منذ أن كنت طفلًا كنت أشعر أن بيني وبين العالم سواترًا وحدودًا وحصونا، لا أريد أن أبلّل فطرتي الطاهرة بقذارة العالم، أغلب علاقاتي كانت سطحية جدًّا وربما محددة بتاريخ إنتهاء. ظلّ الأمر هكذا حتى رأيتكِ أول مرة، للوهلة الأولى اخترقتِ كل تلك السواتر والحدود والحصون المنيعة، وكيف لحصنٍ أن يكون منيعًا أمام حسنكِ وجمالكِ! تلاشت كل الحواجز واختفت، أنتِ أقربهم إليّ الآن، لم أعتد هذا القرب من أحدٍ أبدًا، في تلك اللحظات كانت تدور بيني وبين نفسي الهائجة حربًا ضروسًا، نبضاتٌ متسارعة، رعشةُ ذهولٍ ورجفة صدمة، حاولتُ قدر المستطاع أن أبقى ثابتًا ومتماسكًا، بقينا نحدّق في عيون بعضنا لفترة قصيرة جدًّا لا تتجاوز مدتها الساعتان حتى بادرتِ أنتِ بفتح أول حديث بيننا، يصلح أن يُدوّن ويُحفَظ كقرآنٍ للعشاق. "يا نادر"... كأنني أسمعها للمرة الأولى، كأن لم ينادني أحد بها من قبل، هذه المرة صعب للغاية أن أظل متماسكًا بعد سماع صوتكِ، لقد هزّ كياني وهدّ أركاني، لم أمُر من قبل بهذه الحالة من الجلبة والصخب والإنهيار، لطالما كنت قويًا صلبًا لم تنل مني الظروف القاسية ولا الليالي الحالكة، لكنه صوتكِ، فعل بي مالم يستطع أحد فعله، صارت قوتي المهابة هشيمًا تذروه الرياح، استسلمت لكِ ولصوتكِ، وما عسايَ أفعل دون ذلك؟! لا تطلبي مني التحدث، كل كلمة مني بعد الآن هي "أحبكِ"، تكلمي أنتِ وحدكِ واتركيني أنتشي صوتكِ إلى الأبد. خسرتُ معركتي وكسبتكِ يا مليحة، أنتِ عالمي الجديد الآن، وجهكِ قبلة للصلاة وصوتكِ غذاء للروح، كل ما احتاجه للعيش والبقاء أجده فيكِ، خلقكِ الله كاملةً منزّهةً من كل عيبٍ أو نقص، سكب فيكِ الجمال بسخاء واسع حتى فضتِ جمالًا. لا شيء من الكلام يبقى خالدًا إلا كلمة "أحبك" وأنا أحبكِ حتى الفناء.