وتستمر هذه الحرب في مسلسل عبثي لا تنتهي حلقاته، أزهقت فيه أرواح الكثير من اليمنيين أحياء قبل الموت، وأريقت دماءهم دون ورع أو ضمير. وأهينت كرامتهم، وشردوا في مختلف بلدان العالم، ولم يكن العدو خارجيا في هذه الحرب بل كان يمنيا، مرتزقا باع أرضه، لضمان مصالحه . فشكلت الأطراف السياسية المختلفة ساحات حرب فيما بينها و تبعت من يدفع لها، لتسلم الأرض والعرض. و وسط هذا المسلسل الذي يجدد فيه تجار الحرب أحداثا لا تنتهي تظل الأنثى هي الصوت الداعي إلى السلام لا لأنها الأضعف مقارنة بالرجل، فالحرب اليوم لا تحتاج القوة البدنية، بل لأن المرأة أكثر حكمة وتعقلا وفهما للحياة، و لأنها منبع الحياة فهي حاملة الروح التي تخرج إلى هذا الكون، والراعية لها طوال سنين حياتها، هي من تربي وتعلم وتهتم بالأجيال، وهي من تتحمل تعبات الحروب بثبات و إقدام سواء كانت في بيتها أو خارجه، ورغم اختلاف انتمائها تبقى الظل الذي يحنو في هذا العالم القاسي. وانطلاقا من هذا الوضع المعقد لليمن الذي تناسلت فيه الحرب وامتدت لأكثر مناطق البلاد، تجتمع النساء خارج اليمن في محاولة لجمع الصف اليمني والدعوة إلى السلام والمصالحة. وخلال مشاركات عديدة لأصوات السلام التي تأسست تباعا خلال هذه الفترة من الغربة والشتات ، نستعرض في لقاء تشاوري عقد يوم أمس للنساء المقيمات في القاهرة أهم المعوقات التي تمنع من إيصال أصواتنا لأصحاب القرار الأممي، ومجلس الأمن لضمان مشاركة أصوات النساء لإنهاء هذه الحرب العبثية التي أضاعت اليمنيين، وتضيع أجيالا من الشباب القادمة. استعرضت الأخوات اللاتي شاركن في اللقاء وهن ناشطات وحقوقيات وإعلاميات ومن جهات مختلفة أهم المعوقات التي تعترضهن في مسيرة السلام التي يقمن بها خلال فترة الحرب. و كان أهم ما ناقشناه هي معوقات عمل المنظمات المدنية في شمال اليمن. وهي الحصار والمنع والتضييق من قبل السلطة المحلية هناك ، فالصعوبة البالغة المتمثلة في رصد الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لهن النساء المعتقلات، وعدم معرفة مصيرهن وكذا تكتم الأهل عن ذلك بسبب التهديدات التي تتعرض لها أسر المعتقلات، كان له أثر كير في عدم امتلاك وثائق واضحة لتلك الانتهاكات لتقديمها لمجلس الأمن، كذلك ما يتعرض له الأطفال من اغتصاب في ظاهرة لا يمكن أن نتوقعها لبلد مثل اليمن، يدعي التدين والالتزام بالعادات والتقاليد والقيم والأخلاق حيث انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير ومخيف، تخاف الأسر من الإبلاغ عن هذه الحوادث التي يتعرض لها أبناءهم، تجنبا للعار الذي سيلحق بها، فيجعل الكثير من تلك الانتهاكات تضيع أدراج الرياح. ولعل هذه القضيتين هي من القضايا المهمة جدا لعمل المنظمات الحقوقية والإنسانية في زمن الحرب لرصد مسار تلك الانتهاكات والجرائم التي تقوم بها الأطراف المتحاربة في جميع أجزاء اليمن. ولعل المرأة هي الحلقة الأهم في كل ذلك، فهي إما ان تبقى حبيسة البيت والجدران وتموت جوعا هي وأطفالها، وإما أن تعتقل وتهان وتسلب كرامتها وشرفها. كما أن النساء لا يجدن أماههن سوى الزج بأبنائهن في جبهات القتال لضمان راتب شهري، أو إخراجهم إلى الشوارع للاستجداء أو بيع ما تيسر من بضائع يسهل حملها، وفي هذه الحالة لا مناص من تعرض الأطفال للتحرش أو الاغتصاب أو العنف بجميع أشكاله. المرأة اليوم تتعرض لانتهاكات لم تتعرض لها من قبل في تاريخ اليمن على مر مراحل طويله من تقلباته السياسية، ولم تشهد توحشا، كما توحش الأطراف المتحاربة الآن.