يجاهد رئيس الحكومة كيما تدب الحياة في كيان دولة سقطت بمعاول ورصاص الصديق والعدو على حدٍ سواء ، فكلاهما الخصم والصديق ساهما وان بنسبة متفاوتة في إسقاط الدولة وإحالتها الى كيان مهترئ عليل يستلزمه إرادة جبارة اذا ما اريد استعادة الحياة ثانية . نعم ، الدكتور معين عبد الملك ، شخصية جديرة بالدعم والمساندة ، وفي ظرفية حرجة وخطرة كهذه التي باتت فيه مؤسسات الدولة يستدعيها معجزة كي تنتصب وتدب الحياة فيها . فإن شئتم وصفه وبدقة فهو خير تجسيد للمسؤول " التكنوقراط " الجامع ما بين المهنية والكفاءة والغاية الوطنية العادلة لكل اليمنيين الذين عانوا ما عانوا من الإهمال والاقصاء والحرمان والظلم وسواها من مفردات قاصمة لروح الدولة العادلة . اجمل ما في الوزير الأول أنه يعمل وبلا كلل أو ملل ؛ كي ينجز للنَّاس اساسيات حياتهم اليومية ، من كهرباء وماء ومرتبات وأمن ونظام وخدمات ضرورية يصعب تجاوزها أو الإفلات من توافرها . وفضلا عن حال البلد الذي ما زال يعاني تبعات حرب قائمة ومثقلة لكاهل أي حكومة ، الرجل يشتغل في واقع استثنائي متأزم وغير طبيعي ولا أظن أحداً سيحسده على وضعه البائس الناتج عن تخريب وتدمير لكل مقدرات الدولة ومؤسساتها . فلأول مرة في التاريخ اليمني يجد رئيس وزراء دولة ، ذاته ، يلملم شتات مؤسسات دولة لم يبق فيها مساحة أو مؤسسة أو وظيفة ، فكل شيء من حوله طاله الخراب والفناء ، ما يعني انه إزاء تركة مثقلة بالمنغصات والمشكلات ، ويتوقع منه تجاوزها وبظرفية وجيزة فلا يكفي في هذه الحالة أن تمتلك خطة وبرنامج وإرادة ورغبة ، فجل ما حولك يغلي ويقذف بنيرانه في وجهك ، كما والمساحة تضيق حولك ، والرجال تتقافز تاركة اياك تخوض معركة إنابة عنهم . وعليه فإن عقلاء هذه البلاد ينبغي أن يكونون أدوات داعمة ومساعدة لرئيس حكومة استثنائي وفي ظرفية استثنائية ، فمهما كانت التوجهات والمشارب ، تبقى مهمة استعادة الدولة ومؤسساتها غاية وطنية ونبيلة ، وعلى كل انسان حر وشريف أن يكون فعله منحازًا لهذه الغاية العادلة . في الآونة الأخيرة كثر الهرج والمرج حول اتفاق الرياض ، فللأسف هناك طرف أو أطراف لا تريد أن تمضي جهود الحكومة ، وقد رأينا البون الشاسع بين جهود رئيس الحكومة ونفر قليل من وزرائه ونوابهم وبين أفعال مستهترة صاخبة وهي تقاوم وبضراوة لإفشال كل جهد من شأنه استعادة ثقة اليمنيين بدولتهم وحكومتهم . ما دفعني لكتابة هذه السطور هو تصريحات وأحاديث البعض ممن يفترض بهم مساندة الحكومة وتوجهها وفعلها لأجل استعادة تلك الثقة وتلك الهيبة المفقودتين تمامًا . ففي الوقت الذي تتطلع فيه الناس لعهد جديد يتشارك فيه الكل ودون استثناء ؛ كان ولابد أن تشاهد بالمقابل من يعمل وبلا كلل كيما تتعثر الحكومة وفي اولى مهامها الضرورية ، وهي توفير المرتبات الشهرية والخدمات والسكينة ، فهذه الأشياء أساسية ومهمة وتتطلب جهودا خارقة كي تصير نافذة ومنتظمة . في اخر حوار لرئيس الحكومة ، رأيت كم كان الوزير الأول حصيفًا وموضوعيًا ومنضبطًا ، فلقد شعرت بأنه يريد فعل شيء لهذا البلد رغم الحالة المحبطة والميؤس منها ، ومع هذا وذاك قدم ذاته كمن يريد قهر المستحيل بنواياه الحسنة والصادقة ، فيما لسان حاله يلهج : ايها الشيء افعل شيئًا ، فاللاشي يقتلني .. يمزقني .. يسحقني .. يفزعني "
فإن تكون مسؤولًا جديرًا بالاحترام والتقدير ،وتحظى بقبول الخصم والصديق ، فذاك يمنحك ثقة وطمأنينة ، وحين يقول الرجل بأن الحكومة والانتقالي يقفان في جبهة واحدة ، فهذه رسالة إيجابية تستدعي من شركاء اللحظة التاريخية التقاطها والتعاطي معها بواقعية وإنصاف . ولا أعتقد أن هناك شخصًا عاقلاً ومنصفًا يمكنه قبول الوضعية الراهنة ، أو تجاهل حقيقة أن النَّاس تنتظر افعالًا وان كانت بسيطة ومتواضعة ، فالجائع أبدًا لن يكون مخلصًا لوطنه ، كما والشعارات الكبيرة لا تؤكل الفقراء خبزًا وعسلًا أو تمنحهم حقوقًا ودولة .
ختامًا ، سأل دتزه معلمه الحكيم كونفوشيوس عن اساسيات الحاكم ناحية شعبه ، فأجاب : القوة والمعيشة والثقة " وسأل ثانية عن ايهم يمكن التخلي عنه فقال الحكيم : القوة ؛ لأن الحكم العادل يمكنه ضبط إيقاع النظام بالعدل . أما واذا استدعي التخلي عن واجب اخر ، فلابد من التخلي عن المعيشة ، بينما ثقة الناس بالحاكم يستحيل التخلي عنها ؛ لأن ذلك يعني نهاية حتمية للحاكم. . محمد علي محسن