إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأحزاب القومية في اليمن»
قراءة في كتاب
نشر في الجمهورية يوم 05 - 02 - 2014

“الأحزاب القومية في اليمن – النشأة – التطور – المصائر “كتاب للأستاذ قادري أحمد حيدر، وهو من القطع الكبير، ويقع في 356صفحة، ويحتوي على تقديم للدكتور عبدالعزيز المقالح، و«قصة هذا الكتاب» وستة فصول.. في تقديم المقالح، نجد تأكيداً على أهمية الذاكرة وربط الأشياء بعضها ببعض، نقلاً لعبارة كاتب كوبي تقول: «نحن لا نعرف المدينة؛ لأن التمدُّن هو القدرة على ربط الأشياء بعضها ببعض دون إهمال شيء أو نسيان شيء، إننا ننسى الماضي بسهولة، وننغمس كثيراً في الحاضر» وهو يشيد بجهود المؤلف في هذا الجانب، في استنهاض الذاكرة ويصف هذا الكتاب بأنه “دراسة تحليلية عميقة عن نشأة التنظيمات السياسية في بلادنا السعيدة...” وهو يرى أن وصف هذه الدراسات بالسياسية التاريخية “موضع نقاش، وهو ما أتفق معه فيه؛ لأن الجانب الإيديولوجي بكل تحيزاته وتبريراته تتسرب إليها فيفقدها سمة “السياسية التاريخية” ومن ذلك إهمالها لتنظيم قومي عريق كتيار منذ الخمسينيات، وتنظيم منذ عام 1965م دون أن يشير إليه، ولو بصفحة تعريفية!..
لا ينسى المقالح أن يستدرك على المؤلف إشارته إلى أنه – أي المقالح - من المؤسسين للخلايا الأولى لحزب البعث في صنعاء عام 1958م، وذلك بقوله: “كنت واحداً في تأسيس أحد التنظيمات السياسية، لكن الفقرة المذكورة لم تشر إلى أنني تخليت عن العمل الحزبي في العام 1965م، واتجهت إلى الدراسة وتنمية موهبتي الأدبية التي اكتشفتها في الرابعة عشرة من عمري”11ص.
وتحت عنوان «قصة هذا الكتاب» يوضح الكاتب دافعه لتأليف هذا الكتاب، فهو كان أحد هاجسين ملحّين على عقله وهما رغبة الكتابة عن أوليات التنوير في اليمن 13 ص.
وموضوع «الكتابة عن الحركات والأحزاب القومية في اليمن» 14ص.
الفصل الأول «رابطة أبناء الجنوب العربي»:
ونقلاً عن محمد علي الجفري، وهو «أحد أبرز مؤسسي رابطة أبناء الجنوب ورئيسها الأول منذ مرحلة التأسيس» 21ص، فإن “خطوات تأسيس الرابطة جاءت حصيلة تراكم لكفاح وطني طويل...وأن حركة الوحدة الحضرمية بين سلطتي حضرموت الداخل والساحل على أساس شعبي ذروة من ذروات ذلك الكفاح الذي كان يقف في طليعته شيخان الحبشي (ثاني أمين عام للرابطة – المؤلف - وعمر محضار الكاف “أمين صندوقه المالي” وعلي بن عقيل «عضو قيادة قومية في سوريا بعد ذلك»... ويرى أنها كذلك استمرار “لحركات إصلاحية في العوالق العليا... خلال الأعوام 48 -49- 1950م، تجمع في عدن عدد من الشباب كان في مقدمتهم سالم الصافي، ورشيد الحريري، وأحمد عبده حمزة، وشيخان عبد الله الحبشي، ومحمد علي الجفري، وعبدالله باذيب، وعلي غانم كليب، وقحطان الشعبي، وعبدالله علي الجفري، وعبدالله علي الفضلي، وحسين هادي عولقي، وعلي محمد سالم الشعبي، وآخرون، نا تأسست رابطة أبناء الجنوب في عام 1950م “21-22ص.. والبعض يرى أن عام 1951م هو عام التأسيس، بحسب التاريخ المطبوع في برنامج الرابطة؛ يرى المؤلف أن رابطة أبناء الجنوب العربي «شكّلت موضوعياً وسياسياً وتاريخياً كرد فعل للدور ونشاط “الجمعية العدنية” وبالعمل من أجل ربط المدينة عدن بالكومنولث البريطاني، والتنسيق مع المستعمر، على قاعدة تشريع أنظمة وقوانين تفصل أبناء عدن عن بقية أبناء اليمن..»22ص.
لقد احتوت الرابطة عند تأسيسها على خليط جبهوي غير متجانس يجمع «القوى الإقطاعية والسلاطينية، والمشيخية والبرجوازية الريفية ذات التوجهات الوطنية الجنوبية العامة، وكذلك أبناء الطبقة الوسطى الصاعدة والبرجوازية الصغيرة والمثقفين والموظفين الصغار والكبار، الذين كان من بينهم رموز الفكر السياسي اليساري، التيار القومي، أو رموز التيار القومي، على أن الشيء الصحيح هو أن القوى الحديثة اليسارية لم تكن هي عماد التنظيم الرابطي، وكانت الحيثية في القيادة للقوى السياسية والاجتماعية التقليدية» 23ص.
والمؤلف يصف حزب الرابطة بتكوينها هذا بأنه «حزب طبقي، إيديولوجي في صورة قيادته العليا، حزب يدرك بالضبط ماذا يريد، أهدافه السياسية والطبقية واضحة ومحددة، نخبة أرستقراطية اجتماعية وبرجوازية ريفية مشايخية وسلاطينية متعلمة درست في الداخل والخارج» 24ص.
لقد أقرّت الجمعية العامة للرابطة في سنة 1950م – المبادئ والغايات التالية: «الإيمان والعمل على وحدة الجنوب العربي، الإيمان والعمل وفقاً للمبادئ القومية العربية ووحدة الوطن العربي، تطبيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين، تمكين الروح الإسلامية الصحيحة، الإيمان بالديمقراطية والتعاون بين الرابطة وغيرها من الهيئات والجماعات..» 25ص.
واستطاعت الرابطة في عام 1952م بجمع النوادي والتجمعات الوطنية ب “مؤتمر وطني” والضغط على الإدارة البريطانية بخصوص التعليم وجعل اللغة العربية رسمية بدلاً عن الانجليزية، والتأكيد على وحدة الجنوب، والدعوة إلى تأسيس النقابات العمالية، للدفاع عن حقوقهم المهضومة .25ص. يُحسب للرابطة - والكلام هنا للمؤلف- «أنها أول تنظيم سياسي يتمكن من الامتداد في الاستراتيجية الجغرافية الجنوبية كلها» 27ص، وهو يوصّفها بأنها “حركة تحرُّرية سياسية “وطنية” (جزئية) في غطاء سياسي جنوبي صرف، وبذلك عجزت عن أن تكون حركة توحيد وتحرير معاً، ومن هنا رسوبها في امتحان التحرير، والحرية، والوحدة الوطنية واليمنية، ووقوعها في أسر الرؤى والمفاهيم المناطقية المناقضة لجوهر فضية التحرير الوطني، الذي لا يمكن أن يكون إلاّ شاملاً كاملاً...”28ص.
لهذا فإصرار “قيادة الرابطة على التمسُّك بمفردات حيثيات القضية الجنوبية بعيداً عن إطارها الوطني التحرري ، الديمقراطي، قادهم عملياً وسياسياً إلى الالتقاء أو التقاطع مع شعارات الجمعية العدنية، والأهداف الاستراتيجية للاستعمار، التي وصلت مؤخراً إلى القبول بمشروع دولة اتحاد الجنوب العربي ضمن وضع تمييزي خاص لمدينة عدن ...”28-29ص، لهذا تعرّضت الرابطة في عام 1955م لأول انشقاق “إذ انشقت عنها مجموعة ديناميكية تسمّت ب«الجبهة الوطنية المتحدة» احتجاجاً على مشاركة الرابطة في الانتخابات الجزئية لمجلس عدن التشريعي والتي استبعد يمنيو الشطر الشمالي منها باعتبارهم أجانب”29ص.. بل استبعدت يمنيي المحميات الشرقية والغربية، واحتكرتها على أبناء عدن من أبناء الكومنولث وأبناء عدن الأصليين الأغنياء دون الفقراء!!.. لقد خرج في الانشقاق الأول على الرابطة كل من “محمد عبده نعمان، محمد سعيد مسواط، محمد سالم علي عبده، عبدالله الأصنج وآخرين” 29ص.. «وفي أكتوبر 1957م، خرج التيار الماركسي من حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، بقيادة عبدالله باذيب، وفي العام 1961م انشق أو خرج عن الرابطة المجاميع القومية في طابعها التحرري السياسي اليمني وكان على رأسهم قحطان محمد الشعبي»30ص.
لقد تجسّدت الأزمة الحقيقة لرابطة أبناء الجنوب العربي في أنها قفزت على البعد الوطني باحثة عن هوية عربية مبهمة دون التأسيس والاعتراف بالهوية الوطنية اليمنية، ما جعل شعاراتها عن القومية والعروبة ليس سوى تعزيز للانفصالية ضمن المشروع الاستعماري لاتحاد فيدرالي لما أسموه بالجنوب العربي، إن تكوين الرابطة أقرب إلى تحالف جبهوي سياسي “من مفهوم الحزب السياسي الموحّد” وهو بهذا يشبه تكوين القوى التقليدية مثل التجمع اليمني للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام كونهم ليسوا أحزاباً وإنما تحالفات مصالح ومنافع وتحالفات طبقية!.
“إن إطلاق اسم «الجنوب العربي» لا يخدم في الحقيقة سوى الاستعمار – كما يرى قحطان الشعبي – وبفصل الجنوب عن الشمال يحاول الاستعمار إضعاف ارتباط الشعب في الجنوب بالقضية العربية”42ص.. ويرى المؤلف أن “المنتج المذهبي والطائفي عميق الغور وحاضر بقوة في الفكر والعقل السياسي التاريخي للرابطة – كرد فعل على عقلية وذهنية الإمامة – وإن لم يتم الإفصاح عنها بصورة فجة ومباشرة...”43ص؛ ولذلك “لم تقترب رابطة أبناء الجنوب العربي من سؤال الوحدة اليمنية، ولم يغير حزب رابطة أبناء الجنوب العربي تسميته من حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، إلى تسمية “رابطة أبناء اليمن” إلاّ بعد قيام وحدة 22 مايو 1990م ”45ص، وهنا نسأل المؤلف: إذا كانت الإمامة قد سقطت بثورة 26سبتمبر 1962م، فما الذي يجعل الرابطة تستمر بمواقفها وأهدافها المحصورة تحت اسم “الجنوب العربي” ألا يدعو ذلك إلى قراءة ثانية لعوامل نشوء المذهبية والطائفية والمناطقية ...إلخ..؟!.
بالعودة إلى مولّداتها الشاملة، وإن كانت الأنظمة السياسية ضمن هذه العوامل لكنها بالتأكيد ليست العامل الوحيد، وإلاّ لرحلت برحيله؛ يرى عبدالله باذيب: “إن يمنية الجنوب –وليس عروبة الجنوب – هي القضية، وهي موضع الخلاف، وهي التي تحتاج إلى تأكيد، وهو ما يجب أن يأتي من أبناء الجنوب (عدن وما يسمى بالمحميات) ويجب أن يأتي بالقول والفعل، وليس بالقول فقط، ومن هنا تصبح يمنية الجنوب مرادفة لتحرير الجنوب، وتصبح قضية التحرر من الاستعمار مرتبطة عضوياً بقضية الوحدة اليمنية”46ص.. لهذا ارتبطت الرابطة في الخمسينيات بمصر عبدالناصر، مع احتفاظها بمكاتب لها في المملكة العربية السعودية، ولينتهي بها المطاف إلى أن تكون تحت رعاية مباشرة من السعودية طيلة العقود التي تلت الثورة اليمنية!
الفصل الثاني «حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن»:
لقد كان لنشوء النوادي الأدبية والثقافية أواخر العشرينيات – دور في نشأة الحركة السياسية اليمنية، ومن ذلك أيضاً “اليمنيون الجنوبيون الذين تلقوا تعليمهم في البلدان العربية وجلبوا معهم أفكارهم المتحررة وطنياً وقومياً، وكذلك العمال اليمنيون العائدون من انجلترا بعد أن تعرّفوا إلى الأفكار الليبرالية والإصلاحية”187ص، لقد انشقت عن الرابطة في عام 1955م “مجموعة سياسية وطنية، شكلت في العام 1956م الجبهة الوطنية المتحدة، وهي جناح سياسي تنظيمي قومي تقدمي، وكان أبرز مؤسسي الجبهة الوطنية، محمد سالم علي، رئيساً، ومحمد عبده نعمان، أميناً عاماً، وزين صادق وعبدالله باذيب وعبد العزيز باوزير وعبدالله الأصنج ومحمد سعيد مسواط وعبده خليل سليمان، كما انضم إلى الجبهة الاتحاد اليمني الذي كان قد وقف ضد الإمامة في اليمن الشمالية، ومن أهم مطالب الجبهة الوحدة اليمنية (وحدة الشمال والجنوب) ومسقط عمان، وطرد الاستعمار البريطاني، وتصفية نظام الإمامة في الشمال”190ص.
لقد تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1956م في الجنوب “وأسّس له فرعاً في الشمال عام 1958م من طلبة وشباب يمنيين كانوا يدرسون في الخارج في سوريا والعراق ومصر ، وكان الحزب امتداداً طبيعياً للحزب الأم في المركز في سوريا، رافعاً الشعار التقليدي للبعثيين العرب «وحدة، حرية، اشتراكية» ”190ص، وشعاره «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» ولعب الحزب دوراً كبيراً في أوساط الحركة العمالية في الجنوب، وامتد حضوره السياسي والجغرافي إلى مناطق مختلفة في الجنوب، حضرموت ولحج، وفي الشمال كان له دور كبير في العملية السياسية الثورية قبل الثورة في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار وفي المساهمة الفاعلة في تفجير الثورة 26سبتمبر” 190-191ص، وفي هذا السياق، فلقد تأسس حزب الشعب الاشتراكي الذي رفع شعار حزب البعث «وحدة حرية اشتراكية» كغطاء سياسي للاتحاد العمالي” حتى لا تتناهبه الأحزاب السياسية المختلفة “193ص.وكذلك كواجهة سياسية “للحركة العمالية” تنشط من خلاله الجماعة السياسية التي أسسته وعلى رأسهم عبدالله الأصنج.
لقد “وقف حزب الشعب الاشتراكي وقيادته مؤيداً لثورة 26سبتمبر 1962م بقدر ما وقف ضد نهج وخيار الكفاح المسلّح ضد الاستعمار البريطاني منذ 1963م عملياً، ولم يعد الحزب يتنبّى خيار الكفاح المسلّح إلاّ كخيار سياسي تكتيكي في فترة التسويات 56-1966م، تحول بعدها إلى قوة معارضة لدولة الاستقلال في الجنوب من شمال اليمن، وجزء من سياسة سلطة 5 نوفمبر 1967م، حين أصبح زعيم حزب الشعب الاشتراكي “عبد الله الأصنج” وزيراً في العديد من حكومات الشمال وحتى ثمانينات القرن العشرين” 194ص، وبعد ذلك مرّ حزب البعث بالعديد من الانعطافات السياسية، منها انقسامهم على المستوى القطري إلى حزب قومي في سوريا وآخر في العراق، وقد انعكس ذلك على فروعهم في الوطن العربي وعلى رأسها اليمن، إضافة إلى توجُّه الشباب البعثي في أواخر الستينيات والنصف الأول من السبعينيات في اليمن نحو الماركسية وتأسيسهم للطليعة الشعبية في الشمال عام 1973م وعلى رأسهم يحي الشامي ، وفي الجنوب عام 1974م، وعلى رأسهم أنيس حسن يحي، وقد حاول حزب البعث القومي “جناح سوريا” التأثير على القطاعات الطلابية والعمالية والفلاحين دون انتشار فاعل، وتوجه حزب البعث القومي “جناح العراق” في اليمن لاستقطاب في صفوف المشايخ عن طريق المال والسلاح، والمنح العسكرية ...إلخ، مما جعله مأسوراً في يد القبيلة السياسية، فحضوره داخل القبيلة كان نفعياً وانتهازياً، ولم يكن عقائدياً، وقد أصبح حزب البعث “جناح العراق” حليفاً أساسياً لنظام علي عبدالله صالح منذ الانقلاب الفاشل 1978م، الذي قام به الناصريون، بل شاركوا بمبلغ 15 مليون دولار من أجل الانقلاب واغتيال الشهيد الحمدي، بحسب رواية اللواء يحيى مصلح في مذكّراته، ما جعلهم يصطفّون مع ما خطّطت له السعودية وأمريكا وألمانيا وفرنسا، في اغتيال الشهيد إبراهيم محمد الحمدي!!.. وفي الثمانييات كان نفوذ قاسم سلام كأحد أعمدة النظام قبلياً وسياسياً، إلاّ أنه اصطف مع الحزب الاشتراكي اليمني أثناء الصراع بين المؤتمر وتجمع الإصلاح كطرف والحزب الاشتراكي كطرف مقابل طيلة أعوام 90 - 1994م، لكنه بعد ذلك وتحديداً في انتخابات الرئاسة عام 2006م وحتى انتفاضة 2011م وحتى الآن وقف متحالفاً مع المؤتمر الشعبي العام، ومع الرئيس السابق علي عبدالله صالح.. لقد خسر حزب البعث في الجنوب بسبب مراوحته بين التسويات والمفاوضات والكفاح المسلّح، فهو لم ينضم إلى الكفاح المسلّح إلاّ في عام 1965 - 1966م، وهو ما عبّر عنه محمد سالم باسندوة والأصنج في ردّهم على قحطان الشعبي حين طلب منهم في عام 1963م الانخراط في الكفاح المسلّح، فكان رد الأصنج سلبياً، وردّ باسندوة: لسنا مقتنعين، اذهبوا، وحين نقتنع بالكفاح المسلّح سنلحق بكم!.
يتحدّث المؤلف عن علي عبدالمغني، ويصفه بأنه كان بعثياً، وهو ما ينفيه بعض البعثيين المؤسسين كعبدالله الراعي في مذكراته التي يصف فيها علي عبدالمغني بالعروبي القومي المتأثر بخطابات جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو، لكنه ينفي علاقة علي عبدالمغني حزبياً بالبعث.
نشوء حركة القوميين العرب
كان لهزيمة 1948م، وقيام دولة الكيان الصهيوني أن دفعت بمجموعة من الشباب الفلسطيني إلى إنشاء حركة القوميين العرب في عام 1949م على قاعدة «وحدة، تحرر، ثأر» ولم تأت الخمسينيات 53 - 56م إلاّ وانتشر صداها في أكثر من بلد عربي، ومع استكمال النصف الأول منعقد الخمسينيات وبداية النصف الثاني إلاّ وقد تحدّدت ملامح الحركة، وأصبحت حركة القوميين العرب سياسية ثورية تنظيمية، ومع أواخر 1959م، كانت بدايات تشكّلها الأولى، إذا بدأت تتحرّك من الواقع اليمني في جنوب اليمن تحديداً “لقد تكون ما أسماه المؤلف ب«الطابع الشعبوي الثوري الحركي لتنظيمات حركة القوميين العرب من فلسطين ولبنان والكويت والعراق والأردن حتى منطقة الجزيرة والخليج ومنها اليمن الجنوبي، وبعده شطره الجنوبي»196ص.. لقد كان جورج حبش وهاني الهندي من أبرز زعمائها التاريخيين، ومما قاله جورج حبش عن التكوين” عندما فكّرنا في تأسيس الحركة، كان حينها أن الحركة تمتد كتنظيم عربي شامل لكل جزء من أجزاء الوطن، مع التركيز على مساحة أساسية من الساحات، تستطيع من تلك الساحة أن تحدث تغييراً ثورياً “196ص، من الواضح أن حركة القوميين العرب اعتبرت اليمن هي هذه المساحة، لهذا كانت نشأة حركة القوميين العرب في اليمن مع أواخر عام 1959م، وقد نشط في الجنوب كرئيس للفرع فيصل عبد اللطيف حين يأتي في الإجازة من الدراسة بمصر، وعند غيابه يترأس الفرع السلامي، وفي الشمال وتحديداً في تعز يترأسه سلطان أحمد عمر، وبحسب عبدالحافظ قائد عن تكوين الحركة في الشمال يقول: «إن التنظيم كان يتواجد وينمو في الشمال، وذلك بالتوازي مع تواجد ونمو الفرع الآخر في الجنوب، وأن الفرعين كانا يعملان في معظم الأحايين كتنظيم واحد أو بقيادة واحدة في سنوات التكوين الأولى وفي الاستقلال»197ص، لقد كان أول تأسيس لحركة القوميين العرب في الشيخ عثمان في عام 1959م «التي كانت تتألف أساساً من موظفين ومعلمين وتلامذة، وبعدها مباشرة تشكل فرع الحركة في الشمال، وكانت الحركة في جوهرها معادية للشيوعية»191ص،وبشكل جوهري للاستعمار.
لقد كانت حركة القوميين العرب ملتحمة مع التوجه الناصري حتى عام 1966م حين بدأ الانشقاق داخل الحركة بسبب المطالبة بالالتحام بالناصرية التي كان رمزها محسن إبراهيم، كممثل للراديكالية اليسارية والشبابية في الحركة، بدأ الانشقاق داخل الحركة بين ما يمثّله جورج حبش، وما ينادي به محسن إبراهيم، فجورج حبش يدعو إلى التحالف والتميُّز عن الناصرية، ومحسن إبراهيم وكثير من شباب الحركة يطالبون بالاندماج الكلي مع الناصرية كوحدة للأداة الثورية بقيادة جمال عبدالناصر كموجّه مباشر للحركة، لقد كان انتماء بعض الحركيين إلى الاشتراكية العلمية حسب الفهم الماركسي لها ، هو السبب الجوهري، لهذا الانشقاق، فالناصريون لديهم فهمهم للاشتراكية العلمية المستوحى من طبيعة الجغرافيا والتراث العربي والمشكلات والتحديات العربية، ومن يرفع شعار الاشتراكية العلمية بحرفية ماركسية أو تعديل لها بحسب الخصوصية اليمنية، لقد انعكس هذا الصراع محلياً في اليمن بين الشباب الناصري وبين الحركيين الذين اختاروا الماركسية خياراً فكرياً لهم في مواجهات ومظاهرات في الشوارع، بل في الصدام بين الجبهة القومية والقيادة العربية في اليمن، وهو ما أدّى إلى قرار الدمج “القسري” في 13يناير 1966م بين جبهة التحرير والجبهة القومية الذي وقع عليه بعض قيادات الجبهة القومية ورفضته الغالبية ما أدّى إلى حل وسطي من خلال اتفاق الإسكندرية وتوقيع الجبهتين على قيادة مشتركة ثلث للقومية وثلثين للتحرير، مع تميُّز كل جبهة عن الأخرى بصيغة تحالفية، وبعد ذلك تحلّلت الجبهة القومية من هذا الاتفاق بعد هزيمة 67م ، ومفاوضاتها مع الإنجليز ،ما أدّى إلى حرب أهلية دامية بين الجبهتين.. يفسّر المؤلف ما أسماه بالدمج القسري في 13 يناير 1966م بأنها جزء من التسوية التي كانت في الشمال بين المصريين والسعوديين والقوى التقليدية، وهو تفسير ليس له من سند منطقي، فدوافع عبدالناصر لدمج جبهات القتال في جبهة واحدة ليس غرضه استخدامهم في التسويات والمفاوضات، ولكنه توحيد للأداة الثورية من أجل نيل الاستقلال، ولولم تكن مصر عبدالناصر مؤمنة بحركة التحرر العربي وصانعة لتحولاته لما أقحمت نفسها في حرب دامت أكثر من 5 سنوات استنزفت مالها ورجالها ودبلوماسيتها ووضعتها في حصار من السعودية وإيران وإسرائيل والأردن وبريطانيا وفرنسا وأمريكا.. إلخ، لقد كانت حركة القوميين العرب “في مركزها وفي فروعها حيثما وجدت تقف بالمطلق مع الموقف بالمطلق مع الموقف المصري «الناصرية» وجاءت ثورة 26سبتمبر 1962م وانحياز الموقف المصري مع الشعب اليمني وثورته لتجعل من الحركة أداة طيعة ومنفّذة لمشيئة الإرادة المصرية وخاصة خلال السنوات 62 - 64م”203ص.. ولأن رؤية حركة القوميين العرب لتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار يقوم على ضرورة وجود قاعدة وإقليم، فلقد كان تحرّر الشمال من الحكم المتوكلي، ودعم ثورة يوليو 1952م شرط سياس لقيام ثورة في جنوب اليمن، ولقد صدقت رؤيتها التي صاغتها في بيانها حول “اتحاد الإمارات المزيف ت1959م”203ص؛ بل إن استعداد حركة القوميين العرب للثورة في الجنوب كان على طريقة الثورة الجزائرية وتضحياتها، لهذا كان ميثاق الجبهة القومية، وهي أداة الكفاح المسلّح، التي تأسست عام 1963م بتأثيرات واضحة للميثاق الوطني في مصر وجبهة التحرير بالجزائر، لقد اختار البعثيون المراوحة بين المفاوضات والتسويات واستخدام الكفاح المسلّح بشكل متأخر، واصطف البعثيون من مدنيين وعسكريين في الشمال مع القوى التقليدية من رجالات الأحرار كالنعمان والزبيري والإرياني، ومع أركان القبيلة السياسية، كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وسنان أبولحوم، والمطري، ومجاهد أبوشوارب إلخ....” لقد كانت قيادة البعث حينها تقف في المقلب الآخر على عكس حركة القوميين العرب التي وقفت شمالاً وجنوباً ضد محاولة التسوية للقضية اليمنية على حساب مضامينها السياسية والاجتماعية والثورية”208ص.. وإذا كان المؤلف يرى، وهو محق أن “احتجاز الرئيس عبدالله السلال في القاهرة للفترة 12اكتوبر 1965م إلى 12 -8- 1966م، وهي من أحرج وأصعب وأعقد الفترات التي أسهمت دون قصد في مراكمة عناصر الثورة لصالح الاتجاه الداعي للمساومة أو المصالحة على حساب التيار السياسي الجمهوري، والطابع الوطني والثوري للنظام الجمهوري، وهو ما أضعف عملياً موقف السلال الداخلي”211ص، في هذه الفترة كان انضمام حسن العمري إلى مخرجات مؤتمر خمر وجماعة خمر، حين أغروه بأن يكون بديلاً للسلال، إلاّ أن موقف المؤلف من اعتقال معظم رجالات التسوية اليمنية في السجن الحربي بمصر، وبعضها تحت الإقامة الجبرية، وسجنها للرموز “السياسية التقليدية” في السجن الحربي بأنها “أضرّت بالبعد القومي للدور السياسي المصري في اليمن” وموقف المؤلف هنا لم يكن موضوعياً أو سليماً، لأن معظم هذه القوى إن لم تكن مشاركة في انقلاب 5نوفمبر 1967م، بل مشاركة في جميع المؤتمرات التي كانت تدعو إلى التسوية مع السعودية، وبعضهم كان ينقل محادثاته مع عبدالناصر ومع القيادة العربية إلى المملكة السعودية كطابور خامس يطعن الثورة من الداخل!!.. لقد كان خطاب “الذاتية اليمنية” يوجّه ضد الدور المصري في اليمن المساند والمشارك في الثورة اليمنية، لقد مثلت أعوام 65 - 66م حالة “القطيعة العربية مع القيادة العربية المصرية، وحصارها للحركة بسبب التحوّلات اليسارية والطبقية في داخل تنظيم الحركة”212ص.. بحسب رؤية المؤلف، لكن المؤلف لا يتوقف أمام التحوّلات نحو الماركسية أو ما يسمّونه بالاشتراكية العلمية، إن المرحلة كانت مرحلة تحرُّر وطني وصراع مع الاستعمار، ومرحلة تبني تحوّلات اجتماعية هي تالية للتحرر، فرفع شعاراتها في هذه المرحلة يعد خطأ استراتيجياً؛ لأن طبيعة الصراع تحتاج إلى تحالف للقوى الوطنية والاشتراكية بمختلف مشاربهم الطبقية، لا القطيعة والتميُّز الإيديولوجي الذي تحتاجه الحركة في مرحلة البناء لا مرحلة التحرير.. لقد عكس هذا التفكير نفسه على قيادة الحركة في اليمن وعلى القيادة المركزية للحركة، فلقد كانت قرارات الحركة في مركزياً في مؤتمرها القومي لعام 1965م، الذي دعا إلى سياسة «الالتحام بالناصرية» وإشراك عبدالناصر في كافة قرارات الحركة “كان ذلك يعني «انزواء الحركة في الأجهزة المصرية، وهو ما رفضه حركيو الشمال»213ص.بحسب المقتبس الذي يتبنّاه المؤلف..! ومع ذلك يؤكد المؤلف أن الصراع الناصري البعثي ، والبعثي الحركي، وأخيراً الحركي الناصري، كان يصب في صالح القوى، القوى السياسية التقليدية، وساعدها تدريجياً في «الإجهاز على جمهورية سبتمبر الأولى بانقلابهم في 5نوفمبر 1967م» 213ص.. لقد كان 20، 21 مارس 1968م عاماً لتحرك القوى اليمينية في الشمال، وهو ما حدث بعد الصراع حول السلاح السوفيتي في ميناء الحديدة في 20 مارس 1968م، وقيام القوى التقليدية في القبيلة والجيش بضرب المقاومة الشعبية بالحديدة وإنهائها بعنف شديد حقّق لهم الهدف الذي خطّطوه مسبقاً في ضرورة ضرب المقاومة ووحدات الجيش، ذات الميول اليسارية والحركية، باستثناء تحالف البعثيين معهم، وسلاح المدرعات الذي كان الغالب عليه البعثيين، وفي أحداث 21 - 25 أغسطس 68م استكملوا تصفية القوى الجمهورية اليسارية في الجيش ووحداتها في الصاعقة والمظلات والمشاة والمدفعية، بل وجزء من المدرعات!، في 21 مارس 68م، كان تحرُّك قوى الجيش، ضد اليسار في الجبهة القومية، وقاموا باعتقال معظم قياداتهم، وتشريد البقية في الجبال والأرياف، رغم تحرك اليسار بحركة كانت فاشلة، وتحقق لهم النجاح بعد ذلك في 22 يونيو 1969م، وهي الحركة التي استهدفت غربلة الجبهة القومية من قوى اليمين حسب تعبير عبدالفتاح إسماعيل، ما أدّى إلى إزاحة قحطان الشعبي وسجنه إلى أن توفي في الثمانينيات، واغتيال عبداللطيف الشعبي داخل السجن بطريقة بشعة، بما يشبه “قتل الأب” حسب تعبير البعض، واستمر الصراع داخل مكوّنات الثورة في الجنوب يأخذ منحى دموي، تحت حجج اليسار الانتهازي واليمين الرجعي مؤدياً إلى اغتيال الرئيس سالمين، وصولاً إلى المذابح الدموية في أحداث 13يناير 1986م.
يشير المؤلف إلى أن منظمة المقاومين الثوريين “جيش الشعب الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الثوري، انتخب في مؤتمره التأسيسي سلطان أحمد عمر أميناً عاماً للحزب” 222ص، لكنه لم يوضح أن المؤتمر التأسيسي للحزب الديمقراطي الثوري الذي عقد قبل أحداث أغسطس، أي في يونيو 68م في قرية حارات بالأعبوس، وقد حضر الاجتماع سلطان أحمد عمر؛ ما جعل عبدالرقيب الحربي يعترض على عضوية سلطان كونه عضواً في الجبهة القومية، ولا تجوز الازدواجية في الانتماء بحسب كتاب الأستاذ أحمد الحربي “اليمن ماض يرفض أن يرحل...”وأن هذا المؤتمر الذي عُقد في زنجبار عام 1973م، كان مؤتمراً استثنائياً، وأن الحزب الديمقراطي في الشمال كان وقتها ضد الخيار المسلّح، لأن الظروف الموضوعية ليست مهيّأة في الشمال، وهو موقف عبدالحافظ قائد وعبدالقادر سعيد وآخرين.
الجبهة القومية لتحرير الجنوب:
وقد تأسست بعد مبادرة في 24 شباط فبراير 1963م حين دعت إلى عقد مؤتمر في دار السعادة بصنعاء حضره أكثر من مائة ممثّل للوطنيين المستقلين والضباط الأحرار وحركة القوميين العرب، وأقرّ المؤتمر تشكيل جبهة موحّدة، وتكليف مكتبها السياسي بإعداد مسّودة ميثاق موقت، على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بالكفاح المسلّح، واستقرت التسمية في البداية على “جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ...وفي 19 آب/ أغسطس ، وبدعم من الجمهورية العربية المتحدة تم الاجتماع مجدداً وتشكيل قيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل من 12 عضواً، بينهم ستة ممثلين لحركة القوميين العرب، وستة لقطاع القبائل” 242ص.ويرى المؤلف أن ممثلي القبائل كانوا إما أعضاء في حركة القوميين العرب أو من الأنصار، لهذا تؤكد جميع المصادر والمراجع أن “تاريخ 19آب /أغسطس 1963م هو التاريخ الفعلي لتأسيسها وإعلان قيامها” 242ص.
حزب الطليعة الشعبية:
وقد تأسس في عام 1974م بعد أن تأسس حزب الطليعة الشعبية في الشمال عام 1973م، وقد كان على رأس قيادته في الجنوب أنيس حسن يحيى، وفي الشمال يحيى الشامي، وهو حزب بدأ امتداداً لحزب البعث القومي – جناح سور - ويبدو أن التحوّلات في فكر حزب البعث بعد مؤتمره العام في 69م والميل إلى بعض المفاهيم الماركسية قد عمّق الانقسام بين البعثيين ما أوصلهم أخيراً إلى أن يكونوا حزبين قوميين، مركز في سوريا ، وآخر في العراق، وفي بدأت تحوّلات شباب البعث من الطلبة الدارسين في مصر نحو التحوّلات الماركسية أواخر الستينيات، ما أوصلهم أخيراً إلى تكوين حزب الطليعة الشعبية في الشمال وفي الجنوب بمنطلقات ماركسية بقطيعة مع الأفكار التقليدية لحزب البعث العربي الاشتراكي.216-225ص.
حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي:
وقد بدأ هذا الحزب كتيار ماركسي في النصف الثاني من الخمسينيات، وفي عام 1961م أعلن عبدالله باذيب عن تأسيس حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي في عدن، وعقدوا مؤتمرهم التأسيسي في 22 أكتوبر 1961م،وينفي المؤلف أن يكون باذيب قد أسّس حزب الشعب الاشتراكي في تعز عام 1958م لعدم وجود ما يشير إلى ذلك في كتابات عبدالله باذيب، وقد حدّد الحزب عدوّه الرئيسي بالاستعمار، ودعا إلى وحدة القوى الوطنية.331ص، وقد كان اختيار التسمية للحزب بدلالات عامة “حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي” ومموّهة حتى “لا يوسّعوا باب العداء والتحريض عليهم وعلى حزبهم الوليد باسم الدين والقومية والعصبوية، حتى العمالة للخارج”331ص، وقد كان من قيادات هذا الحزب عبدالله باذيب وأحمد سعيد باخبيرة وحسن السلامي وعلي عبدالرزاق باذيب...إلخ، إن كان عبدالله باذيب هو عنوان الشيوعيين اليمنيين ورائدهم.
التنظيم السياسي الموحّد الجبهة القومية في الجنوب:
وهو تنظيم تأسّس بعد حوارات دامت خمس سنوات بين الجبهة القومية والاتحاد الشعبي الديمقراطي والطليعة الشعبية في 1975م في الجنوب، وعقد مؤتمره التوحيدي من 11 - 13أكتوبر 1975م، تحت شعار “لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية، وتنفيذ الخطة الخمسية، وبناء الحزب الطليعي” وكان لعبدالله باذيب وعبدالفتاح إسماعيل وسالمين وأنيس حسن يحيى الدور البارز في تأسيس هذا التنظيم، وما قام به نايف حواتمة من تقريب الأفكار بينهم، وقد أرفق الأستاذ عبدالباري طاهر في خاتمة الكتاب شهادة يحكي فيها خطوات تأسيس حزب العمل اليمني من خليط شخصيات تنتمي إلى البعث واتحاد الشعب الديمقراطي والديمقراطي الثوري اليمني، ويحدّد طاهر “الكونفرنس الذي انعقد في سبتمبر 1975م وإقرار البرنامج السياسي الجديد، وانتخاب قيادة شابة جديدة”354ص؛ إلاّ أن المؤلف وهو يجد متسعاً للحديث عن الفصائل الماركسية المتفقة في رؤيتها والمختلفة في طرق العمل، وهو في جوهرها حزب واحد، اتحدت عام 1979م ضمن الحزب الاشتراكي اليمني، وفي الشمال كان لها تسمية تكتيكية “حزب الوحدة الشعبية” نجده لا يشير إلى التنظيم الناصري؛ لا كتيار عريض متواجد في صفوف التجار والفلاحين والطلاب والضباط؛ بل لا يشير إلى التنظيم الشعبي الذي كان بقيادة عبدالله المجعلي وفيه الكثير من الفصائل المسلّحة التي انتهجت طريق الكفاح المسلّح منذ قيام ثورة أكتوبر عام 1963م وخروجهم من الجبهة القومية بعد أن شارك المجعلي وآخرون في الاجتماع التأسيسي بدار السعادة، وهو كذلك لا يشير إليهم كتنظيم تأسس عام 1965م، كفرع للطليعة العربية التي كان أمينها العام جمال عبدالناصر، وأمينها العام المساعد المفكر أحمد صدقي الدجاني، وفي الجنوب إلى جوار التنظيم الشعبي الذي يقوده المجعلي كان هناك اتحاد القوى الاشتراكية، ففي الشمال بدأ التنظيم من خلال “القاعدة الطلابية” التي أسّسها الشهيد عيسى محمد سيف ومجموعة من زملائه الطلاب، ثم أصبح تنظيماً سياسياً كفرع للتنظيم القومي الذي مركزه في مصر “الطليعة العربية” وكان غطاؤها في اليمن “طلائع الوحدة العربية” وقد عقد مؤتمر التنظيم القومي “الطليعة العربية” في 13 12- - 1969م، وقد مثّل فرع اليمن فيه محمد قائد الأغبري، وصالح الحارثي، وحمود عبدالجبار سلام الحمادي، واضع خطة حركة 15 أكتوبر، ومحمد العفيف، وكان المؤتمر الثاني في عام 1971م بعد رحيل جمال عبدالناصر، ومن أبرز القيادات التأسيسية لفرع التنظيم في اليمن: الدكتور محمد قائد الأغبري، وعبدالله المجعلي الذي استشهد في نقيل يسلح في عهد الرئيس الإرياني، وصالح الحارثي، وعبده نعمان عطا، وعمر الوصابي، وهاشم علي عابد، وعيسى محمد سيف، ومحمد أحمد العفيف، وعلي بن علي هادي، وعلي محمد سعيد البيحاني، إضافة إلى دعم شخصي من عبدالغني مطهر، وقد أصبح التنظيم فرع اليمن متواجداً في ستة مواقع “الشمال، والجنوب والكويت، ومصر، وبريطانيا، وأمريكا” وقد تناوبت على قيادة التنظيم فرع اليمن كل من “محمد قائد الأغبري، ومحمد عبدالرب المقطري، وهاشم علي عابد” وأما موقع الجنوب فقد قاده كل من محمد عبدالله الصغير وصالح الحارثي وعلي محمد البيحاني، وفي المؤتمر الأول لتنظيم الطليعة العربية – فرع اليمن - الذي عقد في سبتمبر 1971م، تم انتخاب محمد قائد الاغبري أميناً عاماً وصالح الحارثي نائباً “أمين عام مساعد”، وفي المؤتمر الثاني الذي عقد في عام 1973م، تم انتخاب الشهيد محمد أحمد إبراهيم أميناً عاماً وفارس سالم الشريف أميناً عاماً مساعداً، كان في قيادة القوات الجوية في بداية السبعينيات، وفي المؤتمر الثالث لفرع التنظيم باليمن عام 1973م تم تثبيت محمد أحمد إبراهيم وانتخاب سالم السقاف أميناً مساعداً، وفي هذا المؤتمر قرروا تغيير اسم الغطاء من “طلائع الوحدة العربية” إلى “الاتحاد الاشتراكي”، وفي المؤتمر الرابع لفرع اليمن في عام 1974م، بعد قيام حركة 13 يونيو التصحيحية؛ تم انتخاب سالم السقاف أميناً عاماً، وعبد السلام مقبل أميناً مساعداً، وأقرّ تجميد العلاقات التنظيمية مع التنظيم القومي، مع بقاء العلاقات الثقافية والسياسية، وأقرّوا اسم الطلائع الوحدوية اليمنية «تطوير» والغطاء الاتحاد الشعبي اليمني «تش» وفي المؤتمر الاستثنائي عام 1975م تم انتخاب سالم السقاف أميناً عاماً, وانتخاب عيسى محمد سيف مسؤولاً عن التخطيط ومتابعة الحركة السياسية في القيادة التنفيذية، وتم إضافة الشهيد إبراهيم الحمدي إلى القيادة التنفيذية، وفي المؤتمر العام الخامس الذي انعقد في 30-1مايو1977م تم انتخاب عيسى محمد سيف أميناً عاماً وسالم السقاف نائباً وإبراهيم الحمدي عضواً في اللجنة المركزية والقيادة التنفيذية، وفي ديسمبر 1977م بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، عقدت اللجنة المركزية وأقرّوا إنشاء جبهة 13 يونيو للقوى الشعبية، ثم كانت حركة 15 أكتوبر 1978م، والتي انتهت بمحاكمة شكلية للمدنيين وإخفائهم حتى اليوم، وإعدام العسكريين دون محاكمة، وإخفاء جثث الجميع حتى يومنا هذا، ومع استمرار الملاحقات والاغتيالات لكوادر التنظيم، حتى قيام الوحدة واستئناف نشاطهم الحزبي بشكل علني قبل أن تعلن بقية الأحزاب تواجدها العلني
* الأحزاب القومية في اليمن – قادري أحمد حيدر 2010م.. الآفاق للطباعة والنشر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.