لماذا في زماننا هذا يتجه الكثير لحب التعظيم عكس زمن ثورات التحرر العربية الماضية ؟ وانا أبحث كعادتي في التأمل وللمقارنة بين أوضاعنا الحالية الفاشلة والمشتتة في العقد الثاني من القرن 21 وماضي الثورات السابقة على الرغم من الأخطاء التي صاحبتها. تعجبت للفرق بين ماضي اولئك الثوار وحاضرنا .!
شكلت ثورة 23 يوليو التحررية 1952م في مصر العروبة انطلاقة للمد التحرري العربي من المستعمر الأجنبي والمحلي وتتابعت بعدها ثورات العراقواليمن الشمالي (المملكة اليمانية المتوكلية) وجنوباليمن (الجنوب العربي) وليبيا وسوريا والجزائر الخ..
لاحظت التواضع الذي كان يميز قادة تلك الثورات ومانحن فيه اليوم في العديد من الثورات والدول الهامشية
لقد كان توصيفهم لا يتجاوز صفة مجلس قيادة الثورة ورؤسائهم لايحبون اكثر من صفة رئيس مجلس قيادة الثورة وهو الذي ساد في مصر العروبة والعظمة وبقية دول العراق وليبيا واليمن والجزائر الخ..
الزعيم جمال عبدالناصر رغم شهرته وعدم وجود شخصية حتى اليوم تعادل مكانته وسمعته كان يكتفي بوصف نفسه رئيس مجلس قيادة الثورة المصرية وكذلك العقيد القذافي لم يرقي نفسه وظل برتبة عقيد ونائبه عبد السلام جلود برتبة رائد كما رفض القذافي ان يطلقون عليه فخامة رئيس الجمهورية القائد الاعلى أورتبة أعلى وظل يسمي نفسه قائد ثورة الفاتح من سبتمبر وبرتبة عقيد.
وفي اليمن الشمالي ايضا تشكل مجلس الثورة برئاسة السلال وكان بعد ذلك المقدم ابراهيم الحمدي رئيس وبرتبة مقدم وفي جنوباليمن (الجنوب العربي) بعد ان تولى قحطان الشعبي قيادة اول سلطة وثورة حكمت الجنوب تشكّل مجلس رئاسة ولجنة تنفيذية للجبهة القومية كانت هي في الواقع قيادة الدولة والثورة لم يسمونه غير قحطان الشعبي وكذلك الحال بسالم ربيع علي (سالمين)رئيس مجلس الرئاسة الذي كان يتجول في الجنوب ويحمل مع من يجدهم حاجتهم كما صرب بنفسه مزرعة في أبين وقت الحصاد.
اليوم صارت الكثير من الشعوب العربية حتى التي تبحث عن التحرر تتنافس بمنح أفضل الألقاب لقادتها وأفضل المسميات الرئاسية لهم وتمنح مجالسها النيابية حكامها أعلى الرتب العسكرية من مدني إلى مشير أو مهيب !
بل حتى لو لم يكن أي شخص يريد ذلك سوف يفرضون عليه من يحيطون به أو بعض حملة الاقلام حمل تلك الالقاب حتى يستئنس بها فتصبح ملازمة له فتكبر ذاته لأن النفس ضعيفة والسلطة مغرورة مهما بلغ حرص المرء وتواضعه. بعدها تشتكي الشعوب مما يحصل لها وتريد الإطاحة بحكامها..!! لقد سبقت بعض تلك المسميات والالقاب ميلاد الدول وانتصار الثورات !
فهل الفرق ان ثوار الأمس كانوا لايحاطون بهالة إعلامية وحراسات شديدة وقصور فخمة وبطانة تحب المديح للحاكم ولذلك لم تجد تلك الألقاب طريقا الى توصيفاتهم القيادية وقلوبهم فحققوا انتصارات وعاشوا بالقاب متواضعة وبساطة تامة؟!
لعلنا هنا نتذكر المناضل الراحل العميد ركن علي احمد عنتر وهو يقول.
حينما تم اختياري عضو في قيادة الجبهة القومية الحاكمة في جنوباليمن بعد الاستقلال ارتعشتُ خوفاً من المسؤولية وكاد يخرج البول للسروال من شدة تقدير المسؤلية الملاقاة على عاتقه كما يروي ذلك بنفسه.
اما اليوم فحدث ولاحرج فهناك من يسعد باعلى المناصب والرتب ولايعلم بمدى المسؤولية وان ذلك احراج له وسؤال يوم القيامة, ونحمد الله على مليون مشير ورئيس وفريق ولواء والدنيا بالف خير...!