عزيزي القارئ قبل البدء ! إسمح لي هنا بإستعراض ما أرآه حديثا سياسيا غاية في الاهمية!! (حذر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن جريفيث، اليوم الثلاثاء المواف 23/7/2019، من خطورة توريط اليمن في صراع إقليمي محتمل. وقال في تصريحات للصحفيين في جنيف "ان احتمال توريط اليمن في صراع إقليمي هو أمر خطير جداً، وأن هذه الاحتمالية تتزايد بسبب الوضع في المنطقة، وقصف الأراضي السعودية، والموقف حول إيران". وأضاف "كلما طال أمد الصراع، كلما أصبح من الصعب إيجاد حل، ويصبح الاتجاه إلى تجزئة اليمن هو الحل الوحيد ").. كانت تلك بالفعل تصريحات سابقة للمبعوث الاممي الخاص الى اليمن،لكن تمعن هنا جيدا في المحاذير التي ارتكزت عليها تصريحات جريفيث حينها والتي أشار خلالها وبصريح العبارة الى مستقبل الصراع اليمني في حال إستمراره وكذا إنعكاسات ذلك الصراع على بلد الازمة والاقليم معا .. لذا يمكن الجزم بأن مقدار الجرأة والوضوح السياسي اللذان اتسمت بهما هذه التصريحات قد جعلت منها الحديث السياسي الاهم الذي مثل معه بداية المنعطف التاريخي لملف الازمة اليمنية، اذ تمكنت تلك الرسالة السياسية القادمة من جنيف بالفعل من تحريك مياة الازمة الراكدة وذلك بدقها ناقوس الخطر امام الجميع بل والايحاء بضرورة الاسراع في تفعيل العملية السياسية الرامية لحل ازمة اليمن. إذن يمكن القول ان القناعة اكتملت لدى المعنيين بهذا الملف بعد تلك الرسالة الاممية، لكن السؤال الذي يبدو انه برز أمام الجميع، هو! من اين سنبدأ حل هذه الازمة؟ بما ان حصيلة خمسة اعوام حرب وما خلفته من احداث ووقائع جديدة الى جانب احاديث سابقة لمراقبين دوليين بمن فيهم المبعوث الاممي الخاص لليمن عن صعوبة تطبيق مرجعيات الحل المتعلقة بهذه الازمة امام الواقع الجديد لها والذي بات يؤكد يوما بعد يوم استحالة نجاح اي تسوية تستند بنودها الى تلك المرجعيات، كل هذه المعطيات وغيرها ربما شكلت الدافع الاقوى الذي أكد الرغبة الحقيقة لدول التحالف في المضي سريعا نحو اول بوابات الحل واقربها تطبيقا ونجاعة بعيدا عن اطار وحدود تلك المرجعيات واستثمارا منها للتفويض الاممي ومشروعية البند السابع ! القضية الجنوبية ... لم تمض اسابيع قليلة على تصريحات "جريفيث "تلك! حتى بدأت عجلة الاحداث بالدوران جنوبا، لتتحول تلك الجغرافية المستقرة نسبيا وبشكل مطرد الى سلسلة متناغمة من الاضطرابات الامنية والتنافرات السياسية . شكل استشهاد القائد منير المشألي وعدد من جنوده الحدث الابرز والمدخل الاسرع في مسلسل الفوضى تلك، بعدها لم تتاخر كثيرا بعض المكونات الجنوبية في اعلانها مواقفا سياسية تناهض بوضوح توجهات المكون الجنوبي الابرز "المجلس الانتقالي الجنوبي " في كثير من القضايا الداخلية والتي طالما التزمت الصمت عنها لسنوات دون اي تعليق او موقفا سياسي يذكر عنها.. ومع ذلك ايضا يبدو ان المبرر لم يكن كافيا، لذا يبدو ان الحاجة كانت مآسة لمزيدا من التوتر والفوضى وهو ما جلبته بالفعل مواجهات اغسطس الدامية عندما فرضت واقعا جديدا ومنعطفا مغايرا في معادلة الصراع اليمني. ظن مهندسو الاحداث يومها ان الشق الاول لتلك المعادلة قد اكتمل لذا جاء البيان التحالف هكذا "بيان تهدئة ودعوة "، كانت حقا دعوة للانتقال الى الشق الثاني والبحث في تسوية سياسية تؤسس لواقع سياسي جديد يضمن مصالح قطبي التحالف وداعميهما الدوليين ولا ضير معها بأن ينعم الجنوبيون هنا بهامش من الاستقرار وبعض من قائمة المطالب خاصتهم، ولربما كان ايضا تاكيدا من الاقليم في اثبات القدرة على حلحلة الملف المعقد وكذا تمهيدا قبل الدلوف الى الفصل الثاني من الازمة ككل! الشمال بوجهه الجديد وتعقيداته المستجدة. اليوم وبعد مدة تخللتها حالة من التصعيد والتجييش المتبادل التي اعقبت بيان التحالف يبدو ان طرفا الصراع الداخلي قد اذعنا لرغبة داعميهما في الاقليم ولا مناص من السير في تسوية يضعها الاشقاء تفضي الى حالة من الاستقرار السياسي الضامن لمصالح الجميع ولو بحدها الادنى .. أود الاشارة وبعيدا عن الخلفيات والدوافع التي انتجت هذه التسوية او تكاد، فانه وبجميع المعايير التي تحسب عبرها المكاسب السياسية لهذا الطرف او ذاك، فقد كانت مجرد دعوة الانتقالي كطرف ندي الى حوار مع طرف الشرعية المعترف بها دوليا بعض النظر عن مساؤى تلك الشرعية وفسادها يعتبر مكسبا سياسيا أوليا استطاع الانتقالي من خلاله وضع الاستحقاق الجنوبي على طاولة الاقليم والعالم وبشكل شرعي وحقيقي هذه المرة .. لذا من الطبيعي جدا ان تسعى قوى بعينها داخل منظومة الشرعية حثيثا لافشال هذه التسوية، عدا ان الرغبة الاقليمية والدولية الحاصلة هنا هي من حجم هذا السعي السيئ، لتلجى تلك القوى ذاتها وعبر آلتها الاعلامية الى تشوية تلك التسوية ومحاولة تقويضها شعبيا. ولعل أرباب السطحية السياسية في الشارع الجنوبي قد كانوا اول ضحايا ذلك التوجه أضف الى ذلك الطابور الخامس والمخصص لهكذا مهام من شأنها التشكيك والتثبيط في وجه اي مسار فعلي يهدد مصالح ونفوذ تلك القوى المتشرعنة والتي يبدو انها ادركت متاخرا حتمية سقوطها ولفظها خارج المشهد السياسي القادم .. قبل ان أنهي حديثي هنا، ارغب في التاكيد على المعطى الدولي الذي كان حاضرا بقوة خلال الاحداث والمستجدات التي تلت تصريحات "جريفيث " المشار اليها آنفا، والذي تجلى عبر مواقف وتصريحات اوروبية كانت اكثر حزما من ذي قبل ناهيك عن التعاطي الدولي مع هجمات ارامكو وتطويعه نوعا ما لصالح حلحلة ملفات عالقة بالمنطقة كان الملف اليمني في مقدمتها . كما ينبغي هنا التاكيد ايضا في ان إخفاقات الشرعية قد لعبت دورا في تعزيز القناعة لدى الاقليم والعالم بضرورة التلويح بعصا الطاعة بغية اخضاع متشددي الشرعية والخروج بحلول مقبولة للجميع .. وعلى الرغم من تصرفات الشرعية التي تحاول التملص من بنوده! سيبدو هنا حريا بالجنوبيين التعاطي بايجابية وموضوعية مع بنود ومخرجات حوار جدة والابتعاد عن النرجسية السياسية في تحقيق الغايات والاهداف، وكما اسلفنا في احاديث سابقة! لا شيئ ياتي دفعة واحدة، إذ انه ثمة ممرات ومراحل وجب بالضرورة اجتيازها قبل بلوغ الغاية الاسمى،فهكذا هي حال المشاريع السياسية دائما.