الكتابة عن وطن غارق في الظلام، تتنازع أشلاءه الأحزاب والجماعات والقوى السياسية باتت عملية تشبه إلى حدٍّ كبير الطعن في الميت، والكتابة عن معاناة شعب كالشعب اليمني ليست أكثر من طريقة بكاء بدموع من دماء ومداد لكثرة القضايا الموحشة التي تكدست فوق ترابه فأرهقت كاهل أبنائه، ومزقت الأحلام البسيطة لفقرائه الذين ينزفون كل يوم كرامتهم وآدميتهم بلا هوادة. بلد يرد دائماً كما لا تورد الإبل، في التقارير الدولية، كعاهة مستديمة في جسد الكرة الأرضية وما تتضمنه تلك التقارير من أرقام وظواهر وحيثيات لم بعد للإنسانية فيها شأن ولا حول، وبتوصيف لحقائق عيش مرعبة يتبدى منها المجهول وينبري الضياع في أبشع الصور وتنبثق عنها وقائع الغابة وقوانينها المريعة. لقد غدا المواطن اليمني فريسة لا تملك أدنى وسيلة للمقاومة والجَلَد حيال الأزمات والمآسي وهي تهطل بغزارة مطراً مصحوباً بالعواصف والرياح العاتية، بلد بلا مشروع ولا أمانٍ ولا ضوء أو زاد أو حتى النزر اليسير من الحلم بالبقاء على قيد الآدمية، وقد اختلط حابل الإحباط فيه بنابل الكيد والكراهية والحروب والمكايدات الرعناء التي لا تبقي ولا تذر لالتماح وجهة أمل أو ممر تفاؤل في ظل الانقسامات الحادة التي تمارسها مكونات شعب هو الآخر يتآمر على نفسه في الصباح ويخلد إلى النحيب كضحية في المساء، ليرزح تحت رتل من الهزائم، مستهلة بالجوع ومنتهية بمخافة لا تفضي إلى موت، مع أن الأخير أضحى رغبة ومراماً ينشده أكثر من ثلثي السكان حين لا يجدون طريقاً أو منفذاً للفرار من رهاب واقع سياسي مخيف وفرضيات اقتصادية مريرة ووضع اجتماعي بائس ويائس وملبد بعراك تشوبه ثقافة السيطرة والاستئثار والسلب، ومصادرة حتى حق التفكير المضمر في قرارة النفوس والذوات المقهورة بذلك السيل العاصف من الظواهر الحاملة لتردي سُبل العيش وتراجع الخدمات وتفشي الظلم والظلام والبطالة والغلاء ورفع الدعم نهائياً عن كافة الخدمات والاحتياجات والمتطلبات الغذائية والخوام والمواد الأخرى من مشتقات نفطية وغيرها من المؤثرات في حيوية العيش، وتسهيل صعابه للناس، وبغي حكومي لم يحرك ساكناً ويُسكّن متحركاً، وماعدا ذلك تظهر جغرافيا جرداء وقاحلة من دلائل الحياة كأنها هيروشيما ببوار يحتضر فوقه بشر تغافلوا عن قراءة يافطة مكتوب فيها: انتبه أمامك وطن وليس مطباً.. ورحم الله البردوني العظيم إذ قال: أزمة النفط لها ما بعدها إنكم في عهد تجار اليمين احرسوا الأجواء منهم قبل أن يعلنوها أزمةً في الأكسجين.