يقول مارتن لوثر كينج : أسوأ مكان في الجحيم محجوز لاولئك الذين يبقون على الحياد في المعارك الاخلاقية العظيمة. فماذا يقول خونة الفكر والوطن عندما تذبح الشعوب وتدمر الاوطان وهم يتلاعبون بالكلمات؟ ليقال عنهم مثقفون!! وآن شهد أفولا ملحوظا إلا أنه عاد وبقوة متصدرا الخطاب الرسمي والنخبوي وحتى الشعبوي، فلطالما شكل التجريف الفكري وتأصيل المفاهيم المغلوطة طريقا مختصرا للعبث بالثوابت الوطنية وإستقرار الشعوب. وهو الامر الذي أكدته سنوات ما سمي بالربيع العربي، وكيف تحولت من بلدان مستقرة نسبيا وشعوب تنشد حقوقا مطلبية الى كانتونات عسكرية وقطعان بشرية بلا هوية لمجرد أنها تشربت وتبنت فكرا ملوثا وان بدى مغلفا بعبارات الحرية والكرامة حينها سرعان ما كشر عن انياب مشاريعه القذرة ومخططاته النتنة المراد تمريرها بالمنطقة العربية. لربما يظن البعض ان السنوات الاخيرة من عمر تلك الثورات الفاشلة قد اظهرت مدى قبح دعاتها وخطابهم الاعلامي آنذاك. عدا انه لا يمكن لكائن من كان نكران تبعات ومخلفات ذلك الخطاب الفكري والتجريف الذي أحدثه حينها. وكحقيقة لا يمكن تجاوزها تؤكد حجم الضرر الحاصل هناك، سنجد انه ومع إنخفاض وتيرة المعارك والعنف في بلدان كالعراق وسوريا وحتى ليبيا واليمن إلا ان الافكار والثوابت التي تم تأصيلها خلال فترات الصراع قد أزدادت تعمقا وتخندقا، وهذا ما يؤكد النوايا الغير سوية من وراء تلك الخطابات بمختلف مستوياتها منذ البداية وكيف تحولت من مجرد خطاب حقوقي الى واقع ديموغرافي جديد. في اليمن! لم تفلح خطب الساسة والمثقفين المنتشية بغرور ضابطها المنتصر بإنصاف الجنوبيين منذ سنوات الوحدة الاولى كشريك حقيقي وندي في القرار والثروة، بل ان بعضها ذهب حد تكفير الجنوبيين وزرع مفاهيم وافكار سقيمة لدى العامة بالشمال، هذا الامر نفسه امتد الى النخب الشمالية المثقفة والتي باتت تتبى بعدها خطابا متشددا وإستعلائيا امام مظلومية الشريك الجنوبي . اليوم وبعد ان استطاع الجنوبيون خلق واقعا جديدا يدحض سحابة الزيف والتغييب التي طالما مارستها النخب الشمالية في محاولات دفن القضية الجنوبية، وبالرغم ايضا من تيقن الجار الخليجي كذلك بهكذا حق جنوبي وذهابه صوب اذابة الثلج وامكانية بناء علاقات مستقبلية معه. الا ان اشكالية التسليم بذلك تبدو معقدة وقائمة مع شريك الوحدة في القطر الشمالي إبتداء باحزابه وقادته المتسلطين مرورا بساسته ومثقفيه المتحجرين وصولا الى المواطن العادي هناك، فهنا لن تجد الا خطابا خشبيا واحد. ذلك الخطاب الذي لا يجد عيبا او حرجا في تصويره لدعوات الجنوبيين ومطالبهم بالكفر والردة وإضاعة اليمن الوحدوي. .. فيما المفارقة المبتذلة هنا تكمن في غياب هذا الخطاب عند توصيفه للطرف الانقلابي على نظام الحكم في البلد، وكيف يحاولون اظهار الجماعة الحوثية بمظهر المختلف سياسيا فقط التي يمكن الجلوس معها وحتى التفاهم وربما الشراكة لاحقا، وان كانت هي بالاساس من نكل باليمن شماله وجنوبه وأذاق الشعب ويلات وعذابات ستمتد اثارها حتما الى اجيال لاحقة . ان ما يحدث اليوم من عنف موجه تلتقي فيه الألة الحوثية العسكرية ولغة التشفي الفاحش للنخب الشمالية بحق الجنوبي الساعي الى فك ارتباطه عنهما، ليست إلا إمتدادا طبيعيا للوثة فكرية تم تطبيعها قسرا في العقلية الشمالية الوحدوية وتصديرها غيا للجار العربي. لذا دائما ما نشاهد ردات الفعل المباركة شمالا والباهتة عربيا تجاه اي جرم يلحق بالجنوب ارضا وانسانا. لكنه وبالمحصلة النهائية سوف لن يكون أمام الجنوبيين كشعب تواق لاستعادة حريته وكرامته الا المضي قدما وبخيارات مفتوحة عوضا عن البقاء حبيسا للفكر الكهنوتي المتمثل بوحدة الضم والالحاق او رهينا لحسابات مصالح الاقليم ..