درجت العادة عند قيادة انتقالي الضالع أن يقوموا بزيارة إلى مستشفى النصر العام والتقاط السيلفي فور وصول الجرحى الأبطال الذين يسقطون في المواجهات مع مليشيات الحوثي الإجرامية ، وهذا شيء جميل ومبادرة طيبة لا يختلف اثنان عن قيمتها الإنسانية النبيلة وما تلحقه من أثر طيب في نفوس الجرحى وتشعرهم بأن هناك من يقف إلى جانبهم ويقدر تضحياتهم الجسام ، ولكن - وآه من لكن - تكون هذه الزيارات عادة آخر ما يحظى به الجريح ، فبعدها يعيش في غياهب النسيان والتجاهل والحرمان متألماً ومتوجعاً ويكابد هو وأسرته فقط المرارة والمعاناة دون أن يلتفت إليه أحد - ولو باتصال هاتفي للاطمئنان عن أحواله - بما فيهم قيادته العسكرية الميدانية التي تقاسم معها التعب والوجع والجوع والسهر والبرد والحر وما إلى ذلك .. وإذا كتبت له النجاة بعد الإصابة ، فإن حمم القهر التي تثور في كبده وفؤاده وبين أحشائه وحناياه كل لحظة جراء تلك المعاملة القاسية التي كوفئ بها كفيلة بتقريب منيته وأجله ، كيف لا وقد أخذوه بطلاً مقداماً وبكامل قواه الجسمانية ورموه جريحاً وإنساناً محطماً تحاصره بين أربعة جدران الهواجس والشعور بأنه قد أصبح وحيداً وعالة وحملاً ثقيلاً على أسرته ..!!. فكم من جريح تعفنت جراحه وتقطعت به السبل وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وعجز عن شراء الدواء والإيفاء بالتزامته المالية بعدما أرهق أسرته بكثرة الطلبات ومصاريف العلاج ، دون أن يلتفت إليه أحد أو يمد إليه يد العون والمساعدة ، مع أننا نرى القيادات غارقة من أخمص أقدامهم حتى منبت شعرهم بالنعم والمال الوفير ... تصوروا أنني وجدت الأسبوع المنصرم معلماً يتوسل أصدقاءه أن يقرضوه ليس من أجل أن يشتري أغراض رمضان أو احتياجات البيت وإنما مصاريف العودة لولده الجريح للكشف عن قدمه التي أصيبت إصابة بالغة ومعاينة العملية التي أجريت له في أحد مشافي عدن في وقت سابق ..!!.. وأما جرحى منصة ملعب الصمود الذين سقطوا جراء صاروخ حوثي عقب عرض عسكري قبل أشهر فمعاناتهم لا توصف وهي أكبر إدانة لتخاذل القيادة إزاء الجرحى ، ولو كنا في دولة تحترم الإنسانية وتقدر تضحيات جرحاها لقضت تلك القيادات - التي أهملت أولئك الجرحى ولم تقم بواجبها تجاههم - بقية حياتها خلف القضبان بتهمة التقصير بحق الجرحى ، فحتى السفر إلى الخارج استكثروه عليهم رغم إصاباتهم البليغة التي تستدعي العلاج في الخارج . وبالمختصر المفيد يمكننا القول أن مثل تلك الزيارات للجرحى فور وصولهم إلى المستشفى والتقاط الصور دون أن يتبعها فيما بعد أي اهتمام بالجريح والوقوف إلى جانبه ، هي متاجرة صريحة بدماء الجرحى الأبطال وتضحياتهم ومن منطلق سياسي برجماتي بحت وليس الدافع لها هو الشعور بالمسؤولية والقيام بما يمليه الضمير الإنساني والواجب الوطني تجاه الجرحى .. فسحقاً لمن يتاجر بدماء الجرحى ويستثمر تضحياتهم ..!.