عشت نصف عمري في مدينة عدن، وكان صيفها الجبار يقتلني! لم يكن نظام الحزب يسمح للمواطنين بامتلاك مكيفات الهواء إلا لمرضى القلب و الضغط بتصريح من وزارة الصحة! كانت إنقطاعات الكهرباء قليلة جدا و لكن صيف عدن لا يرحم و المراوح تنفث الهواء الساخن و حلم امتلاك مكيف في شهور القيظ كان يراود كل سكان عدن! كانت معظم المرافق الحكومية تنعم بمكيفات الهواء، و كانت صحيفة 14 أكتوبر - حيث كنت أعمل- أحد تلك المرافق، مما كان يدفعني أنا و زملائي للبقاء معظم الوقت في الصحيفة حتى بعد إنتهاء الدوام بسبب برودة الهواء حيث كانت الشوارع خارج مكاتبنا تتلظى بلهيب و جمر صيف شرس لا يمزح و فكرة الخروج إليها كفكرة الخروج من الجنة! أتذكر أن أفضل أعمالي في الكاريكاتير و الرسم بشكل عام كانت تبرز في فترة الوفاق الشتوي! اليوم.. الذي يحدث في عدن يعتبر كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة، زادت أمراض القلب و السكر و الضغط أضعاف ماكانت عليه قبل سنين الحرب الأخيرة، و نفق الكثير من المرضى بسبب الحر الشديد و غياب الكهرباء لساعات طويلة و تلك حرب أخرى تشن على الناس بأيدي يمنية و غير يمنية وفق نهج مدروس لزهق الأرواح و عقاب أحرار عدن الذين يرفضون التبعية و الارتهان! الصمت المريب ممن يتحكمون بإدارة عدن من خصماء السلطة يشير إلى أن ملف كهرباء عدن هو الحلقة الأقوى في تمرير أجندتهم الدنيئة لتأديب الأصوات الحرة التي ترتفع هنا و هناك لإيجاد بدائل شريفة لحكم نزيه! قتل الناس بغياب الكهرباء لا يقل إجراما عن القتل بالرصاص و القذائف أو القتل بالأوبئة و إغلاق المستشفيات أو تجاهل دول التحالف أمام كل تلك التداعيات المخيفة لحياة الناس في مدينة عدن المنكوبة التي تموت و تحتضر على مرأى و مسمع من كل العالم!