في 24, أغسطس 1982م أسس الرئيس علي عبدالله صالح حزب المؤتمر الشعبي العام، ليحقق من خلاله وحدة الصف الشمالي الداخلي سلميًا، حيث ضم الجبهة الإسلامية، حزب الإصلاح لاحقًا، ومشائخ القبائل، والناصريين، والبعثيين، ليحقق صالح ما لم يحققه أسلافه [ السلال، والإرياني، والحمدي، والغشمي ] حيث راح الأوائل ضحية الانقسامات التي أدمت الشمال اليمني بعد ثورة 26 سبتمبر، التي ترجم المؤتمر أهدافها ولم ينجو منهم إلا والإرياني ويحال ذلك لفقه وعلمه. حقق حزب المؤتمر اعتدالًا وسطيًا في المجالات الفكرية، وتقدم بالبلاد في غضون 8 سنوات إلى الأمام خطوات كثيرة، خلالها رفع الوعي شمالًا، وفتح عقلية الشيخ القبلي والديني المتحجرة، الرافضة لفكرة الوحدة مع النجمة الماركسية؛ لكن الفتح كان زائدًا ليجعل منها أطراف مستميتة مستعدة لقتل الشعب الجنوبي كاملًا ثم تتوحد مع الأرض وهو ما أنتج حرب 94. استطاع المؤتمر أن يحافظ على كيانه المرتبط بشخصية الزعيم " صالح " حتى 2014م عام النكسة التي أصابت الحزب، وجعلته متلاشئًا في ثنايا الأطراف المتصارعة حتى يكاد يغيب تمامًا. قد يمدح المؤتمريون أنفسهم بأن تشتتهم ميزة تثبت مدى وسطيتهم! لكن ومن وجهة نظر؛ كيف يستخدم المتطرف الوسطي المعتدل؟؟ لقد عرف الشماليون والجنوبيون الديمقراطية من خلال حزب المؤتمر، ولو أنها تحولت بعد 94 ديمقراطية عرجاء، وذلك لأسباب سياسية، لكن كما يقول المفكر إمام عبدالسلام إمام في كتابه الطاغية " الديمقراطية العرجاء خير من الاستبداد والدمار ". لم يتأثر المؤتمر بحزب الإصلاح الذي كان يشكل التطرف الديني حينها، وتصدر المشهد الديني السياسي المصدر للفتاوى السياسية القاتلة في بحقي ووالدي ، ولا بالحزب الاشتراكي العقلية الدكتاتورية التي سفكت دماء أجدادي التحريريين، والعكس هو ما حصل. ولو أن الحزب الإشتراكي كان متأنيًا وغير مثاليًا في 93 لما حصلت الحرب بعد عام، فصالح الممتد من القبائل الشمالية، العارف لطبيعة الحياة هناك، المقدر للوضع، الذي ينسب له شرف توحيد الشمال داخليا، يعرف جيدًا بأنه ليس من الحكمة الانصدام مع القبائل والإسلاميين والناصريين والبعثيين المتعوب على وحدتهم، وبأن أي انصدام معهم سيجعل كل الجهود المبذولة من 82 ستذهب هباءً، فحصل الإشكال بين صالح والبيض من ها هنا، ثم تلا ذلك رفض المؤتمر والإصلاح مقترح الاشتراكي، بعدم السماح للرئيس ونائبه ممارسة الأعمال السياسية داخل الحزب، كما أن القضية تحولت إلى شخصية أبعد من كونها وطنية بعد رفض الرئيس علي سالم تأدية اليمين الدستوري في صنعاء. ومن الأسباب التي أدت إلى هزيمة حزب الاشتراكي أمام المؤتمر، هو أن المؤتمر وحد الصف الشمالي عن طريق عقد التحالفات، والصداقات، والشراكة، وقبول الكل، بينما الحزب الإشتراكي وحد الصف الجنوبي بالقوة، والإقصاء، وهو ما أنتج له العداء الداخلي، ولو كان العكس لكانت الوحدة شيئا منسيا كوحدة مصر وسوريا. للمؤتمر الشعبي العام حسنات ترتقي إلى المخلص والمنقذ في اليمن الشمالي، وهو ما أضفى على مؤسسه لقب الزعيم، ويحق لهم أن يعتبروه رمزًا تأريخيًا عظيمًا استطاع أن ينقذ بلدهم من التشظي، وعرفهم على الديمقراطية ولو ظهرت لهم عرجاء بعض الشيء، ولا يشترط أن يكون كذلك جنوبا. ختامًا.. أقدم تهنئة خاصة لأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بالنيابة عن عقلي وأهمس في آذانهم بأن الكلمتين الأخيرتين " الشعبي العام " كانتا سببا في نكست الحزب، وسيجلبان له الكثير من الانتكاسات، ونتمنى أن يلتم المؤتمر مجددا حول برنامجًا سياسيًا، يضمن لهم توحد الحزب بعد رحيل زعيمه القادم.