د. رشا الفقيه اليوم الجنوب قال كلمته الفصل، ويجب على الجميع مراجعة نفسه وتصحيح أفكاره وآرائه إزاء إرادة شعب خرج عن بكرة أبيه ينشد دولته المستقلة في إطار النهج السلمي الذي تكفله كل القوانين الدولية. إرادة الشعوب لا تُقهر. ومادام وهي إرادة شعب وليس جماعة أو فئة بعينها، فلابد أن تنتصر وتحقق ما تريد. كان للغالبية العظمى من أبناء اليمن، وخاصة في الشمال، تحفظات إزاء المجلس الانتقالي الجنوبي، مابين مشكك وخائف ويائس ومرتاب. لكن الحشود المليونية التي اكتظت بها العاصمة عدن هذا اليوم، تؤكد وبلا تردد ودون أدنى شك بأن الجنوب اتخذ قراره لتقرير مصيره بإجماع، وأن السواد الأعظم من الجنوبيين هم مع المجلس الانتقالي ويقفون خلفه في رؤيته وأهدافه وسياسته التي يمضي بها قُدُماً نحو تقرير المصير. كانت الوحدة عن طواعية ورغبة لدى شطري اليمن، وحين اعترتها الندوب والكدمات وأحس الجنوب في ظلها بالضيم والإقصاء بادر للمطالبة بالعودة لدولته المستقلة التي تنازل عنها محبةً في وحدةٍ لم يجد منها إلا الويل والثبور. ومن حينها بات لزاماً عليه أن يستعيد دولته ليعيش في كرامة وندية لشريكه الذي غدر به. قد يقول قائل نحن إخوة ولا يجوز التفريق بين الإخوة وهذا غير جائز. وأنا أقول: ومن متى كان فصل المنزل بين الأخوين الشقيقين وفتح باب لكل واحد عبر شقة مستقلة علامة عدم الأخوة أو دليل الفرقة. بالعكس.. هذا يقود إلى أن يلزم كل أخ حده ويُسلِم شقيقه الأذى ويرتاح كل واحد منهما في شقته، ولا يحدث أذى للآخر من خلال دخوله أو خروجه أو عبث أولاده، حيث وفصل المنزل إلى شقتين منفصلتين بمدخلين مختلفين يكون هو الضمان الأكيد لبقاء الود والمحبة والإخاء. وهذا هو ما ينطبق على واقع اليمن إن عاد لشطريه السابقين: شمال وجنوب، كما كان قبل 22 مايو 1990م. الوحدة كانت مطلب الجماهير وحلمهم الأكبر، وقد مضت قيادة الجنوب نحو الوحدة بعواطفها كما هو حال كل المواطنين البسطاء، فيما انطلقت عصابة الشمال نحو الوحدة برغبة الاستحواذ والتملك والسيطرة والزعامة. وهنا حدث العبث الذي قاد إلى موت ذلك الحلم المضيء في قلوب البسطاء في الشمال والجنوب على السواء. لابد للعابثين الذين كانوا سبباً لكل هذه الأزمات أن يتحملوا وزر ما صار في الشمال والجنوب، وأن يقفوا مع أنفسهم وقفة صدق ليروا كيف تغيرت القلوب 180 درجة بسبب جشعهم وفسادهم الذي طال الجميع دون استثناء. ولهذا فخيرٌ لليمن الكبير أن يظل جزء منه صحيحاً معافى بدلاً من أن يظل معتلاً بأكمله. وحين تكون مصلحة الجنوب في الاستقلال ماعلى الشمال إن كان صادقاً في حبه سوى مباركة خطوات تقرير المصير والدعاء للجنوب بالتوفيق والسداد. وهذه لعمري هي الإخوة الصادقة التي ترأب الصدع الذي أحدثه فساد الحقبة الماضية. حفظ الله الجنوب أرضاً وإنسانا.