرموت بدعاً في الدين يجب أن تنكر وتزال مافي ذلك شك، وأنَّ فيها جهلاً يجب أن ينار بمصباح العلم مافي ذلك مرية، وأن فيها جموداً يجب أن يدكَّ صرحه، وعادات سيئة يجب أن تصلح، فالمسألة مسألة وطن بائس يلزم إنقاذه، وشعب مريض يجب علاجه».
وفي شعره أيضاً تنعكس أبعاد حبه لليمن، فهاهو ذا يقول:
قلبي به شطران: بين المسلمي ن وبين شعبي الحضرمي
آسي على مجد لهم متهدّمٍ ويحي لذاك السؤدد المتهدّم
وعندما أطيح بالإمام يحيى بن محمد حميد الدين سنة 1948م فرح باكثير بذلك وصرخ بأعلى صوته:
ملك يموتُ وأمّةٌ تحيا بشرى تكادُ تكذّبُ النعيا
ماكان أبعد أن نصدّقها سبحانَ من أردى ومَن أحيا
اليوم تبعثُ أمّةٌ أنفٌ تبني ليعربَ قبّةً عليا
شعبٌ نضا الأكفانَ عنه وقد بليتْ فأهداها إلى يحيى
ثم يتوجه إلى الشعب اليمني ناصحاً:
ياأيها الشعبُ الطليقُ أتى عهدُ الحياة فأحسنِ اللقيا
أنتَ ابن مَن شادوا حضارتنا من قبل أن تتلقّن الوحيا
هيا البدار إلى الفخار فقد نادى المنادي من عل: هيّا
الآمرُ الناهي قضى ومضى وملكتَ أنتَ الأمر والنهيا
ولم يشغله حبه لوطنه اليمن عن مشاكل العرب والمسلمين فراح يتحسسها بفكر الكاتب، وقلب الفنان، وقدم أعمالاً أدبية، عالج فيها مشاكل العرب والمسلمين، وعلى رأسها قضية فلسطين يقول باكثير في إحدى مقابلاته:« أنا كاتب مسرحي متفائل مؤمن بالإنسان كجزء من إيماني بالله، وأتمنّى على الله أن يعيد العرب كما كانوا: خداماً للإنسانية، شهداء عليها».
وفي الستينيات من القرن الماضي زار باكثير حضرموت، والتقى فيها بأهله وأقاربه، ثم عاد إلى القاهرة لينام هناك رقدته الأبدية هادئاً مطمئناً حيث أسلم روحه إلى ربّها سنة 1969م فلقد بذل مافي وسعه لأمته ووطنه رحمه الله.
- علي فرحان عبدالله خالد
27/9/1357ه 1895 - 19/11/1938م
ولد في قرية الخريبة من عزلة الأخدوع من ناحية مقبنة محافظة تعز، كان هو الإبن الأكبر لوالديه، نشأ طفلاً في القرية يعمل مساعداً لأبيه، الذي كان يعمل حائكاً لبعض الملابس القطنية، فكان يشد له الحبال، ويخلط ألوان الصبغة، ويجفف الثياب على حر الشمس، يوم لا مكواة، ولا كهرباء.
وترعرع أيضاً في جبال شامخة تطل على صحارى شط البحر الأحمر، قبالة المخا والخوخة، له من الأغنام ذود يرعاه للموسرين، من أهل القرية فيعطى عليه أجراً، حتى صلب عوده، وزكا شبابه، فاقترن بإحدى حسناوات قرية الحجين، كانت تسمّى سلامة، فأنجبت له الولد، وتغنّت بحبه في هضاب الوادي، ورعت إلى جانبه الماشية، وشاركته الحبّ والحرث حتى أدرك أحلام الرجال، من غنى، وثروة، وتملك المزارع، ولكن لايمكنه تحقيق ذلك إلا بالرحيل عن يمنه الحبيب، والخروج من دولة السلطنة العثمانية التي كانت تحتضر، والحرب العالمية الأولى على أشدها، فكان ينتظر أن تضع الحرب أوزارها، وتأمن السفن السيارة في البحار ليرحل إلى ميناء عدن البريطاني أو إلى «مسوغ» الإيطالي، وكلاهما مستعمر، فما أن سمع بإخماد الحرب حتى التحق مشياً على قدميه بسفينة الجاز الراسية في ميناء المخا ليقذف بنفسه إلى إحدى ردهاتها، طالباً من قائدها قبوله عاملاً في حجرة تزويدها بالفحم، لايحمل جواز سفر من أي دولة يوم لا دولة، ولايسمع عن بطاقة تحقيق شخصيته، ولا بلاغ له إلا بالله.
فأبحرت بعد أيام سفينة الجاز حتى رست في ميناء عدن، وبدأ رحلة المهجر والاغتراب، التي امتدت به زهاء سبع سنين، كلها في أحضان الموج المتلاطم، وعلى آثار السفن والأساطيل الحارقة والغارقة فكان سميرهم، ونجيَّ غَمٍّ لا لغة يفهم، ولا علماً يعلم ولكنه كان شديد الحرص على أن يكون خدوماً ومطواعاً لايكل ولايمل، يحافظ على مااعتاده في قريته من شعائر الصلوات، والتلاوة والذكر، والدعاء وكلما نزل ميناء من موانئ أوروبا وامريكا لايهمه سوى شراء الضروريات لنفسه من حاجات الرحال البحري.
وفي سنة 1347ه /1928م تقريباً عاد ميمون الكسب، وافر الرزق، ولما كانت سفينته ترسو في ميناء عدن، وقلبه يرف إلى بلاده وقريته ليقبّل والده أولاً وأمه، كان والده فرحان حينذاك يعالج سكرات الموت، ويرحل إلى ربه دون الخمسين ويترك لابنه الأكبر علي المهاجر العائد اخوة صغاراً من أمه سلوم، ومن زوجته الأخرى الحاجة مريم بنت فارع ليصل هذا العلم المهاجر إلى قريته أثر دفن أبيه، ليجد نفسه مسئولاً عن عدد من الأخوة والأبناء، فيحمل على كاهله هم العيلة، وتعليم اخوته، ورعاية أسرته حتى لاقى ربه في السنة المذكورة وهو دون الأربعين.
فرحمه الله وأهله أجمعين
- عمر بن طه السقاف
1299 1369ه
1882 1950م
في مدينة الشحر من بلاد حضرموت كان مولده، وفيها درج مع أتراب له على بساط الحياة العلمية حيث تتلمذ على يد جماعة من علماء بلده، متردداً بينها وبين مدينة سيئون.
غير أنَّ هجرته إلى الهند كانت لها اليد الطولى في توسيع مداركه ومعارفه كيف لا وقد التقى هناك بعالم حضرموت وشاعرها الأكبر أبي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين.
ومن الهند رحل إلى جزيرة «جاوة» حيث استقرَّ هناك في مدينة «سوربايا» مثوى كثير من الحضارمة المهاجرين، وهناك أنشأ مجلة شهرية سماها «الرابطة العلوية»، وقد استمرت هذه المجلة قرابة أربع سنوات.
كما شارك بمقالات عديدة في صحيفة كانت تصدر هناك أسبوعياً اسمها «الإصلاح»، ولم يكن عمله في الصحافة ليشغله عن تحسس أحوال المهاجر اليمني حيث التقى مع عدد من المهاجرين اليمنيين وعملوا على تأسيس كثير من الجمعيات والمدارس في مختلف المدن الأندونسية.
وإلى جانب ذلك كان يمارس التجارة جاعلاً منها مموناً رئيسياً لأعماله الخيرية، كما كان يدير مصنعاً في مدينة «بتاوي» الأندونسية.
وفي أوقات فراغه كان يخلو بالقرطاس والقلم ليسجل خواطره ومشاعره شعراً ونثراً، لعلنا لانبالغ إذا قلنا أنَّ صاحب هذه الترجمة يعد من أوائل الروائيين اليمنيين حيث ألف رواية من جزئين سماها «فتاة قاروت»، ورواية أخرى مجهولة الاسم، اضافة إلى ديوان شعر، وبعض دروس المحفوظات لطلبة المدارس الإبتدائية.
رحم الله السقاف فقد كان بحق علماً من أعلام المهجر، وأديباً لايشق له غبار.
- عمر بن علي بن هارون الجنيد
مهجر سنغافورا
1260ه - 1844م
لم يكن في سنغافورا الزاهية بحركتها التجارية، واختلاط أجناس وأديان سكانها خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي أذيع ذكراً، ولا أشهر اسماً، من المهاجر اليمني المغترب الذي لايجهل اسمه ولاضريحه المتربع في قارعة الشارع الأكبر من «سنغافورا» أي من أهل البلد، أو الوافدين إليها، إنه عمر بن علي بن هارون المشهور بلقب الجنيد.
لقد كان فخر المجالس، وزينة الأسواق، ونبراس فضل وأمانة لدى سكان المدينة والجزيرة، حتى شاع وذاع بين العامة والخاصة علمه، وفقهه وأدبه، وسعيه في الخير، وجهاده في البر، وصدقه في التعامل، وحبه للناس، وتعاونه على تشييد مؤسسات العلم والعبادة، حتّى رأت فيه حكومة «سنغافورا» مارأت من مكارم الأخلاق والشيم، فمنحته ثقتها، وشجعته على جمع الأموال من المحسنين والحكومة، لبناء ملاجئ الفقراء والمساكين، والمساجد، والمدارس، وأصبح ثقة مكيناً لدى الشعب والدولة، فاستغل حسن علاقته بالحكومة السنغافورية وشيّد في صميم قناعات رجالها أهراماً شامخة من المحبة، والاحترام لكل أبناء اليمن، بل والعرب والمسلمين قاطبة، فكان سفيراً لبلاده دون سفارة ولاقرار، حتى كان السنغافوريون يبتعثون بسبب هذا العلم الخفاق أبنائهم للدراسة وتلقي العلم في اليمن الذي أنجب الجنيد.
لم يكن الجنيد إلا أحد مواليد مدينة تريم وأحد طلاب أربطتها، وفلاح حقلها قبل أن يرحل شبابه، وعزيمته إلى بلاد «سنغافورا» ومع كل صنائعه الخيّرة في رعاية أبناء بلده في المهجر تمكّن من جمع ثروة كبيرة من الأموال، وضارب في الأسواق التجارية بالسلع والنقود، فكان غنياً ثرياً، وكان كثير الهمّ بشئون بلاده، وإقامة السلطان السياسي الذي يقيم العدل، ويقمع الظلم، ويحمي الضعفاء، من أجل ذلك كان يمد السلطان غالب بن محسن الكثيري سلطان حضرموت بأموال طائلة، لإحياء السلطنة الكثيرية في حضرموت.
وحتى اليوم وبعد رحيل الجنيد عن الدنيا بحوالي مائة عام تقريباً، يجد زائر مدينة «سنغافورا» مسجداً بديع الروعة والجمال في شارع يستلفت القلوب والأبصار، يسمّى مسجد الجنيد.
ودفن الجنيد في دار هجرته التي رحل عنها إلى ربه بعد سنة 1260ه / 1844م، وبعد موته رثاه لفيف من الشعراء منهم العلامة أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب بقصيدة منها:
إذا زرت الجنيد وجدتَ حبرا أبيَّ النفسِ أوّاهاً منيبا
قرين العصرِ في الجلّى وكم قد قنى بذكائه العود الصليبا
فرحم الله الجنيد، وأخاه العلامة أحمد بن علي الجنيد، صاحب الفضل والعلم، وخاله ورفيق هجرته علي بن محمد الجنيد، شامات المهجر، وعيونه وأعلامه.
- عيدروس بن عمر بن عبدالرحمن بن أبي بكر المشهور
8132 1380ه
1910 1980م
بالقرب من منارة المحضار الشامخة في مدينة تريم وُلد وترعرع وتعلم منها الشموخ والسمو يحثّه على ذلك أبوه العالم الفقيه وجمع من مشائخه الذين درس عليهم.
وفي مدن حضرمية أخرى كان له صولات وجولات في حلقات الدرس، ومجالس العلماء فنبغ وبرز، عالماً حاد الذكاء صافي الذهن، صائب الرأي.
ومن حضرموت إلى سنغافورة كانت رحلته الأولى التي فتّقت أكمام وعيه عن دنيا الله الواسعة، وتوالت بعد ذلك رحلاته حتى وصل إلى جزيرة جاوة من بلاد أندونسيا حيث وجد كثيراً من أبناء حضرموت كانوا قد سبقوه إلى هناك فأحس في قرارته أنهم يمثلون قطعة من بلده منحه الله القرب منهم ليخفف عنه ألم الاغتراب فكان قربهم نعمة أحب أن يؤدي شكرها بعمل خيري يعود بالنفع على أهل بلده فهداه الله إلى أن يؤسس جريدة تهتم بشؤونهم وتعمل على تنمية ورعاية مواهبهم ونشر ثقافتهم فكانت جريدة «حضرموت» ملتقى دورياً تتلاقى فيه الأفكار وتتحاور العقول وتجد فيه القلوب التي أمضها ألم البعد مساحات معشبة من الأمل والرضى في صحراء البعاد المجدبة.
وخلال عشر سنوات كاملة كانت «حضرموت» الجريدة حية متألقة يمثل أوان صدورها موعداً أخضر لكل عشاق الكلمة، مزدانة بالأبحاث العلمية، والتاريخية والسياسية كيف لا وقائدها عالم خطيب بارع يجيد اللغة الأندونسية إلى جانب لغته العربية الأم، ولأنه كان كذلك فقد دُعي إلى كثير من المؤتمرات العلمية، واشترك مع بعض العلماء في أول اجتماع لتأسيس جمعية نهضة العلماء في أندونسيا تلك البلاد الساحرة التي أثرت الاحتفاظ بعيدروس المشهور حياً وميّتاً.
- محسن بن عبدالله بن محسن بن علوي بن سقاف بن محمد بن عمر بن طه السقاف
1224 1357ه - 1877 1938م
صاحب هذه الترجمة شاعر مجيد، وعالم فاضل ولد في مدينة سيئون من بلاد حضرموت، وماكاد يترك مراتع الطفولة حتى تلقّفته حلقات العلم، فبدأ بالدراسة على أبيه ثم على جمع من العلماء في كثير من المدن الحضرمية حتى أجيز بالتدريس والافتاء فاستأثرت به زاوية من زوايا مسجد «طه» في مدينة سيئون معلماً فاضلاً، وعالماً يقصده طلبة العلم من نواح شتى في حضرموت.
ولما دعاه داع الهجرة والارتحال يمم شطر جزيرة «جاوة» حيث استقرَّ فيها في مدينة «الصولو» موزعاً أوقاته بين التدريس والتأليف وكتابة الشعر فأسفر هذا الجهد العلمي عن مجموعة من المؤلفات أشهرها كتابه «تعريف الخلف بطريق السلف»، وكتاب «توصية الأخوان والأصحاب بالعمل بما في السنة والكتاب».
وله شعر عذب منه قصيدة كتبها يمدح بها السلطان «عبدالرحمن العاشر» سلطان مدينة «الصولو»، ومنها:
دمْ على العرشِ في هناء وممْتعْ
وبروضِ السرورِ والأنسِ فارتعْ
هذه أربعون في الملكِ مرّتْ
في رجاء بأربعينَ ستتبعْ
أنتَ مولى البلادِ حقاً وصدقاً
وملاذُ الجميعِ في كلِّ مفزعْ
أنتَ في المكرماتِ أصلٌ وفرعٌ
غير بدعٍ قيما بدا وتفرّعْ
- محمد بن أحمد بن حسين بن عمر بن سميط
موسوعة لغوية متحركة
1328 1400ه
1910 1980م
أحد طلاب رباط تريم المشهور تتلمذ على يد جماعة من مشاهير العلماء ومثل كثير من أبناء حضرموت هاجر إلى أندونسيا ملتحقاً بأشهر مدارسها العربية فنال قدراً وافراً من العلم غير أنه لم يشف غليله فأم قاهرة المعز في أرض الكنانة ملتقى علماء الدنيا، وهناك التحق بجامعة الأزهر، ولأنه طالب متميّز فقد عُهد إليه برعاية مجموعة من الطلاب الحضارم حتى إذا تاقت نفسه إلى مزيد من التجوال في أرض الله الواسعة يمم نحو بلاد الضباب أوروبا طالب علم، وسائحاً متجولاً نال مبتغاه من العلم وحب الاطلاع، فعاد إلى أندونسيا مدرساً في ذات المدرسة التي كان طالباً فيها.
ولما كان تجواله في عدد من البلاد قد أكسبه معرفة واطلاعاً على أساليب الاتصال الجماهيرية الحديثة آنذاك كالمقالة الصحفية وغيرها، فقد عمل مراسلاً خاصاً لصحيفة الأهرام المصرية، وكان تبعاً لذلك يتردد على مصر وقد أتيح له في مرة من مرات زياراته للقاهرة أن التقى بالشيخ حسن البنا فأعجب به، وحضر له كثيراً من محاضراته، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وتخرج منها مواصلاً دراسته العليا فيها حتى إذا أوشك أن ينال شهادة الدكتوراه توفيت زوجته، فانسحب من مضمار العلم طاوياً جناحيه على جراح غائرة وحزن مرير.
من أساتذته الذين درس عليهم الدكتور طه حسين، والشاعر علي الجارم، والدكتور أحمد أمين، والدكتور عبدالوهاب عزام، والشيخ أمين الخولي، والدكتور شوقي ضيف، ولعله نال الجنسية المصرية فقد عُيّن ملحقاً ثقافياً لسفارة مصر في أندونسيا، ولكن القدر الذي حال دون نيله شهادة الدكتوراه بموت زوجته عاد ليحول بينه وبين عمله الجديد في أندونسيا، فقبل صدور قرار التنفيذ لعمله في السفارة المصرية في أندونسيا بيوم واحد سقطت حكومة الوفد إثر حريق كبير شبَّ في مدينة القاهرة.
ولما بنت مصر مركزاً إسلامياً في مدينة «هرجيسا» في الصومال صدر قرار بانتدابه مديراً لهذا المركز فمكث هناك عاماً كاملاً غير أن عاطفه الأبوة الجياشة أجبرته على مغادرة الصومال عائداً إلى القاهرة لرعاية أبنائه الذين رضعوا لبان المعارف على يديه، ونجحوا في دراساتهم، فصار منهم المهندس والقانوني وغير ذلك، ولعل أهم مايميز هذا الفارس العملاق أنه كان يجيد إلى جانب اللغة العربية عدة لغات منها: الانجليزية والألمانية والعبرية، والسريانية، والأندونسية، والهولندية، وهو أول من استهل الاذاعة الموجهة من مصر إلى أندونسيا.
وفي يوم من أيام عام 1400ه/1980م خرج سكان القاهرة في موكب جنائزي حزين يودّعون علماً من أعلام العروبة والإسلام التقت في شخصيته الفذة صور التلاحم بين مصر وحضرموت.
- محمد بن سالم بن عيدروس بن سالم الحبشي
../12/1312 12/10/1364ه
../6/1895 19/9/1945م
في مدينة الغرفة إحدى الضواحي الزاهية لمدينة سيئون من بلاد حضرموت ولد صاحب هذه الترجمة، وفيها تلقى معارفه الأولى حتى إذا ماقوي عوده وصلب جسمه تنقّل طالباً للعلم في حواضر حضرموت وخاصة مدينة تريم.
رحل في طلب العلم إلى كثير من البلاد منها أندونسيا، وسنغافورا، والحرمين الشريفين، وزار مدينة صنعاء والتقى بالإمام يحيى بن محمد حميد الدين إمام اليمن آنذاك، ومكث لديه فترة ثم رحل إلى مدينة صبيا في بلاد المخلاف السليماني ثم عاد إلى مكة حاجاً، وزار قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، ثم عاد إلى بلده وقد حصّل لنفسه قسطاً وافراً من العلم وإجازات كثيرة من عدد من شيوخه الذين درس عليهم.
وتستأثر به مدينة سيئون في الفترة الأخيرة من عمره عالماً مشهوراً بالفضل والورع بين خاصة الناس وعامتهم.. ويمضي بقية عمره بين ذكر وتلاوة وتدريس حتى إذا ماحان أجله ودعته الأحبة وقلوبهم ترجف حزناً عليه لما عرف من علمه وزهده وورعه.
- محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن علوي بن محمد المشهور
1323ه - 1905م
صاحب هذه الترجمة سليل أسرة علمية عريقة..أنجبت عشرات العلماء ولعلها عرفت بأسرة آل المشهور لشهرة علمائها التي غمرت الآفاق.. في مدينة تريم من بلاد حضرموت كان مولده، ونشأته، وفيها بدأت رحلته مع العلم والعلماء طالباً يتنقل بين أربطة العلم وحلقاته، يستجلي كل فريدة من فرائد العلم والمعرفة لايكل ولايمل جاعلاً من علوم الدين واللغة رياضاً وبساتين يتفيأ ظلالها الوارفة، حتى إذا ماعبَّ من منهلها الرقراق اتجهت به ركائب العلم نحو التصوف النبيل مملوءاً بالخشوع، مزدان بالإخلاص، فتصير العبادة بذلك محاريب تتلألأ فيها قناديل العشق الرباني بعيداً عن الغلو، والإفراط والتفريط.
ولما كان صاحب الترجمة عالماً ربانياً ألقى الله محبّته في قلوب الناس: خاصتهم وعامتهم فاتجهوا إليه طلاب علم، ومريدي إرشاد،وجعلوه سيّدهم المطاع، لايصدرون في شاردة ولا واردة إلا بمشورة منه.
وشاء الله له أن يبتعد عن بلده وأن تلقي به رياح الترحال إلى «سنغافورا» حيث استقرَّ في مدينة من مدنها تدعى «بتاوي»، وهناك بدأ نجمه يشع، وذكره ينتشر، حتى صار حديث المجالس، يتسابق عشرات الطلاب في الدراسة عليه، والتلقي عنه في شتى أنواع المعارف.
ولأن حياة العالم لاتستقيم إلا بزوجة صالحة فقد وفّقه الله إلى ذلك، وتزوج من فتاة أنجبت له الأبناء النجباء، وكانت له سكناً ورحمة تعينه على طاعة الله، وتقيه من هواجر الغربة، وعواصفها، فكان ذلك باعثاً قوياً في أن يجدد نشاطه في الدعوة إلى الله، والسعي الحثيث في إصلاح دنيا الناس بدينهم على أساس من الاتصال بالله.
وتنادى مع كثير من رفاق دربه على إيجاد رابطة تعمل على قضاء مصالح المسلمين فكانت «جمعية خير» التي قدمت مصالح جمة للمسلمين بفضل الله ثم بفضل هذا العالم المخلص الذي أفنى ماتبقى من عمره هناك بعيداً عن بلده في تسهيل أمور المسلمين حتى أسلم الروح لبارئها..رحمه الله.
- محمد بن عبدالرحمن بن شهاب الدين العلوي
1287 1349ه
1870 1930م
في مدينة تريم من بلاد حضرموت كان مولده، ونشأته وفيها تلقى بعض العلوم عن لفيف من علمائها، ولم يكد يتخطى ميعة الصبا إلا وداعي التطواف في أرض الله يستفزّه فيطلق لراحلته العنان إلى جزيرة «جاكرتا»، وهناك في مدينة «بتاوي» يلقي عصى الترحال، ويتلفت يمنة ويسرة باحثاً عن مجال يمكن أن يسهم فيه فيجد بابين أحدهما للعمل الخيري والآخر للعمل الثقافي فعمل فيهما دون توان أو خمول حتى اختير رئيساً لإحدى الجمعيات العربية التي أسسها هو ومجموعة من الفضلاء.
ولما كانت له اهتمامات تاريخية فقد أحب أن يقدّم لتاريخ بلاده شيئاً ينتفع به فألف في ذلك بعض الرسائل التاريخية وضحّ فيها دخول الحضارمة إلى جزر القمر في شرق أفريقيا.
وفي مدينة «بتاوي» فاضت روحه الطهور بعد عمر حافل بالعلم والعمل.
- محمد بن علي البار
الطب في محراب الإيمان
1358ه - 1939م
علم من أعلام اليمن ملأت شهرته الآفاق فهو واحد من مشاهير أطباء العالم ولد في الثغر الباسم مدينة عدن، وفي مدارسها تلقى دراسته حتى حصل على الثانوية بتقدير عال طار به إلى أرض الكنانة، فاحتضنته قاهرة المعز طالباً في كلية الطب، وماهي إلا سنوات حتى تخّرج منها بتفوق مع مرتبة الشرف.
لم يكمل البار دراسته في القاهرة حتى كان دافعاً قوياً من الشوق يدفعه للعودة إلى مدينة عدن حاملاً بين جوانحه آمالاً عراضاً في تقديم العون لأبناء وطنه عبر المستشفيات الحكومية وعيادته الخاصة، فاشتهر أمره، وذاع صيته، حتى عيّن مديراً لمستشفى الملكة «اليزابيث» في عدن وهو المستشفى الذي عُرف فيما بعد بمستشفى الجمهورية.
أحس البار أنَّ اليمنيين لايعانون فقط من الأمراض العضوية ولكنهم جمعوا إلى ذلك أمراضاً اجتماعية وفكرية لاتقل خطراً عن الأمراض العضوية إن لم تكن أشد منها فتكاً وأمضى أثراً، فتعاون مع الخيّرين في تأسيس المركز الإسلامي في مدينة عدن ورفده بكل ماأتيح له من إمكانيات وجعل منه مشفى للقلوب والعقول يؤازره في ذلك كوكبة من العلماء والشباب المخلص لدينه ووطنه، ولم تمض فترة يسيرة حتى أصبح هذا المركز منارة علم، وإشعاع إصلاح تروده فئات شتى من المجتمع يلتمسون فيه معرفة دينهم، وصلاح دنياهم ولّما دخلت عدن معترك الأحداث الثورية، ورحل أثر ذلك الاستعمار البريطاني فشكّلت أول حكومة ماركسية، أقلقها مايقوم به المركز الإسلامي من أنشطة تربوية وتثقيفية ذلك إنَّ الأنظمة الشمولية برمّتها لاتنمو ولاتترعرع إلا في ظل من الجهل والتخلف تقتلها حرارة العلم كما تقتل الحشرات الضعيفة حرارة الُشمس.
ومن أجل ذلك أغلق المركز الإسلامي، وصودرت كتبه، ونهبت أمواله، وطورد رجاله المخلصون، فاعتقل جماعة منهم، واستطاع الآخرون الإفلات من القبضة الحديدية، ومنهم الدكتور البار الذي حن إلى أيامه الأولى في مدينة القاهرة فهاجر إليها مخلفاً عصابة تنكرت لدينها وأمتها تعيث في الأرض فساداً وتطمس كل معالم الهداية وإشعاعات النور.
ولّما كانت هّمته عالية، وطموحه لايحد، فقد واصل تحصيله العلمي في مجال الطب، ثم رحل إلى بريطانيا وحصل على عضوية الكلية الملكية البريطانية، ثم انتهت به الأسفارُ إلى بلاد الحجاز حيث استقرَّ في مدينة جدة طبيباً مرغوباً في كل المستشفيات لما له من سمعة نقية، وأثر طيب، وزاد على ذلك أن فتح له عيادة خاصة عمل فيها داعياً إلى الله وطبيباً همه شفاء الإنسان روحاً وجسداً بعيداً عن مطامع المادة التي أحالت الكثير من الأطباء إلى عباد لمادة فانية جماعين لمتاع زائل.
تميّز البار بشفافية فائقة وقدرة عجيبة على ربط مكتشفات العلم في مجال الطب بمعالم الإيمان، يؤازره في ذلك معرفته بآيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان ثمرة ذلك جملة من الكتب التي ذاعت في الآفاق واعتمدت عليها كثير من المؤسسات الطبية في العالم، ومن أهم هذه الكتب «خلق الإنسان بين الطب والقرآن»، الذي طبع عدة طبعات، وكتاب «الخمر بين الطب والفقه»، و«دورة الأرحام»، و«العدوى بين الطب وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم»، كما ألّف كتاباً يتناول حياة المسلمين في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، كما نشر كثيراً من المقالات في بعض الصحف والمجلات السعودية، ولايزال حتى اليوم عالماً بارزاً ويجول داعياً إلى الله على علم وبصيرة مقدماً جهود مضنية في إيصال حقائق الإيمان في مختلف المؤتمرات الطبية التي يدعى إليها..أطال الله في عمره.
- محمد بن قاسم الكلاع
1318 1420ه
1900 1999م
ناهز التاسعة والتسعين من عمره المديد المبارك في مدينة «برمنجهام» في المملكة المتحدة ولم يشخ منه سوى الشعر الكثيف، ولايزال بعضه يرتدي رداء الشباب.
مديد القامة والصبر..ولد في قرية جبلية بين فكي مضيق وادٍ يسمّى الهقيف، من ضواحي مدينة مقبنة، من محافظة تعز.
نشأ كغيره طفلاً يدرس في كتّاب قروي مع أطفال القرية، ثم رعى أغنام أسرته هناك في تلك الجبال الصخرية الشامخة في بلاد شمير حتّى بلغ من العمر خمساً وعشرين سنة، وكان ينتظر هدوء العاصفة، وأن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها تماماً بعد هزيمة تركيا، واستحكام الحلفاء بقيادة الإنجليز في مصائر الشعوب العربية والإسلامية.
فلما آن له أوان الرحيل سنة 1928م شدَّ في جيبه الرث ريالين تقريباً من عملة الفضة «سانت تريزا» ليتجه إلى مدينة عدن المستعمرة البريطانية يومها ومن ثم إلى سفينة مبحرة نحو لندن، تجوب المحيط، وتعرج بعدد من الموانئ حتى بلغ به الترحال مناه، فعاش أمداً من الدهر ينتظر فرصة قبوله بحاراً في سفينة تجارية حتى ظفر بمنيته وعاش سنين بين الأمواج في بطون المحيطات عاملاً على جهاز الدفع بالفحم كوسيلة وقود للسفن، حتى هيّأ الله له أن رست السفينة في ميناء «كاردف» وبها أناخ الرحال وحط الأحمال، وأقام في رحاب المدرسة الجديدة الصوفية العلوية ذات الطريقة التي شرعها الشيخ «أحمد بن مصطفى العلوي» في مدينة «مستغانم» الجزائرية، وأوفد تلميذه النبيل الشهيد «عبدالله علي الحكيمي» داعية ومربياً للمسلمين هناك فكان المهاجر الكلاع أحد تلاميذ تلك المدرسة الروحية وزميلاً متتلمذاً على يد الشيخ الحكيمي يقيم في رحاب زاويته، ويعمل في كسب رزقه من مصانع الحديد في مدينة «كاردف» عاصمة اقليم «ويلز» البريطاني.
وشمخ ذكره وعلا صوته في آذان المغتربين، وبسلوكه القويم تمتّع باحترام أبناء الجالية اليمنية، وشيد احتراماً للمسلمين في قلوب الإنجليز، وعمل بعد رحيل الشيخ الحكيمي إلى اليمن خطيباً للجمعية في جامع «نور الإسلام» في مدينة كاردف.
ولما تجمعت الجالية اليمنية في مدينة «برمنجهام» ونشبت مكايدات سياسية بين الموالين للإمامة في اليمن، والثوار الدستوريين، انحاز الشيخ محمد بن قاسم الكلاع إلى مدينة «برمنجهام» ليشيّد الزوايا العلوية في حي «بوصل هيث» زاوية بعد أخرى يقيم فيها الصلوات والجمعة والجماعات واتخذها معقلاً للذاكرين الله كثيراً والذاكرات وحصناً لأبناء الجالية اليمنية من مزالق الإنحطاط، ومذابح القيم، وأقام منزله بجوارها، ولازال كذلك حتى اليوم.
حافظ على كسبه الحلال من عمل يده، وتعلم وعلم وأصبح عمدة للمسلمين في مدينة «برمنجهام» لكل الجاليات، أمام مجالس المدينة وهيئات الديانة المسيحية، فهو الذي يقوم على رعاية شؤونهم الدينية، وتجهيز موتاهم، والمطالبة بحقوقهم، ومع ذلك لم ينس بلده ولا أهل قريته، فلقد عاد إلى الوطن مرات ثلاث: الأولى منها بعد هجرة دامت خمسين عاماً أي: في عام 1974م، وفيها اقترن ببنت خاله زوجة له بعد أن ناهز السبعين، وبقدر علاقته بربه بوركت له فأنجب منها البنين، ونشأهم على نهجه، وشهد زواجهم وإنجابهم.
كان علماً خفاقاً في دنيا المهجر حفظ نفسه في الصغر، فأكرمه الله وحفظها له في الكبر، مداوماً للأوراد بالذكر والتلاوة والتسبيح في ليل الجفوة والجفاف الروحي البهيم قدوة صالحة، وأسوة للمغتربين.
وفي مدينة «برمنجهام» صعدت روحه الطهور إلى بارئها بعد مائة من السنين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
- يحيى بن عبدالكريم بن محمد الفضيل
1332 1412ه
1914 1992م
صاحب هذه الترجمة من مدينة شبام كوكبان، وهي حاضرة من حواضر العلم العتيقة تخرج منها مئات العلماء، واشتهرت بمراحل التاريخ الإسلامي المختلفة ساحة علم وإشعاع معرفة.غير أنَّ صاحب الترجمة لم يكتف بالدراسة فيها إذ علم أنَّ في مدينة ثلا عالم فاضل يتسابق طلاب العلم للدراسة عليه، ألا وهو العلامة علي بن حمود شرف الدين، فرحل صاحب الترجمة إليه، ولازمه طويلاً حتى برع في علوم كثيرة أهّلته لأن يتولى في عهد الأئمة الملكي إدارة مالية مدينة شهارة، من محافظة عمران.وحين قامت الثورة الجمهورية سنة 1382ه/1962م وألغت النظام الملكي وقام على إثره النظام الجمهوري رحل صاحب الترجمة إلى بلاد السعودية، واستقرَّ هناك للتأليف وتحقيق بعض الكتب، فمن مؤلفاته كتاب الزيدية في اليمن، ومن الكتب التي حققها كتاب الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية للقاضي عبدالله بن محمد بن أبي النجم الصعدي، وفي مدينة الطائف ألقى صاحب الترجمة عصى الترحال حيث توفي هناك رحمه الله..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.