لم يعد بمقدور أحد فهم ما يجري من حولنا ؛ فلقد تداخلت الأمور وثار حابلهم على نابلهم كما يقال ، وأصبح الشعب وحده من يدفع الثمن وهو يغرق في بحر لجي من المعاناة والألم وشظف العيش ، وقد فتكت به أمواج الأحداث التراجيدية وهي تتقاذفه يمنة ويسرة ولم يجد من ينتشله ويداوي جروحه الغائرة..!! يحدث ذلك في حين أن هناك من ينفق ويبدد الملايين على " مليونيات " لا تسمن ولا تغني من جوع ، فقد عفى عليها زمن الانتصارات العسكرية ولم تعد تجدي نفعاً إذ ليس لها أي مردود أو قيمة سياسية تذكر لاسيما ان الجنوبيين قد صاروا قوة لا يستهان بها ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية اليمنية المعقدة والأهم من هذا وذاك أنهم قد باتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم الذي لطالما حلموا به والمتمثل في التحرر وفك الارتباط ، ولا ننكر أنه كان للمليونيات صدى كبير ودور فاعل في إبراز القضية الجنوبية وأسمعوا من خلالها كل من به صمم بعظمة هذا الشعب الجنوبي الأبي والمكافح من أجل نيل حريته واستقلاله ، ولكن كان ذلك في السابق عندما لم يكن للجنوبيين اوراق ضغط او خيارات أخرى ، أما اليوم فزمام المبادرة بأيدي الجنوبيين .
أما الحديث عن الأوضاع المعيشية الصعبة ؛ فحديث ذو شجون يدمي القلب والأكباد ، فقد أصبح كثير من الناس ليس لديهم قوت يومهم ولا يملكون حتى قيمة العلاج الذي يحتاجونه ، وباتت كثير من الأسر غير قادرة على توفير أدنى متطلبات الحياة الضرورية من مأكل ومشرب وحتى مستلزمات الدراسة عجزت عن شرائها في ظل ارتفاع أسعارها الجنوني .. ولست مبالغاً هنا لو قلت أن الشعب قد وصل إلى حالة إفلاس شديد غير مسبوقة بعدما أرهقته أعباء الحياة وأثقلت كاهله الديون المتراكمة عليه ..!.
أخيراً وكما يقال : لقمة في فم جائع خير من بناء جامع .. فإننا نقول بالمثل : لقمة في فم جائع خير من المليونيات والاحتشاد في الشارع ..!!.