بريطانيا حين تيقنت أن رحيلها حتميا عن عدن أوجدت البديل الهش الذي يمكنها من الخروج من عدن دون أي إلتزامات تعويضية لحكمها لعدن ومحميات الجنوب طوال 129عاماً، فوجدت القوميين الذين ونكالا بالقوى الأخرى التحررية بالذات شكلوا وفدهم وفاوضوا ووقعوا على وثيقة الاستقلال متنازلين عن حقوق تكفلها للبلاد المواثيق والقوانين الدولية تعويضا لفترات الحكم الاستعماري. نفس الخط ونفس الخطأ دفع الجنوب ثمناً مضاعفاً في أكثر من حقبة زمنية، ففي كل منعطف يضع الموقعون مصالحهم الذاتية فوق أي اعتبار يحفظ للبلاد حقوقها ،فحين اشتدت الظروف السياسية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية أواخر الثمانينات وبدأ يتصدع حكم الحزب الاشتراكي لن يفكر قادته حينها في مصير شعب ولا الامتثال لارادته، بل كان همهم الوحيد الحفاظ على مصالحهم الذاتية واندفعوا وتسارعوا في اتجاه الوحدة وإن كانت مطلباً شعبياً حينها و وقعوا على ما تعبوا الشعبين في الشمال والجنوب بمفاوضات جوفاء دامت لأكثر من 20عاماً، بطرفة عين ليس حباً في الوحدة، بل هروباً من مصير منتظرهم واقعين في نفس أخطاء وثيقة الاستقلال حين اشتروطوا إبعاد كل القوى الجنوبية التي احتضنتها صنعاء،كشرط اولي واخير للتوقيع وهو ما استجابت له القيادة في الشمال مع الإبقاء على تلك القوى في حاضنتها،مما جعلها تستفيد كل الفائدة من تلك القوى في مراحل صراعه مع قادة الاشتراكي في حرب صيف 94م،فكلنا ندرك أن من انتصر في هذه الحرب ومن قادها واوصل قواتها لابواب عدن هم الجنوبيون الذين احتضنتهم صنعاء،مابعد 86 المشؤم. إن ما يحصل اليوم ليس ببعيد عن صراع الماضي ولا القوى المتصارعة قد تغيرت، بل الظروف والمسببات هي المتغيرة فحين كان يعد الصراع جنوبياً داخلياً، قبل الوحدة أصبح اليوم جنوبياً- جنوبياً، حفاظا على الوحدة تحت غطاء شرعي وبدعم من تلك القوى القديمة التي استطاعت بذكاء من تحويل سهام حربها من اتجاه صنعاء إلى اتجاه الجنوب وبإداوات جنوبية مستغلة كل الظروف الماضية والصراعات المدمرة التي أوجدتها القوى المهيمنة على الجنوب سابقا،وبنفس الادوات المستخدمة قديما والمتجددة حديثاً. إن الصراع القائم حالياً في أكثر من محافظة جنوبية هو من تراكمات الصراعات الماضية،إذا ما أخذنا الأسباب الحقيقية التي تدفع بهذا الصراع، مبتعدين عن كل الشعارات والأهداف المعلنة لكل طرف من حفاظ على نظام الوحدة أو الحقوق الجنوبية وأن كانت تستند إلى بعض المعطيات ومستنده على دعم القوى الاقليمية والدولية إلا أن حقيقتها هي امتداد للصراعات السابقة التي دفع ثمنها شعب بأكمله. إن النتائج والظروف التي اوجدتها الحرب مدمرة للوطن والمواطن ،بل لكل شي فيه، بمافيها نفس القوى المتصارعة نفسها وهو ما يراهن عليه الكثير ممن يدفعون بإشعال فتيل الحرب ،مراهنين على إضعاف جميع القوى المتصارعة وبالتالي فرض الأجندات في الحلول النهائيه التي تخدم هذه القوى بعيداً عن أهداف القوى المتصارعة نفسها وفرض حلول قد لاتتطلع لحجم التضحيات الجسام التي قدمت من أجل أهداف وطنية عظيمة يتطلع إليها شعب الجنوب الأبي.