تعد مدرسة آل باعلوي في حضرموت من أهم المدارس الإسلامية التي لها باعا كبيرا في الفكر، والثقافة، والفلسفة، والتراث العلمي، والمعرفي، والدعوة إلى الله في شرق آسيا وغيرها من الأقطار الإسلامية. ويتصل نسبة هذه المدرسة إلى علوي بن محمد بن عبيدالله بن أحمد بن عيسى المهاجر(وأحمد بن عيسى هو من أدخل السنة حضرموت بعد أن كانت إباضية). وقد قدمت هذه المدرسة نماذج مشرفة للأمة الإسلامية في جميع المجالات. وكان أحد أبرز مخرجات هذه المدرسة الإمام العلامة المتفنن عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، المولود في مدينة سيئون عام 1300هجرية، وينحدر العلامة ابن عبيد الله السقاف من أسرة علمية اهتمت بالتعليم، والمعرفة. وقد تلقى العلامة السقاف في بداية طلبه العلم على يد والده العلامة عبيدالله السقاف حيث كان من كبار علماء القطر الحضرمي، وبرز عبدالرحمن السقاف من بداية نشأته بالنباهة، والذكاء، والحنكة، بل كان كما يقال أنه فلتة من فلتات الدهر. ومع أن العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف كان من المتضلعين بالعلم، وكان مفتي حضرموت في عصره، وكان من المتضلعين في الفقه لا سيما فقه الشافعية فله حاشية على كتاب منهاج الطالبين للنووي، وله كثير من المؤلفات في جميع فنون الشريعة، واللغة، والأدب، والمنطق، والتاريخ، والأنساب، والقبائل. إلا أنه لم يغفل عن الجانب السياسي الإصلاحي، فقد كان رحمه الله تعالى ذا شخصية طموحة تسعى للتغيير بجميع وسائله ولو أدى ذلك إلى المصادمة مع قومة وأهله. وكان جريئا في الحق ذا لسان وشعر لاذع، يسعى ويشقى ليتقدم بلده. وتتجلى ملامح الفكر السياسي عند العلامة السقاف من خلال المحاضرات، والخطب، والمؤلفات، والردود، والمراسلات، والقاءات. وقد أنشأ رابطة إصلاحية، وحزبا سياسيا، والتقى بالملوك، والرؤساء، والوجهاء في كثير من الأقطار الإسلامية. فقد كان رحمه الله مهتما بأمر أمته وخاصة قومه أهل حضرموت، وبصفة أخص السادة العلويين، وكان يتألم لتأخرهم عن مواكبة الحياة، والتقدم. لذلك فقد انخرط ابن عبيدالله السقاف في أكثر من عمل سياسي، وأنشأ حزبا إصلاحيا كما سبق التنبيه عليه. وقد كانت له مواقف كثيرة وعظيمة ومشرفة مع الدولة العثمانية، وضد الإنجليز. فقد كان رحمه الله مناصرا، صادقا مع الدولة العثمانية إذ يرى أنها من تحفظ للمسلمين بيضتهم في ذلك العصر. فقد كان داعيا لها من على المنابر يسعى لأخذ البيعة والمواثيق من الناس لسلاطينها، وقد أنكر على الشريف فيصل بن الحسين رغم النسب الذي بينهما حتى أنه قال للشريف: (ولو كانت بي محاباه لحابيته ولكن الدين فوق كل عاطفة. وتتجلى ملامح الفكر السياسي لشخصية ابن عبيدالله السقاف من خلال لقاءه الملك عبدالعزيز آل سعود في عام 1354 هجرية، وهو العام الذي أبرم فيه الصلح بين إمام اليمن، وملك نجد والحجاز على يد العلامة ابن الوزير أمير تهامة في ذلك العصر. وتتجلى ملامح الفكر السياسي لشخصية بن عبيدالله السقاف من خلال أنشأ( الحزب الإصلاحي الاقتصادي)، وكان مركزه الأساسي مدينة سيئون مع مجموعة من أهل الفكر والسياسة. وجاء في لائحته الأساسية أن الغرض من تأسيس الحزب، هو: (إصلاح القطر الحضرمي اقتصاديا وسياسيا، وبث روح التعاون المادي، والفكري بين أفراد الشعب. فهذه بعض التجليات للفكر السياسي لشخصية العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف رحمه الله تعالى، وهذه قطرة من مطرة من مواقف السقاف السياسية. ومع ذلك لا يعرف كثير من العلماء، وطلاب العلم، وأصحاب الفكر عن هذا العلم شيئا. إن العلامة ابن عبيد الله السقاف يعتبر من الشخصيات النادرة، والفذة التي أثرت المكتبة العلمية بالتراث في جميع الفنون، ولكن للأسف لا يزال تراث هذا الإمام العلامة لم يخدم، ولم ينفض عنه الغبار إلا النزر اليسير.